شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

أيام في حماة

حسن البصري

حين تناقلت وكالات الأنباء العالمية خبر سقوط دمشق في يد قوات المعارضة السورية، تذكرت أبناء مدينة حماة والرعب الساكن في دواخلهم.. تذكرت زيارتي لهذه المدينة السورية التي ينبعث من دروبها عبق التاريخ.

في يوم غائم من شهر فبراير 2008، شرعت الطائرة التي كانت تحمل في جوفها الوفد الرياضي للوداد المغربي في الهبوط على أرضية مطار دمشق الدولي، طلب صوت نسوي رخيم من المسافرين التزام أماكنهم قبل أن تعرض بإيجاز الحالة الجوية لعاصمة الأمويين.

الرحلة من الدار البيضاء إلى دمشق عبر عمان كانت مرهقة، لكن الشطر البري من رحلة إلى مدينة حماة كان أقسى..

ركبنا حافلة حكومية كانت تنتظرنا في بوابة المطار، وقبل أن تنطلق الرحلة تمنى لنا السائق مقاما طيبا في سوريا وأخبرنا ببعض تفاصيل سفر يقودنا إلى حماة عبر حمص، قبل أن يكشف عن عشقه لفريق الوحدة.

كان نادي الطليعة السوري هو خصم الوداد في إطار منافسات دوري أبطال العرب، وكان المدرب الفرنسي كفالي يقلب أوراقه منذ أن أقلعت الحافلة، جلست خلف السائق وبجانبي المكلف بالأمتعة الذي كان منشغلا بألوان القمصان، خاصة وأن الخصم السوري يرتدي اللون الأحمر نفسه.

لاحظت أن السائق يخفي تحت سترته الرمادية مسدسا، قلت لجليسي إنه شرطي متنكر في هيئة سائق حافلة، حرصنا في حوارنا على استبدال الكلمات بهمسات، وآمنا بأننا في بلد نصفه مواطنون ونصفه الثاني حراس للمواطنين.

التزمنا الصمت ونحن نعيش المعنى الحقيقي لعبارة «ممنوع الكلام مع السائق»، أو بتعبير أصح ممنوع الحديث مع مخبر، كلما استرقت النظر إلى وجهه في المرآة العاكسة أراه منشغلا بفتل شاربيه المعقوفين كمنقار صقر.

توقفنا في منتصف الطريق على مشارف مدينة حمص، تناولنا وجبة غداء أخطأت موعدها، بينما جلس السائق في مكان استراتيجي يراقب الوضع وهو ينفث دخان «الشيشا» بنهم شديد، قبل أن نستأنف الرحلة في حافلة نسمع فيها خطب بشار وأخبار باسل وذكرى حافظ.

في حماة يقودك القدر للوقوف على ناصية تاريخ، وحين تجالس أبناء هذه المدينة في المقاهي المصطفة قرب نهر العاصي، تكتشف حجم الصمت الذي يسكن رواد المقهى وخوفهم من الآخر.

حين نقلنا هواجسنا لسي ناصر، وهو مهاجر مغربي جاء من حلب لمناصرة الوداد، كشف لنا سر الصمت الساكن في دواخل الحمويين، فذكرنا بمذبحة حماة في الثمانينات حين أقدم حافظ الأسد على هدم منازل معارضيه كي تكون حماة درسا وعبرة لباقي المدن، وعلى جماجم شباب المدينة سيبني الأسد مشروعه الثوري.

في فندق الروضة، كان ناصر يمسح الفضاء بعينيه خوفا من مخبر، يتحول كلامه إلى همس كلما مر بجانبه عامل في الفندق. لكنه يصر على أن الأسد وأشباله ليسوا ملوك الغابة في الشام، وأن الديمقراطية في سوريا تخشى من السباع والضباع.

في ملعب حماة، فاز الوداد بهدفين دون رد، في مباراة حضرها جمهور الطليعة السوري وكأن على رؤوسهم الطير، وفي نهاية المباراة تحدث المدرب السوري حسين عفش بإيجاز عن المباراة وأسهب في الحديث عن الثورة الكروية تحت قيادة بشار.

رافقت كفالي، مدرب الوداد، في جولة تسوق بالمدينة القديمة لحماة، صادفنا مجموعة من الباحثين الفرنسيين سيتبين أنهم ليسوا سياحا مارست عليهم المدينة جاذبيتها، بل فريق من الباحثين في علم الآثار. انخرط كفالي في حديث مطول مع العلماء وانتهى اللقاء بصور للذكرى من كاميرا سائق فريق الباحثين.

في سوريا الأسد المذعور، لا وجود للقيم الفضلى إلا في بطولة كرة القدم، حيث تتنافس فرق الكرامة والحرية والطليعة والفتوة والوثبة والوحدة واليقظة، من أجل درع يقدمه محافظ برتبة عقيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى