شوف تشوف

الافتتاحية

أنانية مفرطة

رفضت حكومة العثماني، مدججة بأغلبيتها البرلمانية، تعديلا على مشروع القانون المالي يفرض ضريبة تضامنية على أجور الوزراء والبرلمانيين ورؤساء الجهات والمدراء التنفيذيين في القطاعين العام والخاص، ما بين 600 و1200 درهم للمداخيل السنوية التي تتراوح بين 36 وما فوق 84 مليون سنتيم. طبعا السادة برلمانيو الأغلبية والوزراء أشهروا «الفيتو» الذي أطاح بالتعديل في رمشة عين، فهم لا يريدون أن يسلط سيف الضريبة ولو بشكل تضامني على مدخولهم، خصوصا وأن كل تعويضات ومعاشات البرلمانيين والوزراء معفاة من الضرائب التي تنهك أجور الموظفين البسطاء الذين لا تتجاوز أجورهم السنوية ستة ملايين سنتيم.
كانت أمام البرلمان والحكومة فرصة رمزية لإظهار نوع من الشعور بالتضامن مع فئات من المغاربة المهمشين، فالكل يعلم أن الاقتطاعات من مداخيل كبار الموظفين والوزراء والبرلمانيين لن تملأ الخزينة العامة للدولة، ولن ترفع معدل النمو، ولن تقلص نسبة العجز، لكن كان لهذا السلوك أن يقلص جزءا من هوة فقدان الثقة في السياسة والسياسيين التي تزداد يوما عن يوم بفعل الجشع و«اللهطة» اللذين أصبحا ملازمين للفعل السياسي، وحولاه إلى مجال للإثراء السريع.
نتذكر أنه حينما قرر رئيس فرنسا السابق فرانسوا هولاند أو تونس يوسف الشاهد تقليص أجور أعضاء حكومتهما، لم يكن الهدف إشباع رغبات شعبوية، بل خطوة رمزية تهدف إلى بعث رسائل التضامن والتآزر مع دافعي الضرائب، في وقت يمر فيه اقتصاد البلدين، مع فارق طبعا، بأزمة اقتصادية واجتماعية خانقة. لذلك، كان على وزراء العثماني وأغلبيتهم التفاعل الإيجابي مع مثل هاته المبادرة، وإظهار شيء من الحس الاجتماعي والقبول بفرض ضريبة بسيطة، لكنها ستكون كبيرة حينما تحول إلى صندوق دعم التماسك الاجتماعي الذي يعمل على تعزيز الإجراءات الاجتماعية لصالح الفئات المعوزة، من أرامل ومطلقات وذوي الاحتياجات الخاصة.
المثير في أمر هاته الحكومة غريبة الأطوار، أنه في اللحظة التي تهربت من المساهمة بمداخيل أعضائها في ضريبة تضامنية لفائدة المعوزين، واصلت فرض الضريبة نفسها على المواطن العادي من خلال اقتطاع 60 درهما عن كل متر مربع مقابل بناء سكنه الشخصي تحول إلى صندوق التماسك الاجتماعي. إننا، إذن، أمام حكومة همها الوحيد حلب المواطن لفائدة المواطن بينما مداخيلها وإيرادات أعضائها محصنة لا تصلها أيدي الضرائب ولو من باب التضامن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى