أوصاه الحسن الثاني باستحضار صرامة رجل الأمن قبيل قيادته نهائي كأس العرش
حكايات قضاة الملاعب : الحكم الدولي عبد الكريم الزياني
حسن البصري:
يذكر الجيل السابق من متتبعي كرة القدم المغربية الحكم الدولي السابق عبد الكريم الزياني، الذي عرف بلازمته الشهيرة: «ضربة جزاء لا غبار عليها»، في زمن كانت فيه كثير من ملاعبنا متربة، ونذكر زمن السيبة الكروية، حين أغضب قرار سليم للحكم الراحل محمد بنعلي وزير الداخلية الأسبق، فقرر تعيينه في منطقة نائية.
أول محلل تحكيمي
كان الحكم الزياني أول محلل تحكيمي في التلفزيون المغربي، وكان يجد حرجا في حسم كثير من الحالات، خاصة وأن أغلب زملائه الحكام كانوا ينتمون لسلك القضاء والأمن، لذا كان الرجل يطل علينا كل أسبوع ليبرر الصافرة المنفلتة ويرد الاعتبار لقضاة الملاعب الذين كانت تبدو على ملامحهم مسحة الوقار.
في 28 شتنبر 2017 توفي عبد الكريم صاحب «لا غبار عليها»، عن سن يناهز 84 سنة، بعد مسيرة حافلة في مجال التحكيم، الذي ولجه سنة 1957 وقاد عدة مباريات هامة، حيث لا زال يحتفظ بالرقم القياسي في قيادة المباريات النهائية لكأس العرش في كرة القدم، بعدما أدار خمس مباريات نهائية آخرها سنة 1974.
مات الرجل الذي كان أول محلل تلفزيوني للحالات التحكيمية التي تعرفها البطولة المغربية، قبل أن يصبح تحليل المباريات من منظور الحكام أمرا متاحا في كثير من القنوات التلفزيونية، كما اشتغل مكونا ساهم في تكوين الناصري والشافعي والناجدي وغيرهم من حكام الرباط.
عمل الزياني طويلا في سلك الشرطة كعميد مركزي بالدار البيضاء، وحين تقاعد ظل يتابع مباريات العاصمة من المدرجات قبل أن يستبد به المرض، ويتحول بيته إلى مزار لكثير من قضاة الملاعب الذين عايشوا فترة تألقه.
أعجب الملك الحسن الثاني بشخصية الزياني وتدخل لدى الجامعة من أجل تعيينه لقيادة مباراة نهاية كأس العرش سنة 1974 بالدار البيضاء بين الرجاء البيضاوي والمغرب الفاسي، حينها لم يجد رئيس الجامعة بدا من الاعتذار للحكم الذي سبق أن تم تعيينه لإدارة المواجهة، لأن قرارات الملك لا يمكن أن ترد. يقول عبد الكريم في بوح صحفي: «اختارني مسؤولو الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم آنذاك في الخمسينيات والستينيات وكذا السبعينيات لقيادة مباريات نهاية كأس العرش في خمس نسخ، وكانت البداية في سنة 1959، وهذا تكليف وتشريف، لكن لن أنسى المباراة التي جمعت فريقي الرجاء البيضاوي والمغرب الفاسي سنة 1974، التي تم تعييني لإدارتها بأوامر عليا عند تغيير الطاقم الذي تم اقتراحه قبلي، وهذا يترجم قيمة التعيين والأهمية التي توليها لهذه المناسبة الغالية في المسار الرياضي».
يصيف الزياني: «كل المباريات قوية وهامة، تحظى بشرف الجمهور الرياضي عامة ومناصري الفريقين المعنيين باللقب، وقد عشت المباريات الخمس مع الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني رحمهما الله، وكانت تتخلل اللقاءات لحظات جميلة ورائعة بالحضور الوازن للشخصيات ومسيري الكرة».
وسام ملكي بعد كأس العرش
قبل انطلاق نهائي سنة 1974 الذي آلت نتيجته لفائدة الرجاء البيضاوي على حساب المغرب الفاسي، صافح الزياني الملك الذي همس في أذنه قائلا: «بغيتك تكون بوليسي في هاد الماتش»، في إشارة إلى شخصية الرجل المشبعة بجرعة صرامة زائدة، فقد سبق للملك أن وشح الحكم الزياني بوسام ملكي على هامش مباراة النهاية التي جمعت فريقي المولودية الوجدية والكوكب المراكشي، وهو يعرفه جيدا، حيث رافقه كرجل أمن في كثير من الرحلات الخارجية.
في حديث صحفي يقدم عبد الكريم تفاصيل التوشيح: «لن أنسى التفاتة جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني تجاهي عندما وشحني بوسام ملكي في مباراة النهاية التي جمعت فريقي المولودية الوجدية والكوكب المراكشي، وكيف وقف يتأملني ويقول لمن يقدمني له هذا الزياني شكون ما يعرفوه راه صوت صفارتو باقي في وذني».
انتهت مباراة نهائي كأس العرش بفوز الرجاء البيضاوي على المغرب الفاسي بهدف لصفر، وكانت المواجهة تجمع حوالي 16 لاعبا دوليا من الفريقين معا، ما مكن الجماهير الغفيرة من الاستمتاع بطبق كروي رائع.
في أعقاب هذه المباراة ومباشرة بعد تعيين الزياني على رأس المنطقة الأمنية بالصحراء المغربية إثر استرجاعها، روج بعض أنصار المغرب الفاسي شائعة تربط بين تحكيم المباراة النهائية لكأس العرش والتعيين الصحراوي، معتقدين أن التعيين مجرد قرار تأديبي من الملك ورد فعل على خسارة الفريق الفاسي للقب، وهو ادعاء نفاه الحكم في حينه.
