شوف تشوف

الرئيسيةسري للغايةسياسية

أهديتُ الريسوني سيفا وقال لي كان يجب أن تكوني رجلا لأنك شُجاعة

ترجمة حصرية لمذكرات المغامِرة البريطانية روزيتا فوربس (8)

يونس جنوحي

غادرَنا مولاي الصدّيق وذهب لكي يُصلي في «الزاوية». وصلنا صوتُه وهو يؤم الناس لصلاة العشاء. رغم سنه المتقدم، إلا أن صوته كان يخترق جنبات التجمع السكني الكبير، وبدا لي أنني أسمع صوت المغرب «القديم» الرافض للنصارى الذين داسوا البلاد ووصلوا حتى عتبات الأماكن المقدسة.

الطريق من لندن إلى «تازروت» طويل جدا. كنت أقلب أفكارا كثيرة عن الريسوني، سيطرت عليّ طوال الرحلة.

المرة الأولى التي سمعت فيها اسمه، كنت في سواحل المغرب. ومنذ ذلك الحين، سمعتُ أساطير كثيرة عن شخصيته أينما ذهبتُ بعد ذلك. أساطير منها ما يُضخم شخصيته ومنها ما يُشوهها.

انتبهتُ مع نفسي، وأنا أجلس في داره، على كرسيه، وأتأمل ظلال أشعة القمر في حديقته، خلال تلك الليلة، إلى أنني نسيت الإحساس بالجوع والحاجة إلى الطعام، ونسيتُ تعب الرحلة الطويلة. كل ما كنت أذكره، حينها، أنني سوف أقابل الريسوني بعد لحظات.

كان الجو هادئا جدا، باستثناء أصوات الحشرات المزعجة. حتى النسيم توقف فجأة، وخفت صوت التلاوة القادم من المسجد. فجأة، ظهر سيدي بدر الدين، وقال:

-الشريف قادم.

ارتفعت نبضات قلبي، واستدرتُ لمقابلة الرجل الذي دخل إلى المكان، حيث كانت الشجيرات في الحديقة تسد الطريق. وجدتُ رجلا ضخم الجثة واقفا أمامي.

للوهلة الأولى، يبدو أن طوله يساوي عرضه. لم يكن بدينا بسبب الدهون، وإنما كان جسده صلبا بعضلات ضخمة.

وجهه كان مستديرا بلحية كثيفة مثل غابة، يميل لونها إلى الحمرة.

كان شعره منسدلا تتسلل منه خصلات كثيرة تظهر من أسفل العمامة. كمية الملابس الصوفية التي كان يرتديها زادت من حجمه. وعندما جلس على كرسي، بدا واضحا أنه لم يتحمل وزنه، عرّى أكمامه لتظهر منها ذراعاه. بقيت أحدق فيهما منبهرة بحجمهما الكبير، بينما كان هو يردد عبارات الترحيب المعتادة. وقال لي:

-كل الجبال تحت تصرفك. أنت حرة في الذهاب إلى أي مكان تريدين. اعتبري أناس قبيلتي خدما لديك. ومهمتهم الوحيدة هنا هي خدمتك وإرضاؤك. لقد تشرفت كثيرا بزيارتك، لأن لدي صداقة عظيمة مع بلادك.

عندما يتحدث، كان صوته قويا وجهوريا.

لكن عندما تراه من بعيد، يبدو وكأنه كان يزم شفتيه الغليظتين أثناء الحديث. وهو ما جعل صوته «أجشّ» ببحة واضحة.

كان متخلقا، وكريما سيرا على خطى أجداده.

بعد دقائق من الحديث، نسيت انبهاري الأولي بحجمه الضخم، وبدأت أتأمل عينيه. كانتا العضوين الوحيدين المُعبرين في وجهه. كانتا عينين تراقبان وتتحركان. نظراته كانت مهينمة وشرسة.

عندما كان يتحدث عن أشياء صغيرة أو غير مهمة، كان يبدو في عينيه شعور بما يشبه الحزن، لكن نظراته عموما كانت تراقب دون أن تكشف عما يدور في داخله.

قدمت له السيف الذي أحضرته معي هدية له. كان سيفا بمقبض مغلف بالذهب. ونقشت عليه الحكمة العربية التي تقول: «هناك هدية وحيدة فقط للشجعان، وهي السلاح».

ابتسم الشريف، وقال لي:

-كان يجب أن تكوني رجلا، لأن لديك شجاعة الرجال وتعبيرهم أيضا.

ثم قدمت له بعض الأثواب زاهية الألوان: البنفسجي، البرتقالي، الوردي والأخضر، مع خيوط ذهبية وفضية سميكة. وقلتُ له وأنا أقدمها له:

-لقد سمعت عندما كنت في إنجلترا، أنك تزوجت أخيرا. وأتمنى أن تقدم هذه الأثواب للشريفة وتنقل إليها تحياتي.

قبل الشريف الهدايا التي قدمتها له ببساطة أي عربي يعتبر أن الكرم أمر مشترك تماما مثل حاسة البصر أو السمع، وأن الذي يمنح الهدية يكون دائما مباركا أكثر ممن يتلقاها.

بعد ذلك ظهر صف من الخدم والعبيد، يحملون صواني من النحاس، تضم كل أصناف اللحم، والدجاج والبيض والبطيخ والعنب. توجهوا بهذه الأطعمة إلى خيمتي حيث وضعوها فوق بساط من الجلد.

أمرني الشريف بلهجة لينة ومُرحبة بالدخول إلى الخيمة قائلا:

-باسم الله، غدا سوف أتناول الطعام معك. لقد كنت صائما بالأمس طوال النهار، وأكلتُ قبل ساعة من الآن، بعد صلاة العشاء».

عندما أنهى الكلام جلس على فراش وثير، لكي يواصل الحديث معنا بينما نحن نأكل. كان بين الفينة والأخرى يحمل إبريقا صغيرا ويشرب منه الماء وينهيه في ثلاث أو أربع جرعات. كان مولاي الصديق جاثما بجانبه ويبدو مثل صقر عجوز وهو يحدق في أطباقنا الواحد تلو الآخر، وينتقي منها أفضل قطع اللحم، بأصابع نحيفة، لكنها كانت رشيقة أيضا.

 

نافذة: – كل الجبال تحت تصرفك أنت حرة في الذهاب إلى أي مكان تريدين اعتبري أناس قبيلتي خدما لديك ومهمتهم الوحيدة هنا هي خدمتك وإرضاؤك لقد تشرفت كثيرا بزيارتك لأن لدي صداقة عظيمة مع بلادك

 

 

 

 

يونس جنوحي

غادرَنا مولاي الصدّيق وذهب لكي يُصلي في «الزاوية». وصلنا صوتُه وهو يؤم الناس لصلاة العشاء. رغم سنه المتقدم، إلا أن صوته كان يخترق جنبات التجمع السكني الكبير، وبدا لي أنني أسمع صوت المغرب «القديم» الرافض للنصارى الذين داسوا البلاد ووصلوا حتى عتبات الأماكن المقدسة.

الطريق من لندن إلى «تازروت» طويل جدا. كنت أقلب أفكارا كثيرة عن الريسوني، سيطرت عليّ طوال الرحلة.

المرة الأولى التي سمعت فيها اسمه، كنت في سواحل المغرب. ومنذ ذلك الحين، سمعتُ أساطير كثيرة عن شخصيته أينما ذهبتُ بعد ذلك. أساطير منها ما يُضخم شخصيته ومنها ما يُشوهها.

انتبهتُ مع نفسي، وأنا أجلس في داره، على كرسيه، وأتأمل ظلال أشعة القمر في حديقته، خلال تلك الليلة، إلى أنني نسيت الإحساس بالجوع والحاجة إلى الطعام، ونسيتُ تعب الرحلة الطويلة. كل ما كنت أذكره، حينها، أنني سوف أقابل الريسوني بعد لحظات.

كان الجو هادئا جدا، باستثناء أصوات الحشرات المزعجة. حتى النسيم توقف فجأة، وخفت صوت التلاوة القادم من المسجد. فجأة، ظهر سيدي بدر الدين، وقال:

-الشريف قادم.

ارتفعت نبضات قلبي، واستدرتُ لمقابلة الرجل الذي دخل إلى المكان، حيث كانت الشجيرات في الحديقة تسد الطريق. وجدتُ رجلا ضخم الجثة واقفا أمامي.

