شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف الأسبوع

أم كلثوم والمغرب قصص من علاقة كوكب الشرق بالمملكة

تعددت زياراتها للرباط وتطوان وفاس ومكناس ومراكش

مساء الأحد الماضي، بعثت كوكب الشرق أم كلثوم حية على خشبة مسرح محمد الخامس، باستخدام تقنية «الهولوغرام»، لتطرب جمهور مهرجان موازين إيقاعات العالم، والذي معظمه لم يعاصرها لكنها ظلت حاضرة في ذاكرته بأغانيها الخالدة.

تفاعل الجمهور الذي ضاقت به قاعة العرض مع أغاني «زمان»، بدءا برائعة «أنت عمري». وحسب المنظمين، فإن تذاكر الحفل نفذت بمجرد عرضها للبيع، ما يؤكد مكانة أم كلثوم في وجدان الشعب المغربي الذي أبدى تجاوبا كبيرا مع روائعها خاصة «الأطلال».

ولعل السر وراء الانجذاب نحو شخصية أم كلثوم يرجع إلى مكانتها الاعتبارية ودورها الاجتماعي والدبلوماسي، فهي ليست مجرد مطربة عابرة، بل هي الوحيدة التي حملت لقب «سيدة مصر الأولى» خلال فترة حكم جمال عبد الناصر، علما أن هذا اللقب تحظى به عادة زوجات الرؤساء، لكن تواري السيدة «تحية كاظم»، زوجة الرئيس المصري، عن الأضواء، مكن أم كلثوم من الحصول على لقب سيدة مصر، قبل أن تستعيده جيهان السادات في ما بعد.

في كتابه «أم كلثوم وسنوات المجهود الحربي»، الصادر عن دار تنمية للنشر، والحائز على جائزة الدولة التشجيعية في مجال العلوم الاجتماعية في مصر، يتناول الباحث المصري كريم جمال الحملة التي دشنتها أم كلثوم في أعقاب هزيمة يونيو 1967، والحفلات التي أقامتها بغرض جمع التبرعات لإعادة بناء الجيش المصري، ما بين عامي 1967 و1972، ورغم ذلك، فإن أهمية الكتاب الحقيقية لا تكمن في تفاعل الجمهور مع أغانيها، بل في تكريسها لقيم التضامن بين العرب.

في الملف الأسبوعي لـ «الأخبار»، نعيد إلى الأذهان تفاصيل الزيارة التاريخية التي قامت بها أم كلثوم للمغرب، وأولى خيوط علاقتها بالمملكة.

 

حسن البصري

 

جمال عبد الناصر يمنح «الست» جواز سفر دبلوماسي

قبل أن تدشن حملة جمع التبرعات لفائدة المجهود الحربي، قالت المطربة المصرية لمجلة الهلال المصرية: «أبيت أن أستسلم لليأس بعد النكسة، لم يكن أمامي إلا أحد أمرين: فإما أن ألتزم الصمت وأقبع في ركن من الانهيار النفسي، وإما أن أمضي بسلاحي، وهو صوتي، أبذل ما أستطيع من جهد من أجل المعركة، واخترت الأمر الثاني».

قال الكاتب والباحث كريم جمال إن زيارة السيدة أم كلثوم إلى تونس والمغرب، خلال رحلات المجهود الحربي التي قامت بها عقب 1967، «كان لهما أثر سياسي كبير على العلاقات بين مصر والدولتين العربيتين، بجانب أثرهما الفني والتسجيلات الهامة لغناء كوكب الشرق خاصة في المغرب».

