الحديث 661 : وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يقول : «خِيَارُ أَئمَتكُمْ الَّذينَ تُحِبُّونهُم ويُحبُّونكُم، وتُصَلُّونَ علَيْهِم ويُصَلُّونَ علَيْكُمْ، وشِرَارُ أَئمَّتِكُم الَّذينَ تُبْغِضُونهُم ويُبْغِضُونَكُمْ، وتَلْعُنونَهُمْ ويلعنونكم» قال: قُلْنا يا رسُول اللَّهِ، أَفَلا نُنابِذُهُمْ ؟ قالَ: «لا، ما أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ، لا، ما أَقَامُوا فيكُمُ الصَلاة»، مسلم.
إن من الأمور الهامة أن تقوم العلاقة بين أفراد المجتمع على المودة والتآلف والتآخي، وخاصة بين الأئمة والرعية، لأن هذا يجنب الأمة شرا كبيرا. ومما يدل على ذلك من الحديث: خيار أئمتكم الذينَ تحبونهم ويحبونكم، أي تدعون لهم في المعونة على القيام بالحق والعدل ويدعون لكم بالهداية والإرشاد وإعانتكم على الخير، وكل فريق يحب الآخر لما بينهم من المواصلة والتراحم والشفقة والقيام بالحقوق، ونقيض ذلك في الشرار لترك كل فريق منهما القيام بما يجب عليه من الحقوق للآخر، ولاتباع الأهواء والجور والبخل والإساءة، فينشأ عن ذلك التباغض والتلاعن. وقد نص القرآن على أهمية الـتآلف والمودة بين الأئمة والرعية، فقال سبحانه: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا، وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النار فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا). وقال: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ولا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ). ونهى سبحانه عن التفرق والاختلاف فقال: (ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَينَاتُ).
وحث الرسول صلى الله عليه وسلم على التآلف والمودة ونهى عن التباغض، فعن أنس بن مالك أن رسول الله قال:
(تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا).
إن من دعائم استقرار المجتمع عدم الخروج على ولاة الأمر، وعدم منابذتهم، ومما يدل على هذا ما جاء في الحديث: «قلنا يا رسول الله: أفلا ننابذهم؟ قال: لا ما أقامو فيكم الصلاة»، قال القرطبي: أفلا ننبذ إليهم عهدهم، أي ننقضه، وقوله: «لا ما أقاموا الصلاة» ظاهره: ما حافظوا على الصلوات المعهودة بحدودها وأحكامها وداوموا على ذلك وأظهروه، وقيل معناه: ما داموا على كلمة الإسلام. ومما يدل على عدم منابذة ولاة الأمر مما جاء في الحديث عن عبادة بن الصامت قال: دعانا رسول الله فبايعناه، فكان في ما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وألا ننازع الأمر أهله، قال: «ألا إن تراو كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان».
قال السعدي: ومتى امتثل المسلمون لما جاء في القرآن من الالتزام بكل ما يقوي الألفة ويزيد في المحبة ويدفع العداوة والبغضاء، ومتى سعوا في حصول الاتفاق وإزالة العداوات وأسبابها وكانوا يدا واحدة في السعي في مصالحهم المشتركة ومقاومة الأعداء وبتحصيل القوة المادية بكل مقدور ومستطاع، متى عملوا على ذلك كله حصل لهم قوة عظيمة يستدفعون بها الأعداء، ويستجلبون بها المصالح والمنافع، ولم يزالوا في رقي مطرد في دينهم ودنياهم.