شوف تشوف

الرئيسيةثقافة وفنفسحة الصيف

أونفري: الإسلام يقدم نظاما متحررا من المادية والمسلمون يعلموننا درسا في مناهضتها

الاقتصاد الليبرالي جعل الربح غاية جميع السياسات ومنتهاها

يعتبر ميشيل أونفري امتدادا لفلاسفة ما بعد الحداثة في فرنسا، وقد أسهم بصفة جدية في الفلسفة الفرنسية المعاصرة، وهو معروف بغزارة مؤلفاته التي تعد بالعشرات. لم يبدأ الكتابة إلا أواخر الثمانينيات، لتتوالى الإصدارات بمعدل كتاب في العام على الأقل، فاستحق لقب أكثر الفلاسفة غزارة وظهورا في الإعلام. كان يحلم بأن يكون سائق قطار، فإذا به من أبرز مفكري الجيل الجديد في فرنسا، ومن وجوه «اليسار المعادي لليبرالية». بنى خطابه على فلسفة المتعة، وأعاد قراءة المعلمين الكبار. يرى أونفري أن الفلسفة فن للوجود، وأن غايتها الوصول إلى السعادة القصوى عبر المتع الحسية والفكرية. وقد أعاد قراءة تاريخ الفلسفة تحت عنوان «تاريخ مضاد للفلسفة».

يحمل هذا الفيلسوف مشروعا فكريا تحرريا يطمح إلى إنزال الفلسفة من فضاء النخب الجامعية إلى الفضاء العمومي، وقد قام بتأسيس «الجامعة الشعبية» تحت شعار الفلسفة للجميع. هذه الجامعة أسسها مع أصدقائه عام 2002، لتستقبل كل من يرغب بحضور صفوف في الفلسفة والفن والتاريخ مجانا، ومن دون أي شروط كالشهادة أو حتى القدرة على القراءة والكتابة! النجاح الاستثنائي للجامعة الشعبية دفع إلى تكرار التجربة في مدن فرنسية أخرى. أثار جدلا واسعا في الأوساط الفكرية الفرنسية، بسبب نقده اللاذع لسيغموند فرويد ودعوته إلى تأسيس تحليل نفسي بعيدا عن فرويد.

 

فيلسوف مضاد

لا يكف الفيلسوف الفرنسي ميشيل أونفري عن إثارة الجدل في بلاده بمراجعات فكرية توصف بالمفاجئة والصادمة. وفي مراجعات جديدة ذات صلة بعالم جائحة كورونا، قال أونفري، في حواره مع مجلة «لوبوان» الفرنسية، إن أوروبا أصبحت بمثابة «عالم ثالث جديد»، معتبرا أن تفشي كورونا يتزامن مع انهيار إيديولوجية أوروبا التي تتبع السياسة الليبرالية الهادفة إلى الربح وحسب.

تجاوز عدد مؤلفات أونفري المائة، ونالت في مجملها أحسن استقبال من طرف القراء، وقد وصلت مبيعات بعضها إلى حوالي 500 ألف نسخة، وترجم معظمها إلى حوالي 30 لغة.

ولم يبق حبيس التأمل النظري المجرد والتلذذ بالكلمة الفلسفية، بل راح ينغمس في الفعل وينشغل بقضايا الحياة العملية والمشاركة في الصراع السياسي والثقافي. وهو ليس من الذين يخفون هويتهم السياسية، أناركي وتحرري، وهو بذلك ينتمي طبيعيا إلى اليسار، ولكن اليسار الحقيقي المعني بحياة البشر الواقعيين.

قرر الانسحاب من التربية الوطنية، بعدما تأكد بأن تدريس الفلسفة في المدارس الثانوية الفرنسية قد تم تحريفه وأدلجته، ولم يعد يؤدي الوظيفة المنوطة به أساسا، ألا وهي تنمية الروح النقدية وتقديم الفكر الفلسفي الحقيقي المغيب للناشئة، بدل إلهاء عقولهم بفلسفة رسمية ملساء غير ثورية، إن لم تكن رجعية تبليدية .

ويبقى إسهامه المتميز تأسيسه جامعة شعبية في «كون» سنة 2002، لإيصال «أم العلوم» إلى كل شرائح المجتمع مجانا، ودون تمييز في السن أو في المستوى الاجتماعي أو الثقافي أو في الجنس، ونالت نجاحا منقطع النظير حضورا وإشعاعا، إذ كانت لها بعض الفروع في جزيرة كورسيكا ومرسيليا وغيرهما، بل وصلت حتى كندا والمغرب.

