«أول نبية من النساء»
كريم الفحل الشرقاوي
من المسلم به عند كافة المسلمين أن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيئين، وذلك مصداقا لقوله تعالى: «ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيئين وكان الله بكل شيء عليما»، وقول النبي للإمام علي كرم الله وجهه: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي». غير أنه منذ «مسيلمة الكذاب» الذي ظهر في أواخر عهد المصطفى صلوات الله عليه و«مدعو النبوة» لم ينقطع نسلهم ولم تنقرض رسالاتهم ولم تخفت شطحاتهم إلى يومنا هذا. إذ ما فتئت الأخبار تفاجئنا بظهور أشخاص يدعون المهدوية أو النبوة أو حتى الألوهية، غير أن العجيب والغريب هو أن من بين هؤلاء السادة «الأنبياء» المعاصرين الذين سنكتشفهم في هذه الحلقات المثيرة، «متنبئون» ينتمون إلى شريحة المثقفين والأكاديميين من دكاترة جامعيين وأطباء مبرزين ومهندسين لامعين، بل إن من بينهم نساء أكاديميات ومثقفات يساريات ادعين النبوة أيضا.
المتنبئة اليمنية التي نزل عليها الوحي خلال زيارتها إلى المغرب
«ثريا منقوش» من المثقفات اليمنيات اليساريات ومن المناضلات الماركسيات في الحزب الاشتراكي اليمني، سبق لها أن أعلنت نبوءتها على شبكة الأنترنت بعدما ادعت بأن الله أوحى لها بذلك وطلب منها أن تبلغ رسالته، وأنها ألفت كتابا «مقدسا» يتضمن تشريعا صالحا لكل العالمين. «ثريا منقوش» التي تجاوزت الخمسين عاما، وتعد من الباحثات اليمنيات المتميزات في التاريخ والفلسفة، بدأت قصتها مع النبوة كما تزعم عام 1982 عندما كانت في زيارة إلى المغرب، حيث صرحت قائلة: «حصلت معي أحداث ربانية عظيمة وكبيرة خلال ليلتين متتابعتين، وهو ما يسمى بعث الله روحه الأمين للنبي. وحينما يقول الله تعالى ذلك فإنه لم ينزل الأنبياء من السماء وإنما هم آدميون. وبعد مرور سنوات من التردد والخوف البشري، ونتيجة لوعي وجداني رأيت أن الوقت قد حان من أجل أن أبلغ الناس كافة برسالتي المقدسة».
بيان النبوة على الأنترنت
خلال انعقاد أحد الاجتماعات السياسية الدورية للحزب الاشتراكي اليمني الذي تنتمي إليه ثريا منقوش، وزعت هذه الأخيرة بيانا- تم نشره على الأنترنت- يحتوي مضمون نبوءتها وتطلب تصديقها والإيمان بها. ويبدأ بيان ثريا بالآية الكريمة: «يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك»، ثم تقول: «حينما تختل الموازين على الأرض ويعبث الإنسان بأخيه الإنسان وتنتشر الشرور وتتداخل القيم المتناقضة ويمسي الفجور والظلم والجبروت قيما تحكم الناس وتتحكم بحياتهم، حينها تتدخل السماء ليصطفي الله رسولا من الناس». وتواصل منقوش في بيانها: «أن الواقع أثبت عجز كل ما هو كائن من قوانين وتشريعات وأفكار وعقائد عن إيقاف التدهور في القيم الشخصانية والجماعية الاجتماعية، وهنا يأتي تدخل رب العباد برسالة توحيد امتدادا لكل الرسالات السماوية السابقة». ونفت منقوش في حديثها لـ«الأهرام العربي»، أن يكون النبي محمد هو خاتم الأنبياء، معللة ذلك بقولها: «إن الله يقول في القرآن الكريم (وخاتم النبيئين وكان الله بكل شيء عليما)، والنبيون جمع مذكر سالم لأن كل الرسالات السابقة جاءت في ذكور فختمها الله بالرسول الكريم محمد، ويفتح الآن الرسالات للإناث حتى قيام الساعة التي لا يعلم بها إلا الله». وعن الأسس التي تعتمد عليها دعوتها، أشارت ثريا إلى أنها في رسالتها التي أطلقتها عبر الأنترنت، حددت هذه الأسس في أن يؤمن الناس «بأن الله واحد للبشر كلهم، وأن يؤمنوا بأن الكون واحد وكل ما فيه ملك أمره وطوعه، وأن خيرات الأرض ليست للبشر، وأن يؤمنوا أن الناس أمة واحدة وأن المرسلين والمرسلات أنبياء الله، وأن يؤمنوا بأني أولى المرسلات الإناث.. هي خمسة أسس وضعتها للناس ومن شاء فليؤمن ومن كفر فعليه وحده كفره».
رسالة كونية للبشرية
صرحت ثريا منقوش أكثر من مرة للعديد من المنابر بأنها مستعدة للنقاش «العقلاني» مع أي شخص، أو عالم دين، موضحة أنها ذهبت منذ أكثر من عام إلى القاهرة على أمل الالتقاء بعلماء الأزهر وغيرهم، دون أن تسنح لها الفرصة، وأنها سوف تكرر محاولتها لاحقا. وتؤكد ثريا التي كانت تعتنق الفكر الماركسي أن دعوتها رسالة سماوية وليس فيها «أي عبقرية وليست على شاكلة أفكار ماركس أو هيغل، وما في وجداني أفضل مما لديهم وأفضل من كل عباقرة العالم». كما تصر منقوش على أن رسالتها كونية للبشرية بأسرها وتشريع ومنهج للعالم. وفي رد على سؤال إذا كانت لا تخشى من تعرضها لـ«التكفير»، أوضحت بأنها ليست أول من «يقولون عنه مجنون أو ساحر أو شاعر أو كذاب»، وتضيف منقوش: «لقد تعرضت عدة مرات لمحاولات اعتداء قبل الرسالة وبعدها، لكن لن يمسوا شعرة مني لأنه يأتيني وحي قبل أن يدبرون شيئا لي والله سيخلصني منهم، والذين يقولون مرتدة أقول لهم أتقتلون من يقول ربي الله». تبقى الإشارة إلى أن ثريا منقوش سبق لها أن تزوجت فترة من الزمن المفكر الراحل «عمر الجاوي»، كما قامت بتدوين تاريخ «سيف بن ذي يزن» وكانت لها معركة حامية مع مسلسل يحمل اسمه عرضه التلفزيون اليمني، اعتبرت أنه «تشويه للحقائق». كما تجدر الإشارة كذلك إلى أنه لم يصدر أي رد فعل رسمي يمني واضح وصريح من طرف إحدى مؤسسات وزارة الأوقاف اليمنية، أو هيئة العلماء، حول ما تطرحه ثريا منقوش عبر الأنترنت، رغم أن القضية شغلت الرأي العام اليمني وأثارت ردود فعل عديدة، سواء بين العامة، أو رجال الدين، أو فئة المثقفين التي تنتمي إليها المتنبئة، وهو الأمر الذي اعتبره الملاحظون برغبة نظام «علي عبد الله صالح» حينها في إلهاء الشارع اليمني عن الفقر الذي يستبد بأغلب شرائحه، وعن نزعات الانفصال التي تستبد بالجنوب.
