أول فرنسي يشرف على تربية وإدماج الأطفال الجانحين في المغرب
حسن البصري
ولد جاك سيلوس بتاريخ 12 أبريل 1923 في مدينة ليستريم الفرنسية القريبة من الحدود مع بلجيكا، كان والده عاملا في شركة للنسيج. بعد حصوله على شهادة الباكلوريا عام 1941 التحق بالشبيبة المسيحية العاملة، وظل متابعا لتعليمه الجامعي في تخصص الفلسفة. خلال الحرب العالمية الثانية تعرض جاك للاعتقال بسبب مواقفه المعادية للنازية. وبعد أن وضعت الحرب أوزارها عمل في قطاع الطفولة المحروسة وركز في أبحاثه على فئة اليافعين المنحرفين. كما اشتغل أخصائيا في تربية وتنشئة هذه العينة بمراكز الحماية في أكثر من مدينة فرنسية، خاصة في ضواحي باريس، ما مكنه من استكمال تخصصه في هذا المجال، إذ التحق بجامعة «السوربون» وانضم لمعهد السيكولوجيا في العاصمة الفرنسية بموازاة مع عمله اليومي.
آمن الرجل بأهمية المقاربة الوقائية، فوضع مشروعا تبناه المجلس الجماعي لمدينة سافيني، وهو عبارة عن فضاء تربوي لأطفال غير منضبطين في أحياء المدينة، أطلق عليه اسم «الحركة التربوية الشعبية»، ويضم ناديا سينمائيا ومكتبة ومسرحا ومرافق تعزز الجانب الحمائي للأطفال.
ولشدة إعجابه بالروائي ألبير كامو، التحق به في الجزائر وتعرف عليه ونهل منه، خاصة وأن الفلسفة هي القاسم المشترك بينهما، واعترف جاك بأن أفضل نصيحة تلقاها من ألبير هي تحذيره من «اقتراف» السياسة، «العمل الاجتماعي والسياسة لا يلتقيان».
في عام 1952 تلقى سيلوس عرضا للاشتغال في المغرب، ضمن مصلحة الشؤون الاجتماعية، بصفته مكونا للعاملين في هذا القطاع من مغاربة وأجانب، خاصة بعد أن تبين لسلطات الحماية الفرنسية أن المشتغلين في مجال رعاية وحماية الطفولة المغربية غالبيتهم يعتمدون على المقاربة الأخلاقية والدينية والزجرية أحيانا.
وافق على العرض، وأصبح مشرفا على برنامج للطفولة المحروسة، وكان له الفضل في خلق مجموعة من المصالح والمؤسسات التي تحمي فئة الشباب، خاصة في ظل فترة عصيبة من تاريخ البلاد، وأمام وجود فكر يحارب الفرنسيين الذين عهد إليهم بتربية المغاربة، ومن أجل ذلك تلقى جاك تهديدات من طرف أئمة و«وطنيين». لكنه واجه هذا الرفض بالحوار تارة وبالعمل الميداني تارة أخرى.
استغل جاك السنوات التي قضاها في المغرب على نحو جيد، حيث جمع معطيات ميدانية ووثائق ساعدته على التحضير الجيد للدكتوراه التي ما أن عاد إلى فرنسا حتى قدم أطروحته في علم النفس وتفوق فيها بامتياز، تحت إشراف الباحث جان ستويتزل في جامعة «السوربون»، والذي أثنى على جاك لاعتماد بحثه على التجربة الميدانية في المغرب.
في فرنسا أصبح سيلوس مسؤولا في مركز للأبحاث الاجتماعية المعمقة في مجال الطفولة المحروسة، وانتهى به المطاف أستاذا محاضرا في باريس، قبل أن يحال على التقاعد عام 1984، ويقضي آخر أيامه بين العاصمتين الفرنسية والمغربية، إلى أن توفي في باريس يوم خامس نونبر 1995.
وبالعودة إلى علاقة جاك بالمغرب، فقد حرص الرجل، حتى بعد انتهاء عهد الحماية، على وضع تجربته الميدانية ورصيده المعرفي رهن إشارة الحكومة المغربية في أولى بداياتها، وقام بتكوين الرعيل الأول من المؤطرين فحمل مركز عين السبع اسمه قبل أن ينقل إلى ضواحي المدينة.