أنا آخذ سيلفي.. إذن أنا موجود
سعيد الباز
دخلت إلى نطاق الاستعمال اللغوي كلمة «سيلفي» Selfie، ذات الأصل الإنجليزي، إلى كل لغات العالم تقريبا، وأضحت لوحدها ظاهرة مميزة في شبكات التواصل الاجتماعي. مشاهد قد صارت اليوم مألوفة ومعتادة وقلما تثير أسئلة حول أسبابها ودلالتها، أحيانا تكون مضحكة كما هو الشأن مع الشخص الذي أراد أن يأخذ لقطة سيلفي مع كبشه عشية عيد الأضحى الماضي، فما كان من الكبش الصنديد إلا أن استسلم إلى غريزته الكبشية فوجه إليه نطحة ربما عدها من خير أعماله في هذه الدنيا، بدلا من أن ينعم بصورة سيلفي قد لا تعني له أي شيء في عالمه الحيواني…
وفي أحيان أخرى تكون محزنة أو مؤلمة، مثل ما حدث في ملعب كرة القدم المشيد على وادي إيمي نتايرت نواحي تارودانت، أو إمليل نواحي مراكش من سيول جارفة شديدة الخطورة، حيث شاهدنا العديد من الشبان منشغلين بالتقاط صور سيلفي وتسجيلات حية وقريبة جدا من موقع الحدث، دون أن يهتموا بخطورة ما يقدمون عليه، بل بدا بعضهم منقطعا عن العالم الواقعي وسط لجة السيول الغامرة، وكأن غريزة الخوف واستشعار الخطر الغريزية لدى الإنسان قد تعطلت تماما.
إن السؤال عن ظاهرة السيلفي قد بدأ يشغل المفكرين، من بينهم Elsa Godart، المحللة النفسية والفيلسوفة الفرنسية في كتابها: «أنا أو سيلفي، إذن أنا موجود» الذي تتناول فيه حسب العنوان الفرعي للكتاب تحولات الأنا في العصر الافتراضي، الكتاب قام بترجمته إلى اللغة العربية الناقد والمترجم المغربي سعيد بنكراد.
خلال تقديمها لكتابها تتعقب الكاتبة أول ظهور للسيلفي وإطلاق هذا الاسم في أحد منتديات النقاش العمومي عبر الإنترنيت في أستراليا سنة 2003، وانتشاره بعد ذلك في كل العالم. الكلمة قد تعني بالإنجليزية النفس، أو أنا وحدي، لكنها تقدم تعريفا مدققا لهذه الظاهرة التي لا تعني سوى أن يقوم شخص ما بأخذ صورة لنفسه في وضعية معينة، وينشرها في إحدى شبكات التواصل الاجتماعي خلال صفحته الخاصة مذيلة بتعليق أو بدونه قصد الحصول على أعداد وفيرة من نقرات الإعجاب، أو ما يطلق عليه عادة بلغة العوالم الرقمية الافتراضية باللايكات أو الجيمات.
ظاهرة السيلفي من منظور الكاتبة ليست مسألة خالية من المعنى أو ساذجة، بل لها دلالة عميقة على مجموعة من تحولات الأنا في العصر الافتراضي التي تعاني من شرخ كبير في هويتها الفردية المفرطة، وتسعى من خلال السيلفي إلى اكتساب وجود افتراضي ما، قد يعوض قلق الذات الفردية وتشوش علاقتها بالواقع.
تذهب الكاتبة بعيدا فتقرر بأن أهم التحولات التي تعبر عنها ظاهرة السيلفي تكمن في تغير تمثلنا للزمن وللمكان، فقد كنا نتمثل الزمن سابقا عبر الأزمنة الثلاثة الماضي والحاضر والمستقبل، في حالة السيلفي يبدو كما لو أن الزمن قد تقلص في لحظة واحدة هي بالذات لحظة النقر على كاميرا الهاتف الذكي. كما أن العلاقة بالمكان استحالت بدورها إلى علاقة أفقية شبيهة تماما بعرض شاشة الصورة. اللغة نفسها تحولت من لغة الخطاب العقلاني إلى خطاب الصور الزائلة، فكل صورة في هذا العالم الافتراضي لا تملك لنفسها الثبات الضروري، لأنها معرضة بدورها للطرد من طرف صورة أخرى وهكذا دواليك ومعها كل تعليقات الإعجاب.
تنكر الكاتبة وهي تسخر أن يكون نرجس في الأسطورة اليونانية أول ملتقط لصورة سيلفي، حين توله بانعكاس صورته على ماء النهر حتى غرق فيه، ذلك أن صورة السيلفي موجهة بالدرجة الأولى إلى الآخر، وتحديدا إلى نظرته من خلال لغة وخطاب جديدين يؤطرهما عالم افتراضي. لذلك تمعن أكثر في السخرية عندما تطلق قولتها: «أنا أو سيلفي، إذن أنا موجود» لإبراز هذا التحول، أو نكاية في عقلانية ديكارت وقولته الشهيرة: «أنا أفكر،
إذن أنا موجود».