تستعد أوراش البناء لاستئناف نشاطها وعودة أزيد من مليون عامل يشتغلون بالقطاع، خلال الأسبوع الجاري، بعد توقف منذ 20 مارس الماضي، في إطار حالة الطوارئ الصحية، التي فرضت إغلاق هذه الأوراش للوقاية من تفشي فيروس كورونا.
مخطط استعجالي وبرنامج مستقبلي
شكلت إعادة الإطلاق التدريجي والآمن للأوراش بعد عيد الفطر، محور اجتماع تنسيقي عقدته وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، نزهة بوشارب، مع مجموعة «العمران»، وبهذه المناسبة، شددت بوشارب، حسب بلاغ للوزارة صدر أول أمس الأحد، على ضرورة احترام الإجراءات المرتبطة بالصحة والسلامة داخل الأوراش، طبقا للتوصيات المتضمنة في الدليل الذي أصدرته الوزارة بتشاور مع مجموع مهنيي قطاع البناء والسكن، الهادف إلى تدبير مخاطر انتشار «كوفيد-19»في أماكن العمل بالقطاع.
ولهذا الغرض، يضيف البلاغ، فإن المشغلين العموميين والخواص مدعوون أيضا لتطبيق التعليمات الصادرة عن وزارة الصحة ووزارة الشغل والإدماج المهني، مسجلا أن الحفاظ على سلامة وصحة العاملين والمهنيين يعد أولوية، طبقا للتوجيهات الملكية السامية، وجرى هذا الاجتماع بحضور الكاتب العام ورئيس وأعضاء المجلس المديري لمجموعة «العمران».
وتشتغل وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، بشكل تشاوري مع فرقائها على إعداد مخطط استعجالي وبرنامج عمل مستقبلي يهدفان إلى دعم المقاولات وتأهيلها للانخراط في الإقلاع الاقتصادي لبلادنا بعد اجتياز هذه الظرفية الراهنة التي تتسم بالتداعيات الاقتصادية والاجتماعية لأزمة جائحة كورونا، وحسب مصادر من الوزارة، فإن هذا المخطط يهدف إلى تفادي كل الانعكاسات والآثار الاجتماعية والاقتصادية على القطاع، لأنه يعتبر من أهم ركائز الإقلاع الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي، ويشغل ما يناهز مليون منصب شغل تهم أساسا اليد العاملة البسيطة.
وأكدت الوزيرة نزهة بوشارب أن التحدي الحقيقي لتجاوز هذه الجائحة هو ضمان السلامة الصحية للجميع والتقيد بالإجراءات الاحترازية التي اتخذتها السلطات العمومية، وكذلك تبسيط تدابير تنظيم وتيرة الاشتغال والتنقل والحركة، علاوة على الحفاظ وتعزيز النفقات العمومية، وذلك عبر إطلاق مبادرات وبرامج جديدة لاسيما المتعلقة بالسكن الاجتماعي، محاربة البنايات الآيلة للسقوط ودور الصفيح، وكل ذلك للتمكن من الانخراط في النهوض بهذا القطاع الذي يعتبر من الدعائم الأساسية للإقلاع الاقتصادي وإحدى ركائز الاستقرار الاجتماعي ببلادنا.
وأوضحت المصادر أنه بالنظر لما سجلته برامج الإسكان والتعمير من تراجع جراء هذه الأزمة، كالبطء الكبير في تنزيل البرامج الاجتماعية من قبيل «مدن بدون صفيح»و»تأهيل المباني الآيلة للسقوط»و»التأهيل الحضري»، لأسباب مختلفة تهم قلة اليد العاملة وصعوبة تزويد الأوراش المفتوحة بمواد للبناء، سخرت الوزارةكل إمكاناتها البشرية ووسائلها اللوجيستكية من أجل الحد من تداعيات هذه الوضعية غير المسبوقة، فقد تم تشكيل عدة لجان يقظة على المستوى المركزي وعلى المستوى المحلي وأخرى مختلطة تضم الفاعلين العموميين والخواص لمتابعة تطور الأوضاع واقتراح التدابير اللحظية المناسبة. وتفعيلا لهذه التدابير، تم اعتماد عدد من الإجراءات على صعيد جل الوكالات الحضرية تهم رقمنة الخدمات والاستجابة السريعة لطلبات عموم المواطنين والشركاء والفاعلين الاقتصاديين.
إعلان التضامن الوطني
تم وبشكل تشاوري مع كل الفاعلين المعنيين والخواص، في ما يتعلق بالأنشطة المرتبطة بالبناء والذي يمثل 6% من الناتج الداخلي الخام، إصدار «إعلان التضامن الوطني» المتعلق بهذا القطاع، حيث التزمت كل الأطراف الموقعة على الإعلان بالمحافظة قدر الإمكان على مناصب الشغل الحالية، بالمساهمة في الصندوق الخاص بتدبير جائحة كوفيد-19 وبضمان شروط الوقاية والسلامة الصحية بأوراش البناء.
وحسب معطيات الوزارة، تتجلى الأثار الاجتماعية والاقتصادية لهذه الظرفية، في تراجع العرض والطلب السكني وبالتالي حرمان عدد من فئات المجتمع لا سيما الهشة منها والطبقة الوسطى من الولوج إلى سكن لائق، علاوة على احتمال انتشار الأنسجة العمرانية العشوائية في ضواحي المدن، وفرضية تراجع إنتاج الإسمنت وباقي مواد البناء مع ما لذلك أيضا من انعكاسات على باقي الأنشطة المرتبطة بالإنعاش العقاري (المهندسين المعماريين، مكاتب الدراسات، الموثقين، العدول والوكلاء العقاريين وغيرهم).
وفي إطار التدابير المتخذة للحد من آثار وتداعيات الجائحة على القطاع، ومن أجل إرساء مناخ أعمال مستقر وجذاب وملائم لإعادة إطلاق دينامية الاستثمار، وجهت الوزيرة دورية لمديري الوكالات الحضرية الخاضعة لوصايتها بخصوص إعادة دراسة المشاريع العالقة التي كانت موضوع طلبات لرخص التعمير. وأوضح البلاغ أن هذه الدورية تأتي تفعيلا للاستنتاجات التي خلصت إليها الوزارة تبعا لدراسة مختلف التقارير والدراسات التقييمية لطلبات رخص البناء والتجزيء وإحداث المجموعات السكنية وتقسيم العقارات، «خاصة بعد استصدار المرسوم القاضي بالموافقة على ضابط البناء العام المحدد لشكل وشروط تسليم الرخص والوثائق، وكذا ما يتم تداوله باجتماعات المجالس الإدارية للوكالات الحضرية بهذا الخصوص، والتي تنص على عدم بلوغ مستوى النجاعة المنشود سواء في ما يتعلق بعدد من المشاريع العالقة أو تلك التي لم تحظ بالموافقة أو التي تم إرجاء البت فيها».
وتهدف هذه الدورية إلى تدعيم المجهودات المبذولة من طرف السلطات العمومية عن طريق تحسيس وتعبئة كافة الأطر والمستخدمين العاملين بالوكالات الحضرية من أجل العمل على معالجة ملفات المشاريع المعنية، مع وجوب الاقتصار على الملاحظات الجوهرية المتعلقة بالارتفاقات وقواعد التهيئة والبناء المتضمنة في وثائق التعمير وفي التجزئات المرخصة، من قبيل عدد المستويات ومعامل استعمال الأرض والمقتضيات التي تمس حقوق الأغيار.
ودعت بوشارب الوكالات الحضرية إلى العمل من أجل تعميم خدمة الدراسة القبلية وإشراك المهنيين في معالجة المشاريع المودعة وتشجيع التبادل الإلكتروني بهذا الصدد، وكذا وضع المؤشرات الدالة وقاعدة معطيات رقمية لتتبع ملفات طلبات الترخيص. وتحث الدورية كذلك على جرد مجموع المشاريع العالقة، وخاصة تلك الخاضعة لمسطرة المشاريع الكبرى، وإعادة دراستها قبل متم شهر يوليوز 2020، وذلك بحضور المهنيين المعنيين وفي إطار من التنسيق والتعاون المحكم بين كل الأطراف المتدخلة في هذا الميدان، مع وجوب الاقتصار على الملاحظات الجوهرية.
ومن أجل تفعيل وضمان تتبع التوجيهات الواردة في هذه الدورية، أهابت الوزيرة بمديري الوكالات الحضرية السهر شخصيا على اتخاذ كافة التدابير والإجراءات اللازمة وموافاة المصالح المركزية للوزارة بالجرد المفصل للمشاريع المعنية وبنتائج أشغال لجان إعادة الدراسة، من خلال تقارير دورية متضمنة للمعطيات الضرورية وللصعوبات التي قد تعترض تنفيذ المقتضيات الواردة في هذه الدورية.