قضى عبد الكريم أربعا وعشرين سنة في تحكيم مباريات كرة القدم منذ مطلع الخمسينيات إلى سنة 1975، وتمكن في هذه الفترة من إبراز الذات وكسب شهرة مقرونة بالاحترام والتقدير في المجتمع الرياضي، وجاء ذلك بالاجتهاد والمثابرة والبحث إضافة إلى الاستقامة.
شغل الرجل بعد اعتزال الصفارة منصب رئيس لجنة التحكيم في جامعة كرة القدم، وظل مساره الرياضي يضعه على رأس الحكام الأكثر حضورا في المباريات النهائية لكأس العرش في كرة القدم، حيث أدار خمس مباريات نهائية سنوات 1959 و1962 و1969 ثم 1974.
وقدم الرجل دروسا للحكام في مدرسة التحكيم ومن خلال محاضراته التي كان يركز فيها على شخصية الحكم، وقدرته على فرض ذاته أثناء الفصل بين فريقين. لقد أشرف الرجل في عصبة الغرب بالخصوص على تكوين مجموعة من الحكام الذين نالوا الشارة الدولية خاصة النوني والكزاز.
نبذة من حياة الحكم الدولي الراحل عبد الكريم الزياني
من مواليد مدينة الرباط في 14 أكتوبر 1933، تلقى تعليمه في ثانوية مولاي يوسف بالعاصمة إلى جانب العديد من الوجوه التي أصبحت تشكل النخب السياسية للبلاد وساهمت في بناء المغرب المستقل.
في بداية سنة 1952 شغل وظيفة في الإدارة العمومية، لكنه سرعان ما سيغير الوجهة صوب سلك الأمن الوطني مباشرة بعد تأسيسه بمبادرة من الملك محمد الخامس في 16 ماي 1956، وبغاية الدفاع عن مقدسات الدولة وإرساء الأمن.
كان عبد الكريم ضمن أول بعثة أمنية مغربية من الضباط المغاربة الذين أرسلتهم الحكومة المغربية إلى مدرسة تكوين ضباط الأمن في سان سير في ضواحي ليون الفرنسية، وهي مدرسة فرنسية للتعليم العالي العسكري، تخرج منها ضباط الجيش المغربي، وبعض ضباط الشرطة في زمن المدير العام محمد الغزاوي. قال عبد الكريم إن شعار هذه المدرسة «يتعلمون لينتصروا» قد لازمه في مساره كرجل أمن وكحكم أيضا، وفيها مارس كرة القدم في مباريات داخلية وقاد بعض المباريات كحكم.
اجتاز الزياني اختبارا نظمه الاتحاد الدولي لكرة القدم من أجل انتقاء حكام دوليين، أجريت الاختبارات البدنية والتقنية في سويسرا، وحصل على الشارة كأول حكم مغربي يدخل العالمية.
قاد أكبر المباريات في البطولة الوطنية وأدار نهائيات كأس العرش وأسندت له قيادة مباريات دولية للفرق والمنتخبات، كما سجل حضوره في المباريات الودية التكريمية في المغرب وفي كأس محمد الخامس بالخصوص.
إذا كان “ديربي” الدار البيضاء هو مقياس مكانة الحكام، فقد قاد الرجل 14 مباراة كلاسيكية بين الغريمين، وهو رقم قياسي لازال صامدا إلى الآن. كما شارك في الألعاب الأولمبية بروما سنة 1960 ضمن البعثة المغربية، وكذا الألعاب الأولمبية سنة 1972 في ميونيخ الألمانية.
تلقى دعوات من اتحادات عربية وإفريقية لقيادة مباريات حاسمة، خاصة قمة القاهرة بين الزمالك والأهلي، فضلا عن إدارته لمباريات عديدة برسم منافسات الكؤوس الإفريقية، وكان سفيرا رياضيا للمغرب في العديد من المحافل الكروية، ما مكنه من نيل وسامين:
وسام العرش من درجة ضابط، ووسام الرياضة من الدرجة الأولى.
على المستوى الوظيفي، يعد الزياني من الرعيل الأول لرجال الأمن في زمن كان فيه العديد من الرياضيين يجمعون بين الكرة وتدبير الشأن الأمني كأبو بكر اجضاهيم وحمو الطاهرة ومصطفى طارق.
عين رئيسا للفرقة الحضرية الأمنية للدار البيضاء، (قبل أن تخضع للتقسيم الجغرافي)، كما شارك في حرب الرمال سنة 1963، وساهم في تدبير التغطية الأمنية لملتقيات سياسية ورياضية، كالقمة العربية سنة 1965 في الرباط، بل وتلقى من الملك الحسن الثاني خطاب تهنئة، حتى أن العاهل المغربي أشركه في أمن القصر وأصبح جزءا من ضباط المنظومة الأمنية خلال تنقلات الملك في الفترة ما بين 1965 و1972.
نال شرف تعيينه من طرف الملك الحسن الثاني كأول رئيس للمنطقة الأمنية بالأقاليم الصحراوية مباشرة بعد استرجاع الصحراء سنة 1975، وهو التعيين الذي غيبه عن بعض المباريات. كما عين مشرفا عاما على المعهد الملكي لتكوين الأمن الوطني في القنيطرة إلى أن حصل على التقاعد سنة 1993.
على امتداد مساره الرياضي رافقته زوجته الحاجة لطيفة كيليطو، التي تحولت إلى ممرضة حين لزم الفراش، وكانت رفيقة دربه قبل أن تلتحق بزوجها في مثل هذا الشهر من سنة 2020.