أوصى بوضع رماد جثته بعد الوفاة في تربة حدائق «ماجوريل» بمراكش
حسن البصري
جاء في سيرة حياة المصمم الفرنسي سان لوران، والتي كتبتها الصحفية الفرنسية ماري دومينيك لولييفر، أن هذا المبدع في عالم الموضة سقط في حب مراكش، واختارت لكتابها عنوانا مثيرا «سان لوران.. ولد سيئ». كانت أولى ملاحظات ماري إصرارها على تسمية لوران بالولد بدل الرجل، وأكيد لها مبرراتها في هذا الاختيار.
لا ينكر أحد بأن إيف سان لوران هو أحد عمالقة صناعة الأزياء الراقية، خلال القرن العشرين، إلى أن تحول إلى أسطورة حاولت المؤلفة عبثا اختراقها، بالاستعانة ببعض أفراد عائلته وأصدقائه وعارضات الأزياء اللواتي عملن معه وأطبائه، وغيرهم ممن كانوا قد عرفوه، بطريقة أو بأخرى، عن قرب.
بعد زيارته لمراكش لأول مرة عام 1966، سقط «الولد» في حب المدينة، وكان يردد عبارته الشهيرة: «مراكش علمتني فن الألوان». وكان لهذه المدينة بالغ الأثر على أعمال هذا المصمم الفرنسي، المولود في مدينة وهران الجزائرية، لدرجة أنه اعتبرها بيته الثاني. ومع شريكه بيير بيرجي، قام سان لوران بشراء العديد من العقارات في مراكش، ومنها حدائق «ماجوريل» الجميلة التي اشتراها عام 1980، ومتحف بالقرب منها في زقاق يحمل اسم المصمم العالمي.
عانى سان لوران، في آخر أيامه، من حالات انهيار عصبي واضطرابات نفسية، فتغيرت مشيته وفقدت الكثير من اتزانها، وأصبح من الصعب عليه أن يعبر بسهولة عما يريده بسبب قصور في القدرة على النطق.
توفي لوران بعد إصابته بورم دماغي وهو في الثانية والسبعين من عمره. وفي هذا السياق، أيضا، تشير المؤلفة ماري دومنيك إلى أن إيف سان لوران لم يكن سيئا مع أحد، سوى مع نفسه، ومن هنا جاء العنوان «ولد سيئ»، بل إن المؤلفة كانت تتحدث عن المصمم الفرنسي الكبير دون أي محظورات، وكانت تشرح أسباب قلقه وشططه في الكثير من سلوكياته ابتداء من منتصف عقد السبعينات الماضي.
أصر مصمم الأزياء العالمي إيف سان لوران على أن يدفن في مراكش «المدينة الحمراء التي أعادت الدفء إلى حياته»، على حد تعبيره، في وقت تخلى عنه الأصدقاء بعدما قرر اعتزال عالم الأزياء والموضة، كما أعلن عن ذلك في آخر مؤتمر صحفي عقده سنة 2002.
يقول بيير بيرجي، رفيق مسار لوران الفني وشريكه في عالم الأعمال، إن إيف كان يعشق حديقة «ماجوريل» التي اشتراها رفقته في منتصف الثمانينات، وأنه طلب أن يدفن رماد جثته بها، رغم أن طقوس الجنازة تمت في كنيسة «سان روش» بباريس بحضور العديد من الوجوه السياسية والفنية، وعلى رأسها الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي.
خلف لوران وراءه العديد من الممتلكات في فرنسا والمغرب ومسقط رأسه الجزائر. وكان الشعار الذي رفعه طيلة حياته هو «الموضة تمضي أما الأسلوب فيبقى خالدا». وكان إيف سان لوران جمع ثروة هائلة خلال العقود الثلاثة الأخيرة من حياته. وهذا ما كان يعود فيه الفضل إلى حد كبير لشريك عمره بيير بورجي. وتجدر الإشارة إلى أن حضور هذا الأخير كبير في كتاب «ولد سيئ»، كما كان كبيرا في حياة إيف سان لوران.
وفي أحد مقاطع الكتاب، تسأل المؤلفة: «ماذا بقي من الرجل؟»، وتجيب: لم يبق سوى حفنة من الرماد جرى نثرها في حدائق «ماجوريل» بمراكش. وماذا بقي من أعماله؟ اسألوا النساء اللواتي يحتفظن بخزانتهن بثوب أو بسترة فيها الكثير من ألوان الشرق».