أنا فخور بمغربيتي وبالفكر الحر
حميد لشهب
منذ سنوات طويلة لم أشعر، وأنا المهاجر «المسكين»، بنوع من الافتخار بجذوري وأغصاني وثماري المغربية، لندرة المناسبات والمواقف التي تترك الإنسان يشعر بهويته الوطنية والدينية والثقافية والحضارية.
شعرت البارحة بهذا الفخر من جديد، بل انتابتني لحظة سعادة، لأن وطني عبر عن موقف مشرف تجاه الإساءة للمسلمين عامة والفرنسيين بالخصوص. أنساني هذا الشعور للحظة كل مشاكل العالم التي أحمل على عاتقي، وشعرت بنفسي فخورا لكوني من جذور مغربية أصيلة. هذا الموقف الشجاع والحاسم والذي لم تجرأ عليه حتى دولة تعتبر نفسها «حامية الإسلام وأماكنه المقدسة»، أنارت في دواخلي شموعا كثيرة، ونحن على أبواب الاحتفال بالمولد النبوي الكريم.
بقدر ما كنت فرحا، بقدر ما انتبهت إلى السلوك الاستعماري المتغطرس لفرنسا، ممثلة في رئيسها الحالي، الذي يلهث على أصوات لإعادة انتخابه من جديد كرئيس لفرنسا. وتتمثل غطرسة إدارة ماكرون في تشبثه بالمشي قدما في إهانة المسلمين، بالدفاع الديماغوجي عن كاريكاتيرات تهين نبيهم (ص). كما أن العجرفة الفرنسية اتضحت في بيان وزارة الخارجية، بلهجته الآمرة، للتخلي عن فكرة مقاطعة المنتوجات الفرنسية. لم تقدم لا اعتذارا للمسيلمين ولم تطلب ذلك بلغة دبلوماسية، بل لجأت إلى لغة مهددة، وكأن فرنسا ما زالت تستعمر المغرب العربي وبلاد الشام.
شيء جميل أن تحاصَر فرنسا الإمبريالية اقتصاديا، كرد فعل طبيعي لأمة أهينت في أقدس مقدساتها؛ لكن هذا الحصار لن يضرها كثيرا، ففي عالم العولمة، هناك أيضا عامل «القولبة (بالمعنى المغربي)». ستدخل المنتوجات الفرنسية بأسماء أخرى وبتلفيف آخر لشركات أوربية أخرى، وعوض أن يفطر صغار العرب والمسلمين بجبنة البقرة الضاحكة، سيفطرون بجبنة البقرة «المكشرة عن أنيابها». في عرفي أن ما يجب مقاطعته هو أكبر وأهم من هذا: مقاطعة الثقافة الفرنسية. إن انتشار المدارس الفرنسية الخاصة في الكثير من المدن المغربية الكبرى مثلا، وإقبال الطبقات الميسورة والمتوسطة على تسجيل أبنائها في هذه المؤسسات، هو أكبر خطر على هويتنا منذ الاستقلال السياسي. إن الاستعمار الفكري والاستلاب يمر عبر الاستعمار الثقافي، وقد لاحظنا في الأيام القليلة الماضية كيف يدافع بعد «المتفرنسين» من أشباه «مثقفين» عن موقف ماكرون وعلى اللائكية الفرنسية، التي تكيل بمكيالين. والغريب في الأمر أن أغلبية هؤلاء المدافعين لا يعرفون العلمانية الفرنسية، إلا من خلال كتب وتنظيرات ترويجية، ولم يعيشوها في أرض الواقع في فرنسا «العلمانية»، حيث تُعتبر المسيحية شبه دين الدولة، وما تغزل ساركوزي، وهولاند بالمسيحية، سوى عربون على ذلك. بل إن ماكرون «العلماني» يحاول أن يحقق ما عجز عنه الاثنان، لأنه دعا الكنيسة علانية إلى الاهتمام بالسياسة، في خطاب له أمام قساوسة كاثوليكيين عام 1998. فالنموذج العلماني الفرنسي هو أسوأ نمودج، لأنه مؤسس على الكيل بمكيالين في ما يخص حرية الدين، ففي الوقت الذي لا يتدخل فيه البتة في الأمور التنظيمية للكنيسة وللمجموعات اليهودية الفرنسية، يريد على عهد «النبي» «العلماني» ماكرون التأسيس لإسلام فرنسي، تراقب فيه الجمهورية الفرنسية حركات وسكنات مسلميها، تحسب ركعاتهم في الصلاة، وتضغط على جمعياتهم الثقافية والاجتماعية، وتضع في باب كل عمارة يسكنها المسلمون رجال أمن، أي فرض نوع من الإقامة الجبرية على المسلم الفرنسي، تحت ذريعة الإرهاب. هذا ما وعد به أخيرا ماكرون.
مسلمو فرنسا في حاجة ماسة إلى دعم العالم الإسلامي قاطبة، لتحريرهم من إرهاب الجمهورية الفرنسية، بزعامة ماكرون وعصابته. هناك ما يناهز ثمانية ملايين مسلم في فرنسا، ينتظرون أن تلتفت إليهم أمتهم المسلمة، فليس هناك إسلام فرنسي، وآخر مغربي وثالث مالي أو تونسي أو لبناني إلخ، كما أنه ليس هناك كاثوليكية رومية إيطالية وألمانية وفرنسية. وفريضة الدفاع عن المسلمين في فرنسا، لا تُغَيِب عن أذهاننا مشاكل إرهابيي فرنسا، الذين يشتغلون تحت عباءات هذا الدين، يسكرون في حانات تحت أرضية ويفجرون أنفسهم في الأماكن العمومية، قاتلين ضحايا أبرياء. إننا ندين الإرهاب الإسلاموي، والدول المسلمة هي ضحيته الأولى، منذ أن «صُنع» في مختبرات المخابرات الغربية. وبالقوة نفسها ندين إقصاء المسلمين الفرنسيين والتضييق المستمر عليهم. ولعل السؤال الذي يطرح بإلحاح هو: لماذا تحصد فرنسا أكبر حصة من العمليات الإرهابية للمتطرفين المسلمين، بالمقارنة مع دول أوربية أخرى؟