قبل الزيارة التي قامت بها كوكب الشرق إلى تونس والمغرب كانت العلاقات الدبلوماسية متوترة بين جمال عبد الناصر والرئيس الحبيب بورقيبة والملك الحسن الثاني، «رغم ذلك كانت زيارة كوكب الشرق إلى تونس بدعوة من الرئيس بورقيبة، وكذلك إلى المغرب كانت بدعوة من الملك الحسن الذي حضر بنفسه حفل أم كلثوم وبعدها حدث تحول كبير في العلاقات بين مصر والمغرب، وكذلك في تونس التي دار فيها لقاء بين أم كلثوم والحبيب بورقيبة ليدلي بعدها بتصريحات شديدة الإيجابية عن مصر ودورها، لذلك يمكن القول إن أم كلثوم كانت السبب في إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين».

بعد نكسة 1967، ظهر دور الفنان في خدمة بلاده، والوقوف بجانبها في أزمتها، وذلك عندما قررت أم كلثوم القيام بدور إيجابي لدعم المجهود الحربي، بإقامة عدد من الحفلات في الخارج، ليكون إيرادها لصالح إعادة بناء القوات المسلحة المصرية، ومن هذا المطلق قامت الحكومة المصرية ممثلة في شخص رئيس الجمهورية، بتكريم السيدة أم كلثوم على نحو غير مسبوق، إذ أصدر الرئيس عبد الناصر قرارا بمنح أم كلثوم جواز سفر دبلوماسيا، وجعلها سفيرة لبلادها إذ لم يحدث أن كان لمطربة مثل هذا التأثير عالميا، علما أنها تبرعت بـ 5000 جنيه مصري للمجهود الحربي قبل وقوع الحرب.

 

الباشا لكلاوي في حفل لأم كلثوم قبل النكسة

قبل زيارتها الفعلية للمغرب، في الفترة من 29 فبراير إلى 20 مارس 1968، يمكن تسجيل مجموعة المحطات التاريخية الهامة في علاقة سيدة الطرب العربي بالمغرب. فقد تعرفت على المغاربة خلال زيارة وفد مغربي لمصر لحضور مؤتمر الموسيقى العربية الأول الذي انعقد بالقاهرة في سنة 1932، حيث التقى بأم كلثوم في أول احتكاك بين فناني المغرب ومصر.

وخلافا لما ذكره بعض كتاب مذكرات قواد الجيش الفرنسي خلال الخمسينات، فإن قصر الباشا الكلاوي لم يستضف المطربة المصرية أم كلثوم، حيث إنها لم تغن في المغرب إلا في نهاية شهر فبراير من سنة 1968، حينها كان الباشا يرقد في قبره، أي بعد 12 سنة على وفاة المتيم بالفن والسياسة.

تقول الروايات الشفوية إن الباشا الكلاوي اختار التوجه إلى الديار المقدسة لأداء مناسك الحج، بعد أن نصحه أبناؤه والمقربون منه بتغيير «موجة» الصراع السياسي والتوجه إلى الحرم المكي «لغسل وسخ الحياة السياسية». توجه الباشا رفقة حريمه إلى باريس ومنها إلى القاهرة في ظرفية سياسية اتسمت بشد الحبل بين مراكش والرباط، وفي طريقه لأداء فريضة الحج توقف التهامي في عاصمة الفن وزار أكبر قاعات العرض وتابع حفلات أم كلثوم وفريد الأطرش واسمهان. بل إنه «لم يفوت فرصة الزيارة للقاء أم كلثوم في بيت قوت القلوب الدمردشية في القاهرة»، حسب أحد الملحنين المغاربة الذي أكد وجود احتمال بدعوة المطربة لزيارة مراكش وإقامة حفل في قصره. استغل الباشا وجوده في شارع الحمراء، والتقى بنجوم الفن الذين ترددوا على مقر إقامته، وربط اتصالات مباشرة مع كثير منهم خاصة فريد الأطرش وسامية جمال وإسماعيل ياسين ويوسف وهبي، لكن أم كلثوم اعتذرت عن تلبية رغبة الكلاوي بلطف.

حرص الباشا على الاستماع إلى الموسيقى في دار الأوبرا التي لا يخلف الوعد معها سيما في زياراته إلى باريس، لكنه عاد يوما من تركيا مرفوقا بعدد من المغنيات التركيات، وزعهن على علية القوم في مراكش لتعليم الأبناء الموسيقى، ومنهن من تزوجها وأنجب منها أبناء. وهو ما يزكيه عبد الصادق الكلاوي في كتابه الأخيرة حول الباشا: «جلب الوالد عشرات الموسيقيات من تركيا استطاعت بعضهن جلب اهتمام سيد البيت بل إن منهن من منحته أطفالا، إلا أن أقربهن إلى وجدانه كانت عاقرا لذا كان يغدق عليها العطايا».

 

الحسن الثاني يوشح صدر أم كلثوم بوسام الكفاءة المهنية

أول لقاء رسمي بين مسؤول مغربي والمطربة أم كلثوم كان بمناسبة احتفالات مصر بذكرى عيد الجلاء في 18 يونيو 1956، حيث مثل المغرب في هذه الاحتفالات ولي العهد الأمير مولاي الحسن، وكان يشغل آنذاك منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية المغربية، وهذا سر ظهوره باللباس العسكري إلى جانب زعماء الدول العربية وكان يمثل الملك محمد الخامس في هذا الحفل.

لكن أم المفارقات أن يجالس ولي العهد الأمير مولاي الحسن المطربة المصرية أم كلثوم يوم 18 يونيو 1956 مباشرة بعد حصول المغرب على استقلاله، ودعته لحضور إحدى سهراتها الغنائية، كما وجه لها الدعوة لزيارة المغرب.

سيكتب لولي العهد أن يتابع إحدى سهرات أم كلثوم في القاهرة، بعد تسع سنوات حين عرض على أم كلثوم كلمات أغنية بعنوان «أنت الحب» من كلمات أحمد رامي، وكانت قد مرت خمس سنوات على آخر تعاون بين رامي وعبد الوهاب. وافق عبد الوهاب على تلحين «أنت الحب» وغنتها أم كلثوم على مسرح دار الأوبرا المصرية ليلة الخميس 4 مارس 1965، حيث غنت في الوصلة الأولى «أراك عصي الدمع» لأبي فراس الحمداني وتلحين رياض السنباطي.

حضر الحفل الرئيس جمال عبد الناصر والحسن الثاني ملك المغرب، حيث قام في نهاية الحفل بتقليد ثلاثي أغنية «أنت الحب» عبد الوهاب وأم كلثوم ورامي بوسام الكفاءة الفكرية كأرفع وسام مغربي يمنح في المغرب في مجال الآداب والفنون. وفي المتحف الخاص بكوكب الشرق، يوجد الوسام وعليه شهادة كتب فيها: «لذي كتب عليه: «من ملك المغرب الحسن الثاني، الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله، يعلم من كتابنا هذا أسماه الله وأعز أمره أننا بحول الله وقوته: أنعمنا على حضرة السيدة أم كلثوم بوسام الكفاءة الفكرية من الدرجة الممتازة.. رعيا لما لها من أهلية واعتبار لدى جلالتنا. فليكن لها هذا الوسام مصحوبا باليمن والسعادة بفضل الله وعنايته.. سجل هذا الكتاب الشريف بالقصر الملكي بالرباط.. توقيع عبد الحفيظ العلوي مدير التشريفات الملكية والأوسمة».

 

حين تأخر وصول أم كلثوم غنى المستقلون.. «فات الميعاد»

في يوم الخميس 29 فبراير سنة 1968، توجهت أم كلثوم وفرقتها الغنائية إلى المغرب على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية المصرية، تأخرت طائرة «الست» عن موعد وصولها بست ساعات فغنى المستقبلون «فات المعاد وبقينا بعاد».