 

الانهيار الوشيك للحضارة الغربية

يرى أونفري أن جائحة فيروس كورونا المستجد ستشكل مرحلة جديدة ضمن «انهيار الحضارة اليهودية المسيحية»، حسب التحليل الذي قدمه في كتابه «الانحطاط»، واعتبر فيه أن الحضارة الغربية في انهيار متواصل، وتعيش حالة من الهرم، مشيرا إلى غياب الإبداع الأدبي والفني الحقيقي ضمن استعراضه مظاهر أفول الغرب.

وتُظهر الجائحة -حسب الفيلسوف الفرنسي- عدم كفاءة رئيس الدولة والحكومة، وعدم تماسك خطابات الرئيس إيمانويل ماكرون وتناقضها (مثل الدعوة للبقاء في المنزل والذهاب للتصويت)؛ مما يؤدي إلى عدم الثقة في الرئيس «الذي لا يطيعه أحد».

ويتابع أونفري القول إن إيديولوجية أوروبا آخذة في الانهيار، وذلك نتيجة السياسة الليبرالية التي تبرر وضع كبار السن في ممرات المستشفيات وتركهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة، كما أن الإلقاء بالفريق الطبي في «ساحة الحرب»، والعجز عن توفير أقنعة لهم أو حتى معقم كحولي؛ لا تنذر بالسقوط ولا تعجل به فقط، بل تظهر بشكل كامل الطرق التي يسلكها هذا السقوط.

ويقول إن وسائل الإعلام ترصد الموت على مدار الساعة، وتضع الفرنسيين أمام هذه المعضلة الوجودية.

وفي حديثه عن إرسال الصين مليون قناع في شكل مساعدات، وكيف أظهر ذلك ضعف الأوروبيين الشديد؛ أوضح أونفري أن ذلك يشبه سقوط الاتحاد السوفياتي، عندما توهم الغرب لأكثر من نصف قرن نجاح الإمبراطورية الماركسية اللينينية.

وفي الحقيقة، يظهر الوباء كيف أن أوروبا -التي كانت قوة اقتصادية عالمية لمدة ربع قرن- بات من المحتمل أن تلتحق بصفوف الإمبراطوريات العالمية الكبرى التي كان مآلها السقوط، ومؤشر ذلك عجزها عن صنع الأقنعة للفرق الطبية التي تستقبل ضحايا الوباء. باختصار شديد، يقول الفيلسوف: «أصبحت أوروبا العالم الثالث الجديد».

لقد تصور الجميع -حسب الفيلسوف الفرنسي- أن الأزمة القادمة ستكون اقتصادية في الأساس، ولكن ما جعل العالم ينهار هو فيروس. وتوضيحا لسبب سوء تقدير هذه النهاية، أشار أونفري إلى أن الفيروس مرتبط باقتصاد العولمة. وشرح رأيه مبينا أن الاقتصاد الليبرالي جعل الربح غاية جميع السياسات ومنتهاها، وتساءل: لماذا ننتج أقنعة ونخزنها؟ معتبرا أن ذلك جعل الخدمات الصحية حكرا على الأثرياء، الذين يستطيعون توفير الأموال للتمتع بها.

وتابع: «لا يمكن إنكار حقيقة أن الفيروس عرى الخيارات الاقتصادية، وبالتالي السياسة المتبعة في فرنسا، انطلاقا من فاليري جيسكار ديستان، رئيس الجمهورية الفرنسية من 1974 حتى 1981، إلى فرانسوا ميتران، وصولا إلى إيمانويل ماكرون».

 

في نقد الإسلاموفوبيا

في جدل ساخن بين اثنين من المفكرين الفرنسيين المعروفين بمواقفهم المثيرة للجدل، أشاد الفيلسوف الفرنسي ميشيل أونفري بالمسلمين، وذلك في مناظرته مع الصحافي والكاتب إريك زمور حول الأحداث الأخيرة في البلاد.

واعتبر أونفري -المعروف بإلحاده- أن الإسلام يقدم نظاما متحررا من المادية، معتبرًا أن «المسلمين يعلموننا درسًا في مناهضة المادية»، وأردف «لأنه مهما كان رأيك، فهؤلاء أناس لديهم فكرة مثالية، فكرة روحانية». واتفق المتحاوران على أن فرنسا تعيش ما يشبه «صداما بين حضارتين» و»حربا أهلية»، في حين قال زمور -المعروف بمواقفه المؤيدة لليمين المتشدد والمناهضة للمسلمين في فرنسا- إن الإسلام «قوة سياسية» تريد «الانتقام من أوروبا».

واعتبر أونفري أن «للمسلمين إحساس بالشرف»، وهو «شيء نادر للغاية في الغرب اليوم»، على حد قوله. ويرى الفيلسوف الفرنسي – في الحوار- أن المسلمين «لديهم أخلاق وقيم»، معتبرا أنهم «يؤمنون بأن الجنس مع أي شخص، عندما تريد، وكما تريد، ليس بالضرورة أمرا مشرفا للغاية تجاه النساء»، وهو ما يراه أونفري «مسألة كرامة؛ لأن هؤلاء الناس لديهم أخلاق الشرف».

