أين اختفت النافورات؟
يونس جنوحي
مع انتشار موجة الحر وارتفاع درجات الحرارة، يلجأ الناس إلى النافورات العمومية خصوصا في المناطق الجغرافية الجافة البعيدة عن البحر.
إذ أن أطفال الأحياء الشعبية الذين لا يملكون المال الكافي لولوج المسابح، يجدون ضالتهم في النافورات العمومية التي توجد في الشوارع الرئيسية لبعض المدن الصغرى وينتقمون لحرمانهم من حقهم في التوفر على المسابح البلدية العمومية.
لكن الغريب أن مدنا شاطئية تعرف نفس الظاهرة، ويقفز الأطفال والمراهقون من النافورات إلى قلب الشوارع العمومية، في عرقلة خطيرة لحركة السير يعرضون حياتهم وحياة المارة للخطر. وبدل أن يتوجه هؤلاء المراهقون إلى الشاطئ للاستجمام، يلتقطون الصور وسط النافورات العمومية التي تكون لبعضها رمزية تاريخية.
والحقيقة أن علاقتنا بالنافورات ملتبسة. إذ أنها تبقى من ركائز العمارة الإسلامية في عدد من الأماكن التاريخية في المغرب. لكن جلها تعرضت للإهمال رغم أنها عمّرت لقرون.
وبعض النافورات اختفت تماما خصوصا في مدن فاس ومكناس وتارودانت التي تبقى أسوارها الشهيرة شاهدة على قِدم الإعمار بها. وباستثناء بعض المساجد القديمة والقصور المملوكة للعائلات القديمة، والتي تحول بعضها الآن إلى دور للضيافة يحجز بها السياح من مختلف أنحاء العالم، فإن جل النافورات التي كانت تتوفر ببعض المساجد أتلفت واختفت بعد عمليات الترميم.
ومن المؤسف المبكي فعلا أن تكون بعض النافورات التي تعود إلى العهد الإسلامي في الأندلس، لا تزال قائمة تفرق المياه في كل اتجاه داخل مساجد غرناطة وإشبيلية بإسبانيا، في حين أن النافورات في بعض المدن المغربية، اختفت تماما، ويتم استبدالها أحيانا بنافورات عصرية لا تحمل أي رمزية تاريخية، تتخللها الأطراف المعدنية والمعدات الإلكترونية التي تجعل الماء المنبعث منها ملونا يتراقص على إيقاع الموسيقى. بينما يعاني الحرفيون في كل المدن القديمة المغربية من البطالة والإفلاس بسبب إهمال الناس للتراث المعماري المغربي الذي كانت النافورة أو «الخصة» في قلب الدار من أهم ركائزه.
السنة الماضية قامت الدنيا ولم تقعد بسبب ما قيل إنه فضيحة مدوية بسبب إهمال نافورة الإنجليز بقلب مدينة طنجة. إذ أن هذه النافورة التي وصلتها أشغال الترميم في عز فترة الحجر الصحي، كادت أن تتعرض للإتلاف التام أثناء مرور الأشغال، حيث كادت جرافة أن تأتي عليها بالكامل رغم أنها إرث ثمين من الفترة الدولية. ولولا وقفة احتجاجية لبعض أبناء المدينة القديمة الذين ارتبطت طفولتهم بها، لوقع الأسوأ.
ولحسن الحظ فإن هذه النافورة عادت إليها الحياة بعد الترميم، وعرفت لحظة تاريخية عندما استعادت وظيفتها في ضخ المياه إلى الأعلى وإصدار ذلك الصوت السحري الذي يصل إلى آذان كل من يتجول في رياض الإنجليز.
أما بعض النافورات الأخرى فلم تكن بنفس القدر من الحظ. إذ أن بعض الإقامات التي كانت موضوع صراع بين الورثة أو التي طالها الإهمال لغياب مالكيها الأصليين، خصوصا اليهود المغاربة الذين توجهوا إلى كندا منذ أزيد من نصف قرن، فقد طالها الإهمال وتغيرت معالمها وبدأت جدرانها الداخلية والخارجية في التساقط، خصوصا في الشوارع الخلفية التي تؤدي إلى فنادق تاريخية مطلة على المرفأ القديم للمدينة. إذ أن هذه المنازل يصعب إعادة بنائها بنفس الطراز المعماري اليوم حتى لو بوشرت بها أشغال إعادة الترميم والسبب أن أباطرة العقار ليس لديهم الوقت والاستعداد لتبديد المساحة حتى تكون موضعا لنافورة مغربية، إذ يمكن أن تصعد مكانها شقة صغيرة قد يعادل ثمنها تكلفة الرحلة التي قام بها طارق ابن زياد من هناك لفتح الأندلس!