يونس جنوحي
في انتظار الأرقام التي سوف تعلنها المندوبية السامية للتخطيط، فإن حال سكان المناطق المحيطة ببؤرة زلزال الحوز وتارودانت المدمر، يشبه كثيرا تربص العميان للخروج من النفق.
يجب أن تشرح لنا الأرقام الوضع بعيدا عن لغة الفيديو والصور والشكايات المضمنة بأرقام تسلسلية والمرفوعة إلى إدارات الرباط. نحتاج أرقاما ومعطيات لفهم التغير الحاصل في حياة آلاف الأسر ومئات آلاف المواطنين الذين تغيرت حياتهم وحياة أحبائهم منذ الثامن من شتنبر العام الماضي.
وحدها معطيات السيد الحليمي كفيلة بتشخيص الداء والتشوهات الحاصلة وإدراك مدى عنف الهزة النفسية والاقتصادية التي تلت الهزات الأرضية.
لنأخذ سكان المناطق الجبلية على سبيل المثال. هؤلاء كانوا يعيشون حياة صعبة قبل الزلزال، وازدادت الهشاشة بعده، واتسعت الهوة بينهم وبين محيطهم. وهناك شكايات موثقة، على أكثر من مستوى، تؤكد أن اللجان الأولية التي أجرت جردا للضحايا والمنازل، لم تُحط بجميع الحالات وأن هناك أسرا لا تزال تنتظر أن تُسجل في لوائح الضحايا لكي تشملها الإعانات وترميم المنازل أو إعادة الإيواء.
اليوم، نزحت هذه الأسر من مناطق الزلزال وتركت خلفها أطنان الركام لقرى لم تعد موجودة للأسف واسمها بقي عالقا في خريطة التوزيع الترابي في العمالة.
إلى أين ذهب هؤلاء الناس؟ إذا أخذنا إقليم تارودانت على سبيل المثال، فهناك حديث في أوساط المعنيين بمبادرات المجتمع المدني، يؤكد أن هناك أكثر من عشرة آلاف نازح من قرى جبل تيزي نتاست، صاروا الآن يسكنون مدينة أولاد برحيل.
هذه الأخيرة، الواقعة بين تارودانت وورزازات، جنوب مراكش مباشرة، استقبلت آلاف النازحين على دفعات، منذ صباح التاسع من شتنبر، بحكم أن المدينة أكبر تجمع بشري لا يبعد عن بؤرة الزلزال سوى بأقل من ثلاثين كيلومترا.
تجري حاليا أشغال على قدم وساق، كان مخططا لها قبل الزلزال، لتنفيذ أشطر شبكة التطهير السائل وتعبيد الطرق وإصلاح أخرى، وتبليط الأزقة والساحات. وهي المشاريع التي كان السكان ينتظرونها منذ أكثر من عشرين سنة! بدون مبالغة.
هذه المدينة التي تجري فيها الأشغال منذ ما يفوق سبعة أشهر. استقبلت في مركزها وأحيائها المترامية، مئات الأسر القادمة من القرى الجبلية. وهؤلاء جميعا توزعوا على المنازل والدور وحتى المحلات التجارية، رغم أنها لا تصلح للسكن، وفضلوا الاستقرار داخلها بدل المبيت في العراء أو في الخيام التي وزعت مع المساعدات.
بينما الضحايا ممن لديهم معيلون في المدن أو في الخارج، ويتوصلون بحوالات مالية منتظمة، فقد اختاروا كراء الشقق والمنازل، وهو ما سبب زلزالا في أسعار الكراء، غير مسبوق. وأصبح العثور على منزل في أولاد برحيل لا يختلف في شيء عن الفوز باليانصيب.
هؤلاء السكان الجدد في حاجة إلى الماء الصالح للشرب ويقيمون في أحياء تعرف أشغالا مكثفة أو في أخرى تنتظر دورها للربط بشبكة التطهير. إلى الآن لا تزال المدينة تعاني من انقطاع للتيار الكهربائي وازدادت وتيرته بعد الزلزال بسبب الضغط في الاستهلاك.
تخيلوا أن مدينة بفرص شغل معدومة تماما، وتداعيات الجفاف، تستقبل نازحين ينتظرون الاندماج في حياة جديدة.
يكفي فقط أن تعلموا أن واحدة من أكبر الضيعات الفلاحية في المغرب، والتي تصدر الحوامض وحققت على مدى سنوات مداخيل بالملايير، وهي سبب استنزاف الفرشة المائية بأولاد برحيل وإقليم تارودانت عموما، تسرح عُمالها الدائمين والموسميين بصفر درهم، وتضرب عرض الحائط كل قوانين الشغل. عمال وفلاحون اشتغلوا في الضيعات ما يفوق خمسا وعشرين سنة صاروا اليوم عاطلين عن العمل، وعددهم بالمئات ويزداد كل شهر، ويتوجهون صوب مكتب مفتش الشغل في تارودانت. وهؤلاء ينضافون إلى النازحين الذين أفقدهم الزلزال كل شيء.
وحدهم موظفو مندوبية سي الحليمي رأوا بأعينهم ما لم يره أحد. في انتظار أن تصفعنا الأرقام.