رسولة بأمر الله
لقد فاجأت الكاتبة اليمنية المعروفة، ثريا منقوش، قطاعاً واسعاً من مثقفي البلاد بإنشاء موقع على شبكة الأنترنت خاص بها يدعو المواطنين إلى اتباعها باعتبارها «نبية مرسلة لخلاص البشرية». وتعتقد ثريا منقوش، وهي باحثة متخصصة في كتابة التأريخ والزوجة السابقة للمعارض اليمني الراحل عمر الجاوي أنها «رسولة بأمر من الله لإبلاغ رسالة التوحيد»، وإن كانت تتحاشى لفظ ذلك صراحة، لكنها، لأكثر من خمسة أعوام، تروج لدعوتها النبوة، وتقول إنها ليست مقتصرة على الرجال فقط، كما تبحث جاهدة عن مؤمنين يصدقون رسالتها التي نشرتها على موقعها على شبكة الأنترنت الذي حمل عنوان «إله واحد»، بعدما كانت قد قامت بتوزيع هذه الرسالة على أعضاء اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني المعارض، الذين كانوا يعقدون اجتماعاً لهم في العاصمة صنعاء ولم يعر أحداً رسالتها أي اهتمام .وتبدأ منقوش رسالتها المنشورة على موقعها الخاص بالآية الكريمة: «يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك»، وتلخص دعوتها بالقول: «بأن المكاييل والمعايير والمقاييس اختلت على الأرض، فإذا الظلم هو السيد المسود، وإذا الفساد يطحن العباد، وإذا البغي والظلم سائد في البلاد، وإذا القيم المتناقضة متداخلة لا يعرف الصحيح من الخطأ، ولا الحق من الباطل، ولا الخير من الشر، والظلم من العدل، ولا قيمة من نقيضها بعد غياب الحدود من بينها، وبعد أن تصبح الخيانة شطارة والأمانة تضحى غباء وهبل ويستحب البغاء ويستهبل الشرف ويمسي الفجور والظلم والجبروت قيم تحكم الناس وتتحكم فيهم في أمنهم وأمانهم وأمانيهم، والإنسان في ذل وخضوع وخنوع، حينها تتدخل السماء ليصطفي الله وهو السميع البصير من الناس رسلاً يحملهم رسالته ويمدهم بقوة من عنده وهو يقول لهم: (الذين يبلغون رسالات الله ولا يخشون أحد ألا كفاهم بالله حسيبا)، هذه هي أمانة الله للبشر. من هنا أضع أسس رسالة التوحيد كما أمر الله، وأدعوكم إلى التفكير فيها، ثم الإيمان لأنها طريق الخلاص».
النبوة ليست حكرا على الرجال
يرى مقربون من ثريا منقوش أن قضية ادعاء الأخيرة للنبوة ليس جدياً؛ فقد سبق وأن أعلنت ذلك قبل عدة سنوات، لكنها كانت دعوة على استحياء، بعد أن وجدت الفكرة اعتراضاً من قبل الكثيرين من أقربائها وصديقاتها ومعارفها ورفاقها في الحزب الاشتراكي اليمني. ويذهب معارفها إلى أن ثريا منقوش ظلت طيلة الفترة الماضية تأخذ زعمها النبوة على محمل الجد، وتدعو لها دون خوف أو تردد، ويرون أن ذلك نابع من كونها على قدر واسع من الاطلاع والمعرفة، ويقال إن إصرارها الشديد يغذيه إيمانها بأفكار تنطوي على نزعة فلسفية واضحة. وبحسب بعض أصدقائها ممن دعتهم إلى اتباع رسالتها المزعومة، فإنها تفكر مثلاً بأن رسالات السماء لم تنته، وأن اصطفاء الرسل ليس حكراً على جنس الرجل، وأن رسالتها امتداد لرسالات السابقين من الرسل .وتقول منقوش: «دعوتي إلى النبوة صحيحة، لقد قال لي أرحم الراحمين اصبري قليلاً، وها هو الوقت قد أزف».
وتضيف قائلة بإصرار: «إن الله ختم دعوته بالذكور بمحمد وسيختمها بالإناث بي»، وأكدت أنها لا تخاف ردود الأفعال الغاضبة التي يمكن أن يثيرها كلامها هذا وأن دعوتها موجهة إلى البشرية جمعاء، وليست إلى العرب فقط . وأوضحت أن نيتها لإنشاء موقعها الخاص على شبكة الأنترنت كانت مبكرة، إلا أنها ظلت مترددة في إعلانه، مشيرة إلى أنها تنوي نشر أفكارها في كتاب كامل، كما تنوي ترجمة هذا الكتاب إلى الإنجليزية والعبرية، على حد قولها. وكان مقربون من منقوش قد أكدوا في وقت سابق، أن إطلاق موقعها الخاص على شبكة الأنترنت، هو الذي دفعها إلى الهروب والهجرة خارج اليمن تجنباً لردود أفعال غاضبة من الناس. وأشار الكثير من المراقبين إلى أن دعوة منقوش الجديدة ستؤلب عليها القوى الإسلامية المتشددة في البلاد، وخصوصا تنظيم القاعدة المتمركز باليمن.