للوهلة الأولى، يبدو أن طوله يساوي عرضه. لم يكن بدينا بسبب الدهون، وإنما كان جسده صلبا بعضلات ضخمة.

وجهه كان مستديرا بلحية كثيفة مثل غابة، يميل لونها إلى الحمرة.

كان شعره منسدلا تتسلل منه خصلات كثيرة تظهر من أسفل العمامة. كمية الملابس الصوفية التي كان يرتديها زادت من حجمه. وعندما جلس على كرسي، بدا واضحا أنه لم يتحمل وزنه، عرّى أكمامه لتظهر منها ذراعاه. بقيت أحدق فيهما منبهرة بحجمهما الكبير، بينما كان هو يردد عبارات الترحيب المعتادة. وقال لي:

-كل الجبال تحت تصرفك. أنت حرة في الذهاب إلى أي مكان تريدين. اعتبري أناس قبيلتي خدما لديك. ومهمتهم الوحيدة هنا هي خدمتك وإرضاؤك. لقد تشرفت كثيرا بزيارتك، لأن لدي صداقة عظيمة مع بلادك.

عندما يتحدث، كان صوته قويا وجهوريا.

لكن عندما تراه من بعيد، يبدو وكأنه كان يزم شفتيه الغليظتين أثناء الحديث. وهو ما جعل صوته «أجشّ» ببحة واضحة.

كان متخلقا، وكريما سيرا على خطى أجداده.

بعد دقائق من الحديث، نسيت انبهاري الأولي بحجمه الضخم، وبدأت أتأمل عينيه. كانتا العضوين الوحيدين المُعبرين في وجهه. كانتا عينين تراقبان وتتحركان. نظراته كانت مهينمة وشرسة.

عندما كان يتحدث عن أشياء صغيرة أو غير مهمة، كان يبدو في عينيه شعور بما يشبه الحزن، لكن نظراته عموما كانت تراقب دون أن تكشف عما يدور في داخله.

قدمت له السيف الذي أحضرته معي هدية له. كان سيفا بمقبض مغلف بالذهب. ونقشت عليه الحكمة العربية التي تقول: «هناك هدية وحيدة فقط للشجعان، وهي السلاح».

ابتسم الشريف، وقال لي:

-كان يجب أن تكوني رجلا، لأن لديك شجاعة الرجال وتعبيرهم أيضا.

ثم قدمت له بعض الأثواب زاهية الألوان: البنفسجي، البرتقالي، الوردي والأخضر، مع خيوط ذهبية وفضية سميكة. وقلتُ له وأنا أقدمها له:

-لقد سمعت عندما كنت في إنجلترا، أنك تزوجت أخيرا. وأتمنى أن تقدم هذه الأثواب للشريفة وتنقل إليها تحياتي.

قبل الشريف الهدايا التي قدمتها له ببساطة أي عربي يعتبر أن الكرم أمر مشترك تماما مثل حاسة البصر أو السمع، وأن الذي يمنح الهدية يكون دائما مباركا أكثر ممن يتلقاها.

بعد ذلك ظهر صف من الخدم والعبيد، يحملون صواني من النحاس، تضم كل أصناف اللحم، والدجاج والبيض والبطيخ والعنب. توجهوا بهذه الأطعمة إلى خيمتي حيث وضعوها فوق بساط من الجلد.

أمرني الشريف بلهجة لينة ومُرحبة بالدخول إلى الخيمة قائلا:

-باسم الله، غدا سوف أتناول الطعام معك. لقد كنت صائما بالأمس طوال النهار، وأكلتُ قبل ساعة من الآن، بعد صلاة العشاء».

عندما أنهى الكلام جلس على فراش وثير، لكي يواصل الحديث معنا بينما نحن نأكل. كان بين الفينة والأخرى يحمل إبريقا صغيرا ويشرب منه الماء وينهيه في ثلاث أو أربع جرعات. كان مولاي الصديق جاثما بجانبه ويبدو مثل صقر عجوز وهو يحدق في أطباقنا الواحد تلو الآخر، وينتقي منها أفضل قطع اللحم، بأصابع نحيفة، لكنها كانت رشيقة أيضا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى