حسن البصري
ما حقيقة اسمك العائلي «عاجل»؟
جد والدي، رحمه الله، الحاج موسى هو من كان وراء هذه التسمية، ربما كان مستعجلا وهو يهم بوضع اسم عائلي في دفتر الحالة المدنية لأول مرة، لهذا اختاروا له اسم «عاجل»، الذي لا علاقة له بجذور قبلية أو ما شابه، كل ما في الأمر أنه متداول في الفضائيات ويرتبط عادة بالأخبار حين يتعلق الأمر بحدث طارئ، إلى جانب عبارة «حصريا».
ولدت ونشأت في حي الأحباس الذي كانت تقطنه الطبقة المتوسطة..
ولدت سنة 1957 في حي الأحباس وسط عائلة متوسطة الحال، والدي كان يشغل مهمة مندوب شركة للعجلات، ما كان يجعله كثير الأسفار عبر المدن المغربية، وبالتالي فإن تربيتي كانت بإشراف مباشر من والدتي ومن شقيقي الأكبر. كنت أنتمي لعائلة من أوائل العائلات في «الحبوس» التي امتلكت جهاز التلفزيون. أذكر أنني تابعت خبر وفاة الملك محمد الخامس عبر شاشة تلفزيون بالأبيض والأسود. وهذا يعني أن وجود هذا الجهاز في بيت مغربي في بداية الستينات كان عنوانا للرفاه.
نعود إلى طفولتك، هل صحيح أن أول ثنائي فني كان مع شقيقك؟
لا ليس بمفهوم الثنائي، كان شقيقي مهتما أكثر بفن «المونولوغ»، وكنت أنا أميل للمسرح لكن ليس من المدرسة بل من وسط العائلة، لأن أخوالي كانوا يقيمون سهرات بالتناوب أو ما يصطلح عليه اليوم بـ«دارت»، وكان خالي يعزف على السكسفون بمهارة عالية بل وكان عنصرا بارزا في فرقة الفنان بوطبول الأب، حتى أنه كان يأخذني معه بين الفينة والأخرى لمتابعة بعض الأمسيات الفنية. أعود للسهرات العائلية، فقد كنا نحن الأطفال نقدم فقرات فنية أمام أفراد العائلة لإضفاء جو من المرح. هذه هي مدرستي الأولى في عالم الفن، أما شقيقاي الأكبر والأصغر فكانا فنانين بكل ما تحمله كلمة فنان من معان، خاصة في الغناء والطرب. أخي الأصغر مني سنا كان له صوت يجعلك تعتقد أنك تسمع النسخة الأًصلية للفنانين المصريين على الخصوص، عرف في المدرسة والحي بتقليده لبساط الريح لشكوكو وكل فصولها بشكل لا يصدق. أما أنا فكنت مهووسا بالمسرح وكنت في خلوتي بالبيت أقدم “سكيتش” وأطرح أسئلة فلسفية حول الوجود والذات. وككل التلاميذ من جيلنا، كان عيد العرش فرصة لنكشف عن إبداعاتنا الفنية، خاصة في الغناء والتمثيل. أنا بدوري كنت أتقن تقليد أشهر الفنانين في تلك الفترة ونحن هنا نتكلم عن بداية الستينات.
أنت من مواليد حي الأحباس في عمق درب السلطان بالدار البيضاء، وهو معقل الرجاويين، هل معنى هذا أنك رجاوي؟
أنا ودادي حين يواجه الوداد أندية أجنبية على غرار الزمالك والأهلي والترجي ومولودية الجزائر وغيرها من الفرق في منافسات قارية، لأنني بيضاوي أحب لفرق هذه المدينة التألق قاريا وعربيا وعالميا. لكن حين يلتقي الرجاء بالوداد في مباراة “ديربي” فأنا رجاوي بكل جوارحي.
في طفولتك وشبابك أكيد مارست نوعا من الأنواع الرياضية في هذا الحي العريق..
هناك علاقة مصاهرة تجمعني باللاعب السابق إبراهيم الكورش كان زوج شقيقتي، وهو نجم كرة السلة المغربية واللاعب بوشعيب الكورش والمدرب بالنادي البلدي البيضاوي، وبالتالي كنا نتمرن في ملعب هذا النادي بوسط المدينة ونمارس رياضة كرة السلة ونحن في فئة الشبان، إلى جانب لاعبين آخرين من أبناء درب غلف، هذا الحي المناضل الذي تخصص في إنجاب نجوم كرة السلة والملاكمة. وعلاقة بفترة الطفولة والشباب، مارست في دار الشباب بوشنتوف لعبة كرة الطاولة وأيضا المسايفة وهذه الرياضات ساعدتني على اكتساب مهارات بدنية أفادتني في أعمالي المسرحية.
على ذكر لعبة الملاكمة، تقمصت شخصية الملاكم في بعض أعمالك الفنية، كيف تعايشت مع الدور؟
شخصت دور الملاكم في سوق الكلب، وحين التحقت بمسرح الحلقة كنت مضطرا للخضوع لتداريب في الفن النبيل، من خلال مسرحية «سالم وحليمة»، حيث جسدت دور صديق سالم، بائع الخمور في السوق السوداء، بمعنى أنني كنت حارسه الخاص وصديقه الذي يلقب بـ»بيدرا» وهو ملاكم. حسب السيناريو، كنت بادئ الأمر زبونا أشتري الخمر من سالم، ثم ربطت بيننا علاقة صداقة. ومن شدة قساوة التمارين كانت عضلاتي تؤلمني، وفي الحلبة كنت أتعرض للضرب ومع كل لكمة أسمع تصفيقات الجمهور.
عشت مشهدا تراجيديا وأنت شاب حين عاينت غرق شقيقك الأصغر في البحر، ما تأثير هذا المشهد في حياتك؟
غرق شقيقي الأصغر الموهوب في شاطئ طنجة له قصة مؤلمة. فنظرا لطبيعة عمل والدي كنا نرافقه في أسفاره المهنية، ورغم أن والدي كان في مهمة بمراكش إلا أنه أخذنا إلى مدينة طنجة لقضاء بعض أيام الصيف، بعد أن اختار لنا مكانا نقضي فيه تلك الفترة بتدخل من أحد زبنائه الذين يزودهم بالعجلات. في يوم من الأيام كنا في البحر حيث انشغلت بغسل الأواني مباشرة بعد تناول وجبة الغداء، وكنت أنصح أخي كي لا يسبح بعد أن يملأ بطنه بالغذاء، لكن أخي عبد اللطيف تسلل إلى البحر الذي ابتلعه. كان عمره إحدى عشرة سنة، وكنت أكبر منه بسنتين. غادرنا البيت معا نحو طنجة وسأعود من دونه. كان والدي يومها بمدينة مراكش. انتشله بعض المصطافين من البحر جثة هامدة ونقل على وجه السرعة إلى المستشفى الإقليمي لطنجة، حيث خضع لعملية استعادة التنفس لكنه مات ممددا على فراش المصحة.