أول يهودي مغربي يشغل منصب مستشار تجاري للمملكة البريطانية
حسن البصري
في كتابه «اليهود المغاربة.. أسئلة التطبيع وجدلية أهل الذمة»، ينفض الكاتب السوداني أبوبكر الصديق الغبار عن اسم يهودي مغربي استقطبه القصر البريطاني وحوله إلى مستشار في شؤون العلاقات التجارية مع المغرب ودول عربية أخرى، إنه موسى أفلالو التاجر الداهية، الذي لازال اسمه حاضرا في أحد ممرات لندن التي اتخذ منها مقرا لسكناه.
ما سر اسم أفلالو؟ أجمعت الروايات على أن عائلة أفلالو لها أصول أمازيغية، حيث عاشت في الجنوب المغربي بين أقا وتافيلالت، ويبدو أن «أفلالو» هو نعت للمنحدرين من واحات تافيلالت، علما أن الجد جعل من قرية إفران الأطلس مستقرا له قبل أن تنتشر العائلة في ربوع الوطن ويصل صداها إلى التاج البريطاني.
قدم موسى أفلالو نفسه تاجرا، لكنه في الحقيقة كان أكبر من رجل أعمال. هو مغربي يهودي اختارته فيكتوريا ملكة بريطانيا العظمي مستشارا لها، بعد أن ألف كتابا هز الرأي العام البريطاني عنوانه: «الحقيقة عن المغرب». قال فيه إن المغرب «جنة من الثروات الطبيعية»، وقدم للبريطانيين صورة عن المغرب من الداخل، وكيف يفكر سياسيوه؟ وكيف تسعى فرنسا لاستعماره قبل الإنجليز؟ ووضع لهم خارطة طريق لضمان حيازتهم للمغرب.
الكتاب مكتوب باللغة الإنجليزية وطبع في بريطانيا أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، أي في الفترة التي كانت فيها بريطانيا مرشحة لاستعمار المغرب وفي منافسة شرسة مع الفرنسيين حول المغرب، علما أن الكتاب أشار إلى وجود معادن ثمينة.
تعود هذه التنبؤات إلى أواخر سنة 1895 وصولا إلى سنة 1900، وهي الفترة التي لم تكن فيها بريطانيا ولا فرنسا تعلمان كل شيء عن المغرب وتتسابقان إلى استعماره، بكل الوسائل، واضعا بين أيديهما خارطة كبيرة عن احتمالات وجود معادن مثل النحاس والفوسفاط على امتداد التراب المغربي.
هاجر موسى إلى بريطانيا في أواخر القرن 19، وتعلم اللغة الإنجليزية، ليصبح في أواخر أيام المولى الحسن الأول، سنة 1893، موظفا بريطانيا يفاوض المغرب ويترجم خلاصات الاجتماعات. لم يكن موسى واحدا من المغاربة اليهود النافذين وكفى، فقد لقبته الرسائل الرسمية بالصديق، وهي الصفة التي لم تكن توزعها الدولة بسخاء، خصوصا إذا تعلق الأمر بشخص من أصول مغربية يفترض أنه من الرعايا وليس من الأصدقاء. لكن المثير أن القصر لم يذكر الأصول المغربية لموسى أفلالو ولا الطريقة التي عرف بها الأخير كل المعلومات التي أدرجها في كتابه، والتي لا يمكن أن تتأتى لأجنبي من الذين كانوا يحجون إلى المغرب لكتابة مذكرات عن مغامراتهم.
دخل أفلالو قصر باكنغهام، وفي جيبه تفويض بإبرام صفقات باسم السلطان الحسن الأول وباسم وريثه مولاي عبد العزيز، وفتح مفاوضات مع البحرية البريطانية بهدف اقتناء وحدات حربية لحراسة الشواطئ المغربية، واقترب أكثر من الملكة فيكتوريا التي كانت تفضل نوعية الأعمال الجريئة، على عكس زوجها الذي كان أكثر تحفظا، لذا اختفى الرجل بعد رحيل الملكة، ولم يظهر له أثر إلا في كتابات تاريخية، وفي مركز للأبحاث والدراسات الاقتصادية في العاصمة البريطانية لندن التي استقر فيها وظل يتردد على المغرب خاصة مدينة طنجة.