بسبب رداءة أحوال الطقس فشل ربان الطائرة في النزول بمطار الرباط فغيرت الطائرة مجراها إلى مدينة الدار البيضاء، لتحط الرحال في مطار أنفا من غير ترتيبات مسبقة، فتدبر عامل المدينة الأمر ونقلها إلى الرباط عبر سيارة حكومية وثلاث سيارات أجرة. في الوقت الذي كان خيرة فناني المغرب وسفير مصر ينتظرون في مطار الرباط/ سلا وصول الطائرة في يوم ممطر.

«حسب الترتيبات التنظيمية فقد كان منتظرا أن تصل «الست» في طائرة خاصة من نوع كارافيل لمطار الرباط/ سلا على الساعة العاشرة والنصف مساء، وصلت لجنة الاستقبال التي أوفدها جلالة الملك الحسن الثاني إلى قاعة المطار وكانت فنية بالأساس فقد رأى المغاربة أن خير من يستقبل الفنان هو زميله الفنان، وكان يترأس لجنة الاستقبال هذه جليس الملك ومستشاره الفني الموسيقار أحمد البيضاوي بمعية الملحنين عبد القادر الراشدي وعبد الوهاب أكومي وعزيز السغروشني مدير مسرح محمد الخامس المؤسسة التي ستستضيف حفلات أم كلثوم، ومن الرسميين كان هناك السيد حسن فهمي عبد المجيد سفير الجمهورية العربية المتحدة بالرباط والسيد المهدي زنطار سفير المملكة المغربية بالقاهرة وبعض أفراد الجالية العربية. عند ذاك غنى الكل فات المعاد وبقينا بعاد».

بين لجنة الاستقبال في مطار سلا ومسؤولي عمالة الدار البيضاء، ظلت الاتصالات جارية، لكن أغلب المسؤولين كانوا نائمين في هذه الساعة المبكرة، ولم تصل الضيفة إلى فندق «هيلتون» بالرباط إلا صبيحة يوم فاتح مارس.

 

كوكب الشرق تمنع توزيع دعوات «في أي بي» في حفلاتها

ما أن وصلت أم كلثوم إلى غرفتها حتى ألحت على مستخدمي الفندق بعدم إزعاجها لأنها كانت أحوج إلى الراحة، وحده ابن شقيقتها المهندس محمد الدسوقي كان ينوب عنها في ضبط مواعيد وأمكنة حفلاتها. حيث تم الاتفاق على إقامة ثلاث حفلات أولها يوم رابع مارس، والثانية يوم ثامن مارس على أن يقام الحفل الثالث يوم ثاني عشر من نفس الشهر، وهي مواعيد تندرج في سياق احتفالات الشعب المغربي بذكرى عيد العرش، كما تم الاتفاق على إقامتها جميعها بمسرح محمد الخامس، وحسب تعليمات أم كلثوم فإنه تم منع منح دعوات خاصة لكبار المسؤولين حيث سيكون الشباك وحده طريق المرور إلى السهرة، على اعتبار أن الهدف من الحفلات جمع الأموال لدعم المجهود الحربي للقوات المسلحة المصرية.

استاءت أم كلثوم من تفاوت أسعار التذاكر، وحصل ما لا يشتهيه ذوو الدخل البسيط والمتوسط، فقد حددت أثمان التذاكر تبعا للقرب أو البعد من ركح المسرح، وتراوحت أسعارها ما بين 30 و50 درهما. وحسب تصريح لأحد أعضاء لجنة التنظيم فإن تكلفة زيارة أم كلثوم وطاقمها للمغرب تجاوز عائدات بيع التذاكر.

وحسب محمد الدسوقي، فإن التلفزيون المغربي قد أنقد الموقف حين تعاقد مع المنظمين على نقل حفلات أم كلثوم على الهواء مباشرة مقابل ستين ألف درهم للحفل الواحد، ويضيف بأن شراء حقوق نقل سهرة كان أول عملية تجارية بين التلفزيون المغربي وفنان، وهو ما مكن الأسر المغربية إلى الجلوس حول التلفزيون أثناء نقله لحفلات أم كلثوم.

في يوم الأحد 3 مارس 1968 كانت أم كلثوم نجمة حفل العشاء الذي أقامه الملك الحسن الثاني بمناسبة عيد العرش، على شرف ضيفة المغرب بحضور أعضاء الحكومة المغربية. وذلك بمسرح محمد الخامس بالرباط، وكان مناسبة لتكتشف فيها أم كلثوم المكان الذي ستغني فيه في اليوم الموالي.

 

الحسن الثاني يعين الدبلوماسي بنونة مرافقا لـ«الست»

ينتمي أبو بكر بنونة لعائلة بنونة التي استوطنت مدينة تطوان بعد أن نزحت إليها من الأندلس، عرف «آل بنونة» بحسهم النضالي فوالد أبوبكر هو عبد السلام كان مقاوما وشقيقه المهدي كان أول مدير لوكالة المغرب العربي للأنباء.

نسج أبو بكر علاقة وطيدة مع الحسن الثاني، فقد عينه الملك نائبا لمدير الإذاعة والتلفزة الوطنية، في منتصف الستينات واستمر في هذا المنصب إلى أن دخل العمل الدبلوماسي، بل إن عايش كصحافي وقائع انقلاب الصخيرات بكل تفاصيلها، ونظرا لعلاقاته القوية بالمشارقة فقد عينه الحسن الثاني سفيرا للمغرب في اليمن، وحين اعتزل الحياة الدبلوماسية قرر التفرغ للكتابة.

في ندوة نظمتها جمعية تطاون للموسيقى سنة 2015، بمناسبة مرور أربعين سنة على رحيل كوكب الشرق أم كلثوم، كشف أبو بكر بنونة عن تكليفه من طرف الحسن الثاني بالإشراف على زيارة أم كلثوم للمغرب حيث كان مقررا إحياء ثلاث سهرات سنة 1968.

قال بنونة في معرض مداخلته: «كنت يومها مسؤولا في الإذاعة والتلفزة المغربية وكنا قبل الحدث نتساءل هل من الممكن أن تحضر أم كلثوم للمغرب، ولحسن حظنا أنه يومها كان ملك المغرب الحسن الثاني رحمه الله عاشقا للفن وكان يشجع ذلك ماديا ومعنويا فأمر أحمد البيضاوي رئيس قسم الموسيقى في الإذاعة والتلفزة، بأن يتوجه الى القاهرة لإحضار أم كلثوم للمغرب، وخلال الزيارة كلفت أنا وزوجتي بمرافقة السيدة في كل تجوالها، وقد أحيت سهرتين بمسرح محمد الخامس كما نظم على شرفها حفل عشاء بمنزل المهدي بنونة. ثم قامت بزيارة للدار البيضاء كما زارت فاس ومراكش، وأقامت سهرة خاصة لصاحب الجلالة حضرتها العائلة الملكية وشاهدت يومها سيدنا رحمه الله كيف فرح بها كثيرا وأعطاها هدايا». وأضاف أبو بكر بأنه في نهاية الحفل قالت له كوكب الشرق: «هذه أول مرة أقيم فيها حفلا لملك عربي».

وحسب أبو بكر فإن الملك الحسن الثاني ظل يتابع تحركات أم كلثوم ويطالب بمنحها كل الاهتمام ولفها برداء الضيافة المغربية وتمكينها من التعرف على الصناعة التقليدية، لذا كلف بنونة زوجته بالإشراف على مجوهرات أم كلثوم وتعريفها بالقفطان المغربي ورافقتها في زياراتها لمختلف المدن المغربية.

 

أم كلثوم تظهر بقفطان مغربي في أول حفل وتستقبل بالزغاريد

حرص المنظمون على أن يكون أول ظهور لأم كلثوم في مسرح محمد الخامس، بقفطان مغربي، فتكلفت زوجة بنونة بخياطة فستان خاص للمطربة المصرية فظهرت به في الحفل الأول الذي أقيم يوم الإثنين 4 مارس. وحسب روايات كثيرة عن هذا الفستان وزعم أكثر من خياط ومحل للألبسة التقليدية بالرباط أن القفطان الأسطورة كان من عنده، إلا أن أصح الروايات جاءت على لسان خديجة بنونة في برنامج تلفزيوني وقالت إنها كانت تعرف قياس أم كلثوم واشترت ثوبا من نوع «الموبرا». «هو ثوب ناعم وفاخر يلبس في الشتاء ودفعته إلى خياط تقليدي بالرباط واستغرقت حياكته خمسة عشر يوما وأبى صاحب المحل أن يأخذ مقابل عمله إكراما للسيدة أم كلثوم»

في أولى حفلاتها لم يقتصر الحضور على المغاربة فقد تنقل أشقاء من الجزائر وليبيا وموريتانيا إلى الرباط لحضور الحفل، بل إن إذاعات الجزائر وتونس وليبيا وصوت العرب كانت كلها مضبوطة على موجات إذاعة الرباط.

كان يوم الاثنين يوما مشهودا في التاريخ الفني للمغرب، فقد أعلن يوم عطلة رسمية بمناسبة عيد العرش حيث تتعطل فيه الإدارات والمصالح الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص، وكانت الرباط وباقي المدن المغربية تتزين بالأعلام، كما عرف مقر الحفل حضورا نوعيا للصحافة العربية، إذ حضر من لبنان مبعوث مجلة «الشبكة»، ومن مصر حضر مراسل جريدة «الأهرام» و»أخبار اليوم» ومن التلفزة المصرية حضرت الصحافية أماني ناشد بجانب فريق من التقنيين كما حضر فريق صحفي من إذاعة «صوت العرب»، أما النقل الإذاعي فحدث ولا حرج، وفي مدخل المسرح كانت هنالك شركة مغربية استغلت الحدث لتبيع أسطوانات أم كلثوم بأسعار مخفضة.

انتهت الحفلة الأولى وقالت أم كلثوم عقبها أنها كانت مستعدة لأن تغني حتى الصبح للتجاوب الكبير الذي لقيته من الجمهور، وشدتها أكثر زغاريد النساء الحاضرات للحفل.

في الحفل الثاني بنفس المسرح، سجل حضور لافت للأمير مولاي عبد الله شقيق الملك الحسن الثاني، ولفت الأنظار حين التمس من أم كلثوم أن تعيد غناء الأطلال للمرة الثانية تلبية لطلبه، فاستجابت له رغم أنها غنتها في الحفل الأول، ودار حوار مباشر بين سيدة الغناء والطرب مع شقيق الملك قبل أن تستبدل «فكروني» بـ «الأطلال». في حفلاتها حرص المنظمون على إطلاق حمام استقرت إحداها على المسرح لتنصت لأم كلثوم بكل خشوع.

وكان حفل 12 مارس آخر حفل رسمي للمطربة المصرية، وتم في مسرح محمد الخامس أمام جمهور قياسي.

 

حين تبرعت «الست» بكبش عيد الأضحى لسائق العمالة

صادفت زيارة أم كلثوم للمغرب الاحتفال بعيد الأضحى، حيث أهدى الملك الحسن الثاني ضيفة المغرب كبش العيد، إلا أن «الست» أصرت على نحره في بيت أسرة فقيرة بالرباط. في يوم الأحد 10 مارس 1968 حل عيد الأضحى، كانت المرة الوحيدة التي أمضت فيها أم كلثوم العيد بعيدا عن مصر وعن أجواء العيد في القاهرة.

يقول الباحث المصري كريم جمال: «في التفاتة كريمة من الملك الحسن الثاني أهدى لأم كلثوم كبش العيد حتى تضحي مع المغاربة تماما كما كانت تفعل في القاهرة وحتى لا تحس بغربة العيد في المغرب، شكرت أم كلثوم الملك على مبادرته الكريمة لكنها أعلنت عن رغبتها في نحر الأضحية في بيت أسرة مغربية فقيرة، وكانت الأسرة السعيدة التي وقع عليها الاختيار هي أسرة عبد الفتاح الناصري وهو سائق في عمالة الرباط سلا، أب لطفلين وقضى في عمله 35 سنة خدمة». وحسب مقربين من السائق فإن وجوده ضمن فريق السائقين الموضوعين رهن إشارة ضيفة المغرب جعل الكبش من نصيبه.

حلت أم كلثوم ببيت الرباطي المحظوظ وسط فرحة عارمة وبهجة الأطفال وزغاريد النساء وحضرت مراسيم نحر الأضحية، ثم توجهت إلى بيت الموسيقار أحمد البيضاوي الذي استقبلها وأعضاء فرقتها ليشاركهم فرحة العيد، بعدها توجهت إلى بيت حسن فهمي عبد المجيد سفير مصر المعتمد بالرباط وتناولت هناك الأطباق المصرية الأصيلة التي تعد في مثل هذه المناسبات.

 

جولات «كوكب الشرق» في مدن المغرب ودمعة المغادرة

استغلت أم كلثوم وجودها في المغرب حيث قامت بزيارة عدد من المدن المغربية، حيث قوبلت بحفاوة كبيرة، فقد زارت مدينة تطوان في زيارة يرجح أن تكون زيارة لعائلة بنونة، وزارت مدينة مكناس بدعوة من الأميرة للاّ آمنة عمة الملك الحسن الثاني، وحلت بمدينة فاس في زيارة أعد لها وزير السياحة المغربي التهامي الوزاني، إذ أهداها سكان مدينة فاس شمعة فاخرة من ضريح المولى إدريس طولها متران من الشمع الأخضر مرصعة بخيط من الذهب قدمها نيابة عنهم ابن مدينة فاس الشاعر والزجال المغربي أحمد الطيب العلج، طبعت عليها أم كلثوم قبلة تبركا.

وفي الرباط تلقت الضيفة الكبيرة هدية من الفنان التشكيلي المغربي كمال الزبدي عبارة عن لوحته التشكيلية أطلال هدية لأم كلثوم التي تهافت على مقر إقامتها مئات المعجبين يحملون هدايا لضيفة المملكة.

قادتها الرحلة إلى مراكش حيث تمت الزيارة بدعوة من الملك الحسن الثاني، استقبلتها فرق فلكلورية شعبية من مختلف مناطق المغرب وبكل لهجاته ولكناته. وفي فندق السعدي بمراكش استقبل الملك ضيفته في حفل خاص.

ومن التفاصيل الجديرة بالتنويه إليها هنا أن أم كلثوم كان مقررا أن تغادر المغرب يوم 16 مارس، إلا أنها مدت إقامتها لغاية 20 مارس. حيث كانت تقيم بفندق المامونية ونزلت بنفس الجناح الأسطوري الذي اعتاد أن ينزله فيه السير ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا، أما أفراد فرقتها فنزلوا بفندق السعدي الذي لم يكن يبعد عن المامونية إلا ببضع خطوات.

وقبل مغادرتها المغرب بعثت أم كلثوم ببرقية شكر للملك الحسن الثاني ولوزير الأنباء أحمد السنوسي وأسرة بنونة، وخطت كلمات شكر بسجل الزوار بالفندق الذي أقامت فيه طيلة الزيارة وقيل إنها بكت وهي تصعد الطائرة.

وكان أكبر دليل عن تأثر أم كلثوم بزيارتها للمغرب والاستقبال الحار الذي صاحب الزيارة أنها خطت بأصبعها على زجاج باب الطائرة وهي تبكي الآية الكريمة «إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَآدُّكَ إِلَى مَعَادٍ صدق الله العظيم».

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى