«أوميكرون» وشفافية جنوب إفريقيا
سواء ظهر المتحور الذي أطلق عليه اسم «أوميكرون» على أراضيها أول مرة، أو في الولايات المتحدة كما بدأت تقارير تشير في الأيام الماضية، تعاطت جنوب إفريقيا بمسؤولية مع المتغيرات التي ظهرت لديها، فسارعت إلى الإعلان عما تعرفه، مانحة منظمة الصحة العالمية والدول كافة بلا أي تمييز، الفرصة الكافية للتحرك وأخذ الاحتياطات اللازمة إن رأت ضرورة لذلك.
تعجلت دول عديدة في إغلاق الحدود بوجه الوافدين من العواصم الإفريقية على وجه الخصوص، نُظِر إليه أنه غير ضروري، بل ويحمل في طياته عقابا بلا مبرر، كما أعاد الجدل حول عدم المساواة في توزيع اللقاحات، وكيف أن الدول الغنية استأثرت بنفسها بالجزء الأكبر من اللقاحات، فيما تركت الدول الفقيرة لتجاهد لتأمين اللقاحات، وكيف أن ذلك ينعكس على الغرب نتيجة هذه السياسات، مهما حاول تصور العكس أو ادعاءه.
لكن الأهم أنه أعاد التذكير بخطورة ما قامت به الصين، عندما رصدت فيروس كورونا. على النقيض من جنوب إفريقيا، تسترت الصين وقتا طويلا على ما يجري داخل حدودها. فضلت إعلاء حساباتها السياسية والاقتصادية على أي شيء آخر. بالنسبة إليها، تدار الأمور من الأهم إلى المهم فالأقل أهمية، حتى أنها لم تتردد لحظة في اعتقال من تجرؤوا على فضح الحقيقة، بعدما فرضت ستارا حديديا من الرقابة، لمنع تسرب خبر وجود وباء منتشر. ولولا أن الأمر لم يعد قابلا للإخفاء، لما كانت قد اضطرت إلى الإعلان عن التفشي، لكن ذلك لم يردعها عن الاستمرار في المسار نفسه، والانتقال إلى مرحلة أخرى من تضليل العالم بشأن خطورة الوباء وأعداد الوفيات التي يتسبب بها، قبل أن ينكشف الأمر مع انهيار القطاعات الصحية في بلدان عديدة جراء الإصابات والوفيات بسبب الوباء، وبدء إجراء مقارنات بين الأعداد المعلنة في الصين وباقي الدول. ثم تكفلت تحقيقات صحفية بكشف المستور عن عدد ضحايا الوباء بالصين.
ليس من المبالغة القول إن العالم مدين اليوم لجنوب إفريقيا، حتى بعدما تبين أن المتحور الجديد ليس بالخطورة المتصورة مقارنة بـ«دلتا». على الأقل، إنها تصرفت بمسؤولية تامة، ليس فقط تجاه مواطنيها، بل العالم أجمع، فعلت ما يجب عليها لتجنب تكرار سيناريو ما حدث قبل عامين. ببساطة، كانت جنوب إفريقيا واضحة: لست الصين ولا أريد أن أكون مثلها بعد كل ما تسببت به، أصبحت نموذجا معيبا لا يجوز الاقتداء به في إدارة الأزمات… والعالم يدفع، منذ أواخر سنة 2019، ثمن اللامسؤولية التي اتسم بها تعاطي الصين مع انتشار الفيروس.
لن تعود الحياة إلى ما كانت عليه قبل دجنبر 2019، أقله لسنوات عديدة مقبلة. جميع مظاهر الحياة أصبحت عرضة للتأثيرات والتقلبات السريعة. من الاقتصاد وهشاشته، العمل عن بعد ومتطلباته، العلاقات الاجتماعية وتحولاتها. كما تغيرت مفاهيم عدة، سواء في ما يتعلق بالقطاع الطبي ومدى جهوزيته في وقت الأزمات الكبرى، الأوبئة وخطورتها، التطعيم وأهميته، لكن الأكثر أهمية عودة التذكير باللاعدالة السائدة، وكيف يمكن أن ينقسم العالم في لحظة بين فئة مختارة وناجية تستحوذ على اللقاحات وبما يفيض عن حاجتها، وأخرى مهملة ومنسية متروكة لمصيرها.