وفي مطلع أكتوبر الماضي، كتب أونفري مقالا ردا على الخطاب الذي ألقاه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن «الانفصالية الإسلامية»، واعتبر أن فرنسا «لا تنتهج سياسة حضارية لسبب وجيه وبسيط، هو أنها لا تملك سياسة وتحتقر حضارتها»، ويحدث ذلك منذ عام 1969، وبالتحديد منذ اختفاء سياسة الجنرال شارل دوغول.

وتابع أونفري -الذي قال إن الطبقة الإعلامية الفرنسية لديها مصلحة في الصمت عن إنتاجاته الإيجابية، التي تشمل نحو 50 كتابا- أن فرنسا تصنف مع الولايات المتحدة التي تبحث عن أعداء جدد بعد سقوط الإمبراطورية السوفياتية؛ وذلك لأن أمريكا بحاجة إلى الحرب، وبالتالي لإنتاج وبيع واستخدام الأسلحة، إذ يشكل المجمع الصناعي العسكري أساس هذا البلد الشاب، الذي لم يتجاوز عمره 3 قرون، حسب تعبير الفيلسوف الفرنسي.

وقال أونفري: «لذلك نحن نعلم لماذا ذهبت الولايات المتحدة إلى الحرب في أفغانستان والعراق وليبيا وجنوب الساحل الإفريقي، هذه هي مصلحتها التجارية. ولكن لماذا إذن تجد فرنسا نفسها في موقع مساعد للجيش الأمريكي، لأي فائدة؟ ما شرعيتنا في قصف قرى الجبال الأفغانية وتدمير العائلات والأطفال والنساء والشيوخ والكبار؟». وأضاف: «علينا أن نترك الدول الإسلامية التي لا تهددنا بشكل مباشر بسلام».

واستنكر أونفري غزو بلدان لم تضر فرنسا بحجة ترسيخ حقوق الإنسان، وهي الحجة التي قال إنها تُخفي أهداف الاستعمار الجديد والأعمال التجارية، بينما يتم غزو بلدان مسلمة وفقيرة وغير مجهزة عسكريا، مما يتسبب في موت المدنيين.

وتابع مستهجنا: «من يقول إن فرنسا كانت تخشى العراق وليبيا، لأن هذه الأنظمة العلمانية كانت أنظمة صديقة، لدرجة أن فرنسا ساعدت صدام حسين في مشروعه النووي، وزودته بمقاتلين فرنسيين في عهد شيراك، وحتى استقبلت العقيد القذافي بضجة كبيرة، بما في ذلك عندما نصب خيمته البدوية في حديقة ماريني، في حقبة نيكولا ساركوزي».

وأردف كذلك: «من يقول إن الماليين في فرنسا ارتكبوا اعتداءات على التراب الوطني (الفرنسي)؟»، مستنكرا منع الدولة الفرنسية مالي من تقرير مصيرها وسيادتها، «حتى لو أقامت نظاما إسلاميا، فباسم أي مصلحة كانت يمكن أن نسمح لأنفسنا بمنعها؟ إلا إذا كانت الأسباب هي الاستعمار الجديد».

ويكمل: «نعلم من مالي أن الغرب لا يهتم بحقوق الإنسان في بلاد إفريقيا، فقد مضى نصف قرن منذ الاستعمار والاستعمار الجديد، وحقوق الإنسان هي أقل اهتمامات الحكام الغربيين والفرنسيين في هذه القارة المستغلة (إفريقيا)؛ فالغرب موجود لسرقة الشعوب الإفريقية بتواطؤ حكامها الفاسدين.»

وقال أونفري -الذي اعتبر أنه يجب وضع حد للإسلاموفوبيا في فرنسا، ونزع الطابع الإيديولوجي عن التاريخ- إنه ليس لديه شك في أن إيمانويل ماكرون من أتباع الفيلسوف والمنظر السياسي الأمريكي فرانسيس فوكوياما، «صاحب فكرة نهاية التاريخ والإنسان الأخير».

ويعرف الكاتب والصحافي إريك زمور بمواقفه المعادية للمسلمين في فرنسا، وفي تقرير سابق لصحيفة «لومونود»، أشار إلى أن موازين القوى في العالم ليست اقتصادية، بقدر ما هي ديموغرافية، وذكر أن النمو الديموغرافي انقلب لغير صالح البيض، الذين كانوا 4 أضعاف إفريقيا، واستعمروا العالم وأبادوا الهنود الحمر والسكان الأصليين واستعبدوا الأفارقة، وأوضح أن اتجاه التيار اليوم قد انعكس، وأن البيض غدوا هم من سيكونون بالنسبة إلى المهاجرين الجدد محل الهنود الحمر والعبيد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى