بعد حصول شركة «نيورالينك» على الموافقة النهائية التي تسمح بصناعة شريحة إيلون ماسك لزرعها بالعقول البشرية، من أجل التحكم في الأعضاء وفي الأجهزة الإلكترونية، من خلال التفكير، تمت زراعة الشريحة في دماغ مريض قبل أربعة شهور وكانت تعمل بشكل جيد، غير أنه بدأت تظهر مشاكل فنية جعلت المنبهرين بالتقنية الجديدة يشعرون بالإحباط من الاختراع الذي لقي تفاعلا كبيرا بعد الإعلان عنه.
إعداد: سهيلة التاور
بعد مرور نحو أربعة أشهر على الإعلان الذي أبهر العالم، والذي يخص نجاح أول زراعة لشريحة دماغية، كشفت شركة «نيورالينك» التي يمتلكها إيلون ماسك في مدونة نشرتها بتاريخ 7 ماي الجاري، عن تعثرات غير متوقعة في العملية. وأفادت الشركة بأن نولاند أربو، المريض الذي خضع للعملية، يواجه مشكلات في نقل البيانات من دماغه، بسبب خروج عدد من خيوط الزرع.
وتتجلى المعضلة في فقدان بيانات مهمة جراء هذه الحادثة، ولم تفصح «نيورالينك» عن الأسباب المباشرة لهذا التراجع. ووفق مصادر مقربة، يُعتقد أن استرواح الرأس، وهي حالة تراكم الهواء داخل الجمجمة، والذي قد يكون نجم عن الجراحة، أسهم في هذا التطور.
ورغم العواقب غير المتوقعة، ما زالت حالة أربو -الشخص الذي قام بزرع الشريحة- المصاب بشلل رباعي منذ 2016 إثر حادث غوص، خارج دائرة الخطر. ومع ذلك، أشارت تقارير من «وول ستريت جورنال» إلى أن الخبراء يدرسون إمكانية إزالة الزراعة لمنع تعقيدات إضافية.
واستجابة لهذا الخطأ غير المتوقع، أعلنت الشركة عن تحديثات لخوارزمياتها، ما أسفر عن تحسينات ملحوظة في معدل نقل البيانات الدماغية، أو ما يعرف علميا بـ«bits per second». وفقا لمحللين في مجال التكنولوجيا، تعكس هذه التحسينات تقدما مهما في مجال واجهات الدماغ- الحاسوب، رغم التحديات الفنية التي ما زالت قائمة.
وفي تظاهرة مدهشة لقدرات هذه التكنولوجيا، نظمت «نيورالينك» عرضا حيا لأربو وهو يلعب الشطرنج، مما يشير إلى إمكانيات واسعة حتى في ظل الصعوبات. وأكثر من ذلك، في ليلة السبت الماضي، قام أربو ببث مباشر على منصة «إكس»، حيث استعرض قدرته على التحكم في جهاز الكمبيوتر والمشاركة في الألعاب، مما يعزز من رؤية الشركة نحو مستقبل تكنولوجي يتيح تواصل العقل البشري بالآلة بصورة غير مسبوقة.
بصيص الأمل
رغم التحديات الفنية التي واجهتها شركة «نيورالينك» في أول تجربة زرع شريحة دماغية لإنسان، يبقى الفريق العلمي بالشركة متفائلا بإمكانية تجاوز هذه العقبات. المختصون داخل الشركة يأملون في أن التحسينات المستقبلية ستمكن الغرسات من التقاط المزيد من البيانات وتعزيز القدرات التفاعلية للمرضى.
وكانت إدارة الأغذية والعقاقير الأمريكية (FDA) قد منحت، العام الماضي، الضوء الأخضر للشركة لبدء هذه التجارب، مما يعد إنجازا مهما في مجال التجارب السريرية. لكن، مع هذا التقدم جاءت الدعوات لمزيد من التدقيق في بروتوكولات السلامة التي تتبعها «نيورالينك»، مما يعكس مستوى الاهتمام والحذر المطلوبين في تجارب قد تؤثر بشكل كبير على حياة الأفراد.
قدرات الشريحة
التحكم بالأجهزة والكمبيوتر
لا يُعرف سوى القليل عن هوية أول مريض لـ«نيورالينك»، لكن التجربة السريرية للشركة توجهت إلى أولئك الذين أصيبوا بالشلل الرباعي، بسبب إصابة في العمود الفقري أو مرض عصبي حركي متقدم.
وكشف الملياردير الأمريكي أن المنتج الأول للشريحة سيطلق عليه اسم«Telepathy» ، إذ تتيح لصاحبها التحكم في هاتفه، أو جهاز الكمبيوتر الخاص به، ومن خلالهما أي جهاز تقريبا، بمجرد التفكير.
وأكد أن الشريحة في حجم شعرة الرأس وتتصل بالدماغ من خلال روبوت يشبه إبرة الخياطة، ومهمتها قراءة الإشارات الكهربائية في المخ وترجمتها بلغة مكتوبة، بحيث يمكن للمصابين بالإعاقة السمعية والذهنية أن يتواصلوا مع العالم من خلالها، مضيفا أنها يمكن أن تنقل رغبات مستخدمها دون أن يتكلم، كأن يطلب طعاما، أو شرابا، أو يطلب قضاء طلباته اليومية والحياتية.
وأعلنت الشركة أنه يمكن استخدام الشريحة في استعادة البصر، وتحسين وظائف الدماغ البشرية والتفكير والتحكم في أعضاء الجسم، وعلاج حالات الإصابة بالشلل، والاضطرابات العصبية واستعادة بعض الوظائف الحسية والحركية، مؤكدة أن الشريحة يمكنها كذلك نقل ما يحدث داخل الجسم، مثل حركة العضلات والأجهزة الحيوية، لكن ورغم الأهداف النبيلة التي توفرها، إلا أن هناك مخاطر وكوارث قد ينجم عن استخدامها.
مساعدة المكفوفين
ادعى ماسك أن الاستخدام المستقبلي الآخر للشريحة، قد يكون إعطاء البصر لأولئك الذين يعانون من ضعف فيه.
وأطلق على هذه التقنية اسم ««BlindSight، مشيرا إلى أن الشريحة يمكن أن ترسل «رؤية مباشرة إلى الدماغ» عن طريق تحفيز الأجزاء البصرية من القشرة، مما يخلق صورة ذهنية للعالم أمام المريض.
مساعدة ذوي الإعاقة على المشي
في عام 2021، توقع ماسك أن تكون «نيورالينك» قادرة على «استعادة وظائف الجسم بالكامل لشخص يعاني من إصابة في الحبل الشوكي».
في حين لم تنشر الشركة أي دليل يدعم هذا الطموح، إلا أن علماء آخرين حققوا اختراقات.
الوقاية من الصرع
تكهن ماسك أيضا بإمكانية استخدام عمليات زرع الدماغ للتحكم في نوبات الصرع. وخلال نوبة الصرع، تطلق الخلايا العصبية في الدماغ دفعات غير طبيعية من الإشارات، مما يسبب نوبة صرع.
وأجرى العلماء تجارب لمعرفة ما إذا كانت زراعة الدماغ يمكنها التنبؤ بهذه الإشارات، مما يسمح للمرضى بمنع تعاطي المخدرات، أو حتى مواجهتها بالكامل باستخدام النبضات الكهربائية.
ألعاب الفيديو
خلال أحد العروض التوضيحية المبكرة لهذه التقنية، عرضت شركة ماسك قردا يلعب لعبة الفيديو باستخدام إشارات دماغه.
وتم تعليم القرد أن يلعب اللعبة باستخدام عصا التحكم، ثم تمت مكافأته بعصير الفاكهة. بعد ذلك، تم أخذ عصا التحكم بعيدا، وتمكن القرد من «التفكير» في لعب اللعبة بدلا من ذلك.
تعزيز ذاكرة الإنسان
من بين ادعاءات ماسك الأكثر تخمينا وغير المثبتة تماما، استخدام الشريحة لتعزيز الذاكرة البشرية. وفي مقطع فيديو من عام 2020، ادعى أنها ستكون قادرة على حفظ الذكريات وإعادة تشغيلها.
إلا أن الدكتور آدم رذرفورد، محاضر علم الوراثة في جامعة كاليفورنيا، وصف هذه الادعاءات بأنها «هراء مطلق».
التواصل بالأفكار
يزعم رجل الأعمال أيضا أن عمليات زرع الدماغ يمكن أن تسمح للبشر بالتواصل باستخدام أفكارهم فقط. وفي حديثه لمذيع البودكاست، جو روغان، ادعى أنك «لن تحتاج إلى التحدث».
مع ذلك، اعترف ماسك بأن مثل هذا التقدم قد يستغرق وقتا طويلا. وعند الضغط عليه لتحديد جدول زمني، قال «من خمس إلى عشر سنوات».
التعايش مع الذكاء الاصطناعي
أكثر ادعاءات ماسك غرابة بشأن الشريحة هي ربط الدماغ البشري بأجهزة الكمبيوتر والإنترنت، للمساعدة على التعايش مع الذكاء الاصطناعي.
وفي عام 2019، ذهب الملياردير إلى حد الادعاء بأن واجهات الدماغ ستسمح بـ«الاندماج مع الذكاء الاصطناعي»، حتى يتمكن البشر من «تحقيق التعايش مع الذكاء الاصطناعي».
ويدعي أن هذا سيسمح للبشر بزيادة قدراتهم المعرفية إلى مستويات فوق طاقة البشر، على قدم المساواة مع الذكاء الاصطناعي المستقبلي.
وهذا بعيد بعض الشيء عن هدفه الأكثر قبولا، المتمثل في مساعدة الأشخاص ذوي الإعاقات الشديدة، وهو هدف من غير المرجح أن يوافق عليه المنظمون لإجراء تجربة بشرية.