أم المعارك
حسن البصري
لم نكن بحاجة إلى مباراة في كرة القدم بين فريقين مغربي وجزائري، لنتأكد من أن العرب لا يفرقون بين الفوز فوق البساط الأخضر وبين الانتصار على جبهات القتال.
لسنا بحاجة لمذيع وخبير رياضي واستوديو تحليلي، لنعرف أن المواجهة بين الوداد المغربي ومولودية الجزائر هي مباراة كرة قدم ليس إلا، فلسنا بحاجة لعلم «الكاف» ومندوب موفد من الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، لنتأكد من أننا في منافسة رياضية ونتيقن من هوية طاقم التحكيم الذي لم يعينه مجلس الأمن ولا يمت بصلة للمينورسو.
مع كل مباراة عربية حارقة تتحرك الآلة الديبلوماسية وتتحرك مدرعات الإعلام الحربي نحو الجبهة الأمامية، ويحمل كاتب الرئيس قلما وورقة استعدادا لصياغة رسائل تهنئة بحبر الشتيمة.
ما إن أعلن الحكم البوتسواني جوشوا بوندو، عن نهاية مباراة الوداد البيضاوي ومولودية الجزائر، بتأهل الفريق المغربي للمربع الذهبي لكأس عصبة الأبطال الإفريقية، حتى انهال بعض لاعبي الجزائر يتقدمهم حارس المرمى على الحكم بالسب والشتم متهمين الطاقم التحكيمي بمحاباة المغرب. لم يجد الحكم ومساعدوه بدا من الاحتماء وراء طاقم أمني حاول عبثا كبح جماح حارس هائج.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن بعض الأقلام الجزائرية أكملت فصول الاعتداء، حين اتهمت اتحاد الكرة المغربي بشراء ذمة حكم أكدت وقائع المباراة أنه لم يحرم الجزائريين من هدف أو ضربة جزاء. ما لا تعرفه القوات الاحتياطية للنظام الجزائري أن الحكم بوندو ينتمي لبوتسوانا البلد الأكثر قربا من البوليساريو والأكثر عداء لقضيتنا الوطنية، وأن قراراته ضد الوداد كانت ظالمة.. يكفي أن نعرف بأنه كان شاهدا على مهزلة ملعب رادس باعتباره حكما رابعا.
عندما عينت «الكاف» هذا الحكم البوتسواني لقيادة مباراة بين المنتخب المحلي المغربي ونظيره الجزائري في ملعب البليدة بالجزائر قبل سنتين، ساد ارتياح في الجزائر وقلق في الرباط، لكن أعضاء جامعتنا تسلحوا بالصبر، وكنا من الكاظمين للغيظ.
ضربنا كفا بكف ونحن نقرأ في صحيفة «الشرور» الجزائرية مقالا بمداد التحريض يقول كاتبه بلغة الواثق «شن المغاربة حربا نفسية قبل مواجهة الوداد البيضاوي ضد الضيف مولودية الجزائر»، لم يكلف الكاتب نفسه عناء الكشف عن هذه الحرب النفسية التي لا وجود لها إلا في مفكرته.
مباشرة بعد وصول بعثة الفريق الجزائري إلى الدار البيضاء، أقيم حفل استقبال على شرف الضيوف، وقال عمار براهمية، رئيس المولودية الجزائرية، إنه سعيد بـ«حفاوة الاستقبال الأخوي الكبير الذي لم يفاجئ الوفد، أسعدنا كثيرا احتفالهم معنا بالمئوية، وقد أبلغنا جماهيرنا العريضة بهذا التكريم الكبير».
في حفل الاستقبال وقفنا عند التنزيل الحقيقي للازمة: «خاوة خاوة»، بل إن رئيس مولودية الجزائر فاجأ مسؤولي الوداد بوثيقة تاريخية، عبارة عن دعوة كان مولودية الجزائر قد وجهها للوداد البيضاوي لزيارة الجزائر وإجراء مباراة ودية في عهد الاحتلال.
وضعت إدارة الرجاء البيضاوي ملعبها رهن إشارة الفريق الجزائري، وقوبل الضيوف باستقبال منقطع النظير في الفندق، هل هذه هي الحرب النفسية التي شنها المغاربة على الجزائريين في الدار البيضاء؟ اللهم اشهد.
أمام هذه المواقف التي تفيض حبا، سيجد ما تبقى من شعراء النقائض أنفسهم في موقف يحسدون عليه، سيتبرؤون من مفرداتهم الصدئة، ومن مبتدأ منصوب عليه، وحين سيعيد كتاب الرئيس مشاهد المباراة ويتوقفون عند حفاوة الاستقبال، سيكتشفون أنهم كانوا في وضعية شرود وأن حكم الشرط كان رحيما بهم حين غض الطرف عنهم.
كلما لاحت في الأفق معركة كروية بين المغاربة والجزائريين، يرعد صحافيو الفتن ولا يمطرون، يتخلصون من بذلهم الرياضية ويرتدون لباس المعارك ويسترخصون الشهادة في سبيل كرة محشوة بالهواء الفاسد.
عجبا لمن أعطيناهم قلوبنا ليسكنوها فهجروها، تبا لهم.