شوف تشوف

شوف تشوف

أيتام يتيم 2.2

 

 

إذا كنّا ندافع عن حق موظفي «الأنابيك» في التغطية الصحية فهذا لا يعني أننا متفقون مع طريقة عمل هذه الوكالة، إذ إن هناك تواطؤا واضحا بين بعض مديري «الأنابيك» في المدن الكبرى، بحيث يتم وضع المئات من الشباب حاملي الشواهد تحت إشارة مقاولات، وتتكلف «الأنابيك» بجزء من منحة التدريب فيما تتكلف المقاولات بالجزء الآخر من المنحة.

أي أن هذه المقاولات تستفيد من هؤلاء الشباب أحيانا بأقل من 500 درهم شهريا، وعندما تنتهي المدة، يتم استبدالهم بفوج آخر، ونادرا ما يتم ترسيم أحدهم بمبرر «عدم الاقتناع بالكفاءة»، حتى أن هناك مئات المقاولات في الدار البيضاء والقنيطرة وطنجة لا يتجاوز عدد عمالها الرسميين أصابع اليد الواحدة بينما تشغل العشرات بعقود تدريب، هذا دون الحديث عن الاستغلال الجنسي والمعاملات الحاطة من الكرامة التي تتعرض لها المتدربات، وهذا كان موضوع شكايات تعمل «الأنابيك» على طمرها مرارا.

وبالنهاية، فطبيعة العقود التي تبرمها «الأنابيك» والمقاولات من جهة والمتدربون من جهة ثانية تسمح بهذا النوع من «العبودية القانونية».

 

إذن، في الوقت الذي كنا ننتظر أن يعمل الوزير النقابي على الحد من هذه العبودية، التي كانت مرارا موضوعا للبيانات النقابية التي كان يوقع عليها أيام «النضال»، ها هو يتيم، وبتحالف مع بنعبد القادر، «اليساري» الذي لا تزال أصداء تاريخه في «الحكامة» على لسان كل موظفي مديرية التعاون الدولي التي تمر منها ملايين الدولارات التي تهبها وتمنحها المنظمات الدولية للتعليم المغربي، فهذا الإسلامي والنقابي سابقا وقع مع ذاك «اليساري» سابقا قرارا مشتركا ينقل نظام العبودية الذي ترعاه «الأنابيك» في القطاع إلى القطاع العام.

هكذا سيكون من حق كل إدارة عمومية أن تشغل باسم التداريب العدد الذي تريد من حاملي الشواهد، دون تحديد سقف للعدد، وسيكون هؤلاء مجبرين على العمل لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد، أي العمل لسنة كاملة، يكون للمتدرب فيها الحق في 15 يوما إجازة، بأجرة 800 درهم لحاملي الباكلوريا ودبلومات التكوين المهني، و1200 لحاملي الإجازة و1500 لحاملي الماستر.

والأدهى هو أن هذا التدريب يفرض على هؤلاء المتدربين، أو «العبيد الجدد»، القيام بكل متطلبات العمل الذي تم بموجبه قبول التدريب، كما يقول نص القرار المشترك، ولكن لا يمكنهم الحصول على إمكانية للتوظيف مهما كانت الظروف، إذ أقصى ما يمكنهم الاستفادة منه هو ورقة مكتوب عليها بخط اليد اسم المتدرب وإشعار نهاية التدريب.

ومثلما عملت المقاولات الخاصة على تحويل هذا النظام من العبودية إلى نظام دائم، لأنه مربح لها، ها هي الحكومة تستورد هذه العبودية إلى دواليب الدولة، بحيث لن يكون لأي إدارة إطلاقا الحق في أن توظف أو تطلب موظفين جددا، ففي كل مرة ستتم الاستعانة بـ«عمال الإنعاش» الذين كانت تحارب بهم الدولة الهشاشة في الثمانينات والتسعينات، للقيام بالمهام الإدارية، خاصة في بعض الأوقات من السنة.

ولنتذكر هنا أن نظام العبودية نفسه تم تبنيه قبل سنتين في الجامعة، عندما قرر لحسن الداودي تشغيل الطلبة في سلك الدكتوراه في سلك التدريس، بمبلغ لا يتجاوز 5 آلاف درهم لمدة سنة قابلة للتجديد لكن دون إمكانية للتوظيف، أي أن كليات كثيرة أضحت تعتمد على هؤلاء بسبب ضعف تكلفتهم من جهة واستغلال حاجتهم لتدريس فصول السلك الأول من الجامعة حيث يتجاوز عدد الطلبة ألفي طالب، ولنا أن نتصور حال هؤلاء وهم يصححون هذه الأيام ألفي ورقة.

وهذا الاستغلال لا يتوقف هنا فقط، بل إنه تم السماح للكليات بتشغيل طلبة الماستر في أعمال إدارية مجانية باسم «التدريب المهني»، من قبيل تسجيل الطلبة الجدد والحراسة، بل إن بعض الأساتذة الكسالى في بعض الشعب يعتمدون على هؤلاء أيضا في التصحيح.

هكذا أضحت الهشاشة سياسة رسمية للحكومة في مجال التشغيل، غير أنه، بدل أن تضمن الاستقرار المهني وانتزاع حقوق العمال في القطاع الخاص، هاهي تنقل العبودية المطبقة في هذا القطاع إلى الإدارات العمومية، بشكل يسمح بتشغيل أي عدد من المستخدمين دون التزام اجتماعي، بل وحتى الحماية التي يتم الحديث عنها تبقى مجرد وعود كاذبة، وعشرات الملفات الخاصة بمتدربين أصيبوا بحوادث أثناء عملهم مايزال أصحابها ينتظرون تعويضاتهم لسنوات، بسبب الطبيعة الحلزونية لعمل الإدارة في «الأنابيك»، وعندما يحتج المطالبون بالحق، يقال لهم بأنه «تبدل المدير» أو «شوفو السييج فكازا»، كما حدث في طنجة والرباط والقنيطرة في السنوات الأخيرة.

إذن، بدل وضع استراتيجيات واضحة للقضاء على بطالة الخريجين، والتي تتجاوز 30 في المائة، والحرص على تطبيق قانون الشغل بشكل يضمن حقوق المستخدمين، وبالتالي يشجع العاطلين على الإقبال على القطاع الخاص بشروط مناسبة وذات جاذبية، هاهو يتيم الحكومة يخلق السراب ويريد تصويره على هيئة ماء، فالبطالة في صفوف الخريجين تتفاقم سنة بعد أخرى، وفي الوقت نفسه يتم تضييق الأمل أمام آلاف الخريجين بفرص عمل أقل ما يقال عنها بأنها تنتمي للعصور الوسطى، حيث الأجير يعمل وفق مزاج سيده مقابل وجبة غذاء دون سواها.

والأسئلة التي تطرح هنا لا حصر لها، ألا تعكس هذه القرارات توجهات ليبرالية متوحشة؟ ألا يعني أن يتخذ إسلامي نقابي ويساري قرارا يكرس هشاشة التوظيف والتشغيل انفصاما خطيرا؟

ثم لماذا لا يتم دمج هذا التدريب، إذا كان الهدف منه فعلا هو التأهيل، ضمن سنوات التكوين في الجامعات والثانويات ومؤسسات التكوين المهني؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى