إعداد وتقديم: سعيد الباز
استهلّ أمين معلوف دخوله إلى الأكاديمية الفرنسية عضوا سنة 2011 في المقعد رقم 29 عوض كلود ليفي شتراوس، بكلمة معبرة عن رؤيته الواضحة في هذه المهمة: «سيداتي سادتي، في الأكاديمية عندما نحصل على شرف الدخول في قلب عائلة كما عائلتكم الكريمة، لا نأتي بأيادٍ فارغة. وإذا كان المدعوّ مشرقيًا كما هي حالي، فيأتي بيدين مُحملتين. أحضر معي كلّ ما منحني إيّاه هذان البلدان، جذوري، لغاتي، لهجتي، إداناتي، شكوكي، وأكثر من هذا كلّه حلمي في التناغم والتقدّم والتعايش».
في آخر الشهر الماضي تمّ انتخابه أمينا دائما للأكاديمية الفرنسية، في بادرة هي الأولى من نوعها في تاريخ هذه الأكاديمية العريقة. من الذي أتى بسليل عائلة ذات مجد في عالم الأدب والصحافة وإدارة الأعمال ونصيب وافر من المهاجرين المنتشرين في أصقاع العالم؟ وكيف أتى أمين معلوف الذي درس الاقتصاد وعلم الاجتماع إلى الصحافة ومنها إلى الرواية واضطراره إلى مغادرة لبنان باتّجاه فرنسا بعد الحرب الأهلية سنة 1976؟ ما يستشف من مساره الأدبي أنه أكثر الكتاب انشغالا بالتاريخ العربي تحديدا، واستلهاما له في كتاباته الروائية. والقضية الأساسية الأكثر حضورا تتلخص في مسألة حوار الحضارات وإشكالية الهوية.
أمين معلوف.. المحطة الأخيرة قبل النسيان
… كلّما سألني أحدهم في طفولتي عن مسقط رأسي، اجتاحتني لحظة ضياع. فضيعتي متعددة. وعادة أنتهي بالقول «عين القبو»، أو تحديدا، حسب اللهجة المحلية «عين الأبو»، مع العلم أنّ هذا الاسم لا يرد إطلاقا في أوراقي الثبوتية التي تذكر قرية «المشرع» المجاورة، ولكن هذا الاسم ليس متداولا على الإطلاق، ربّما لأن الدرب الوحيدة السالكة حادت عنها لتخترق «عين القبو» بالضبط.
وفي الحقيقة، لهذا الاسم الأخير امتياز الإشارة إلى واقع ملموس: فعين كلمة عربية تعني «نبع»، و«قبو» تشير إلى حجرة مقببة. وحين يزور المرء هذه الضيعة، يصادف فيها بالفعل نبعا ينفجر من مغارة شيدتها يد بشرية، وتعلوها قنطرة، وعلى نصف الدائرة الحجري نقش قديم بالإغريقية تمكّن عالم آثار نرويجي يوما من تفكيك حروفه، فتبين أنه قول من التوراة يبدأ كما يلي: «إجر يا نهر الأردن»، فمنابع نهر الأردن تقع على عشرات الكيلومترات من هذا المكان، ولكن تلك النقوش تعود للعصر البيزنطي، وترمز إلى أسلوب معهود في مباركة الماء.
بفضل هذا المعلم الأثري، اكتسب اسم «عين القبو» نوعا من البداهة الجغرافية لا يملكه اسم «المشرع»، وهي كلمة آرامية غير واضحة الدلالة، تشير إلى السفح المشرف والمنزلق لجبل، أو ربما ببساطة إلى مكان مفتوح. وفي الواقع، المشرع هي سفح جبل، وضيعة عمودية، وعرة المسالك، لا يعيش فيها بيت في ظل الآخر.
وثمة تعقيد آخر في ما يخصني: فالبيت الذي اعتدت أن أدعوه بيتي غير كائن في «عين القبو»، أو في «المشرع»، إنّما في قرية ثالثة لا يرد اسمها على أيّ لافتة، أو وثيقة من وثائق القيد المدني، وأهاليها وحدهم يعرفونها باسمها الحقيقي، وكذلك بعض العارفين القلائل: «كفريقدا»، وقد تحرف هذا الاسم باللهجة المحلية وأصبح يلفظ «كفريأدا» تلطيفا لحرف القاف الحلقي السامي، والذي قمت بتحويله إلى باء في «كفر يبدا»، ظنا مني أنني أجعله أسهل على اللفظ.
لربما توجّب عليّ التوضيح بأنّ كلّ هذه الأسماء التي يكنّ لها أهلي الإجلال لا تغطّي سوى مساحة جغرافية مجهرية: فالقرى الثلاث مجتمعة تضمّ، على أبعد تقدير مائة نفس. ففي «كفريقدا»، مجرد كنيسة صغيرة وأربعة بيوت مع احتساب بيتي. ومع ذلك، فهذه البلدة مذكورة في أقدم كتب التاريخ…
أقام جدّي العتيد ثلاث سنوات في بيروت التي سيعشقها ويعود إليها مرارا للإقامة فيها أثناء حياته. كانت المدينة في ذلك الوقت تعيش ازدهارا منقطع النظير، فقد شجعت مذابح 1860 على نهوضها. والكثيرون ممن كانوا، حتّى الحين، يغفون بكسل وخمول في قرى الجبل، ويظنون أنفسهم محميين من شراسة العالم، صحوا مع هذه الأحداث من غفلتهم. فارتأى أكثرهم جرأة السفر ما وراء البحار، وبدأت هجرة كثيفة لن تتوقف، نحو مصر والقسطنطينية أولا، ثم أبعد فأبعد، إلى الولايات المتحدة، والبرازيل، وسائر القارة الأمريكية، وكذلك أستراليا. أمّا أقلهم مغامرة، وهم غالبا ممن يعيلون أسرة، فاكتفوا «بالنزول» من ضيعتهم إلى المدينة الساحلية التي راحت شيئا فشيئا تتخذ شكل الحاضرة.
أمين معلوف.. ليون الإفريقي
في روايته الشهيرة «ليون الإفريقي» يقوم أمين معلوف باستعادة لشخصية العالم والرحالة المغربي الحسن بن محمد الوزان الفاسي، هذه الشخصية التاريخية الإشكالية وظروف اختطافه من قبل القراصنة الأوروبيين وإهدائه إلى الحبر الأعظم للكنيسة الكاثوليكية في روما. هنا نجد حسن الوزان يحكي سيرة أسره:
(لم أكن الأرض ولا البحر ولا السماء ولا نهاية الرجلة. وكان لساني شديد المرارة، ورأسي حافلا بالغثيان والضباب والآلام. وكانت تتصاعد من قعر القبو الذي رميت فيه رائحة الجرذان الميّتة وألواح التبطين العفنة وأجساد الأسرى الذين عمّروه قبلي.
وهكذا كنت عبدا يا بنيّ، وقد سرى العار في دمي. فأنا الذي وطِئتْ أقدامُ أجداده أرض أوروبا فاتحين سوف أُباع إلى أمير من الأمراء، إلى تاجر ثريّ من تجّار بالرمو أو نابولي أو راغوسا، أو –وذاك أشنع- إلى واحد من قشتالة يجرّعني في كلّ لحظة جميع هوان غرناطة.
وبقربي كان عبّاد السوسي مقيّدا بمثل قيودي وفي قدمه مثل ما في قدميّ من أثقال، وكان ملقى على الغبار شأنه شأن أحقر الخدم. وتأمّلته، لقد كان مرآة انحطاطي أنا. فبالأمس كان لا يزال يرعد مزهوّا على متن مركبه السريع موزّعا الضحكات والركلات، ولم يكن البحر بأسره فسيحا بالقدر الذي يكفيه، ولا اصطخاب الموج جامحا بالقدر الذي يرضيه.
وزفرت بصوت مسموع فردّ رفيق بؤسي الذي كنت أظنّه نائما، من غير حتّى أن يفتح عينيه وقال: «الحمد لله. الحمد لله! لِنَحْمَدِ الله على جميع نِعَمِهِ!» لم يكن الوقت في نظري وقت تجديف قطّ. وعليه اكتفيت بالقول: «لِنَحْمَدْهُ في كلّ حين. ولكنْ علامَ تريد أن تحمده في هذه اللحظة بالذات.
-على أنّه أعفاني من التجديف كهؤلاء المنكودين المحكوم عليهم بالتجديف وأسْمَعُ زفيرهم المنتحب. وأحمده كذلك على أنّه تركني أحيا، وقدّر لي صحبة طيّبة. أليست تلك ثلاثة أسباب واضحة للقول: «الحمد لله!».
واعتدل جالسا وقال: «لا أطلب قطّ من الله أن يجنّبني المصائب، أطلب إليه فقط أن يجنّبني القنوط. اطمئنّ، فعندما يتخلّى الله عنك بيد يمسكك بالأخرى».
كان عبّاد يقول الحقّ يا بنيّ، بل كان يقول أصدق ممّا كان يعتقد، أفلم أكن قد تركت في مكّة يمين الله؟ ولسوف أعيش في روما في قبضة يسراه!
… كان لخاطفي شهرة وتخوّفات وَرِعَةٌ. فالقرصان الصقليّ الجليل «بيترو بروفاديليا» الذي أصبح في الستين من عمره، وكان قد ارتكب القتل عدّة مرّات ويخشى أن تفيض روحه وهو يسلب وينهب، شعر بالحاجة إلى إصلاح جرائمه بتقديم قربان إلى الله. أو بالأحرى تقديم هديّة إلى ممثله على هذا الشاطئ من البحر المتوسط، ليون العاشر حَبْر روما الأعظم وأمير النصارى.
وكانت الهديّة إلى البابا أنا نفسي، وقد قُدّمت باحتفال يوم الأحد فبراير بمناسبة عيد القديس «فالنتينو». وكنت قد أُخْطِرْتُ بالأمر في العشيّة فبقيت إلى الفجر مستندا بظهري إلى جدار زنزانتي لا أجد إلى النوم سبيلا وأُصيخ إلى أصوات المدينة العادية، ضحكة حارس، أو سقوط شيء في نهر «التيبر»، أو صرخات وليد متقطعة في هدأة الظلام. وكنت أعاني الأرق في كثير من الأحيان منذ وصولي إلى روما، وانتهى بي الأمر إلى تخمين ما كان يجعل الساعات مضنية إلى هذا الحدّ: كان ذلك أشدّ من غياب الحرية، وأشدّ من غياب المرأة، كان غياب المؤذّن. فلم يسبق لي قطّ أن عشت هكذا، أسبوعا تلو أسبوع، في مدينة لا يرتفع فيها النداء داعيا إلى الصلاة محدّدا الزمان مالئا الفضاء مطمئنا الناس والجدران.
كان قد مرّ شهر على حبسي في القصر. وبعد الرحلة الشاقة ووقفات لا تحصى أُنزلت على أحد أرصفة نابولي أكثر المدن الإيطالية ازدحاما. ثمّ اقتادوني وحيدا إلى روما بطريق البرّ وكنت لا أزال موثّقا، لكنّ «بوفاديليا» رأى، ويا لدهشتي الكبيرة، أنّ من المناسب أن يعتذر عن ذلك بقوله: «إننا في أرض إسبانية. ولو رأى الجنود عربيا غير مقيّد فإنّهم سوف ينقضّون عليه).
أمين معلوف.. سمرقند
… وعندما وجد أبو طاهر نفسه وجها لوجه مع عمر الخيّام ولا شاهد على ما يجري غيرُ من يثق بهم من رجاله لفظ هذه العبارة الترحيبية المحيّرة: إنّه لشرف أن يُستقبل في هذا المكان عمر الخيّام النيسابوري الشهير.
ولم يكن القاضي ساخرا ولا مُتحمسا. فما كان هناك أدنى ظاهرة انفعال. فالنبرة محايدة، والصوت مسطّح، والعمامة مكوّرة، والحاجبان كثّان، واللحية شيباء بلا شاربين، والنظرة متفرّسة لا تكاد تنتهي. وزاد في غموض الاستقبال أنّ عمر كان واقفا هنا منذ ساعة ممزّق الثياب عرضة لجميع الأنظار والابتسامات والغمغمات. وأضاف أبو طاهر بعد لحظات تفنّن في اصطفائها: لست نكرة في سمرقند يا عمر، فعلى الرغم من صغر سنك فإنّ علمك قد غدا مضرب الأمثال، ومآثرك تُتناقل في المدارس. أفليس صحيحا أنّك قرأت في أصفهان سبع مرّات مجلدا ضخما لابن سينا، وأنك نقلته إلى نيسابور كلمة بكلمة من الذاكرة؟
وازدهى الخيّام بأن تكون مأثرته، وهي حقيقية، معروفة في طبرستان، ولكن ذلك ما كان ليقضي على مخاوفه. فالإحالة على ابن سينا من فم قاض من المذهب الشافعي ليس فيها ما يطمئن، ومن جهة ثانية فإنّه لم يُدع إلى الجلوس، وتابع أبو طاهر يقول: ليست مآثرك هي المتناقلة من فم إلى آخر، فالناس ينسبون إليك كثيرا من الرباعيات الغريبة.
الحديث محكم، فهو لا يتّهم، ولا يبرئ قطّ، ولا يسأل إلا مداورة. وقدّر عمر أنه قد حان الوقت لكسر طوق الصمت فقال: ليست الرباعية التي يردّدها ذو الندبة من نظمي.
وكنّس القاضي الاحتجاج بحركة من ظاهر يده بشكل نزق. ولأوّل مرّة غدت النبرة صارمة: لا يهمّ كثيرا أن تكون قد نظمت هذا البيت أو ذاك. فقد نُمِيتْ إليّ أقوال من الكفر لو ذكرتُها لشعرتُ بأنّ ذنبي يماثل ذنب قائلها. إنّي لا أسعى إلى انتزاع إقرار منك، ولا أسعى إلى إنزال عقاب بك. فاتهامك بتعاطي الكيمياء دخل أُذُنيّ ليخرج من الأخرى. إنّنا وحدنا، ونحن رجلان من رجال المعرفة، وكلّ ما أريد هو معرفة الحقيقة.
لم يُفْرِخْ روع عمر قطّ، وإنّه ليخشى شركا ويتردّد في الإجابة. وها هو ذا يرى نفسه وقد أّسلم إلى الجلّاد ليجدعه أو يخصيه أو يصلبه. ورفع أبو طاهر صوته، إنّه يكاد يصرخ، وقال: عمر، يا ابن إبراهيم صانع الخِيام من نيسابور، أتعلم كيف تتعرّف إلى صديق؟
إنّ في هذه العبارة نبرة إخلاص تقرع الخيّام وتسوطه. «تتعرّف إلى صديق؟» وقلّب السؤال بجدّ، وتأمّل وجه القاضي، وتفحّص ابتسامته الهازئة وانتفاضات لحيته. وترك الطمأنينة تغمره على مهل. وانفرجت أساريره، وتراخت. وتملّص من حراسه الذين لم يعترضوا طريقه بناء على حركة قام بها القاضي. ثم ذهب للجلوس من غير أن يُدعى إليه. وابتسم القاضي بطيب قلب، بيد أنّه واصل استجوابه: أتكون الزنديق الذي يصفه بعضهم؟
إنّه لأكثر من سؤال، إنّه صرخة تبرّم لا يخيّبها الخيّام: إنّي أحذر تفاني الأتقياء، لكنّي لم أقل يوما إنّ الواحد الصمد اثنان.
-هل خطر ذلك على بالك يوما؟
-أبدا، والله شهيد عليّ.
-هذا يكفيني. وهو يكفي الخالق على ما أظن، لكنّه لا يكفي العامّة. إنّهم يتربّصون بأقوالك وبكلّ حركاتك، كما يتربّصون بأقوالي وبكلّ حركاتي، كما يتربّصون بأقوال الأمراء وحركاتهم.
معلوف والهويّات القاتلة
منذ أن غادرت لبنان في عام 1976 لأستقر في فرنسا، سئلت مرات عديدة، بأفضل ما في العالم من نوايا، إن كنت أشعر أوّلا أنني فرنسي أو لبناني وكنت أجيب دائما: «هذا وذاك».
ليس من قبيل الحرص على التوازن أو المساواة، وإنّما لأنني إن أجبت بشكل مختلف لكذبت. إنّ ما يجعلني شخصا آخر هو أنني بهذا النحو على تخوم بلدين، ولغتين أو ثلاث، والعديد من التقاليد الثقافية، هذا بالضبط ما يحدد هويتي. هل أكون أكثر أصالة إن اقتطعت جزءا من ذاتي؟
إذا كنت أشرح بصبر للذين يطرحون عليّ السؤال، أنني ولدت في لبنان وعشت فيه حتى بلغت السابعة والعشرين من العمر، وأنّ العربية هي لغتي الأم، وأنني اكتشفت دوماس وديكنز ورحلات جلفر في الترجمة العربية أولا، وأنّه في قريتي الجبلية، قرية أجدادي، عرفت أفراح الطفولة الأولى وسمعت بعض القصص التي سأستوحي منها في ما بعد في رواياتي. كيف يمكنني أن أنساه؟ وكيف يمكنني أن أنسلخ عنه يوما؟ ولكنني من جهة أخرى أعيش على أرض فرنسا منذ اثنين وعشرين عاما، وأشرب ماءها ونبيذها، وتلامس يداي أحجارها القديمة يوميا، وأكتب كتبي بلغتها، لذلك لن تكون أبدا أرضا غريبة بالنسبة لي.
إذا أنا نصف لبناني ونصف فرنسي؟ أبدا. فالهوية لا تتجزأ أبدا، ولا تتوزع أنصافا أو أثلاثا أو مناطق منفصلة. أنا لا أمتلك هويات عدة، بل هوية واحدة مكونة من كل العناصر التي شكّلتها وفق «معايرة» خاصة تختلف تماما بين رجل وآخر.
أحيانا، عندما أنتهي من شرح مفصّل، للأسباب الدقيقة التي تجعلني أتبنى كليا مجمل انتماءاتي، يتقدم أحدهم مني ليهمس لي واضعا يده على كتفي: «كنت محقا إذا تحدثت على هذا النحو، لكن ما الذي تشعره في قرارة نفسك؟
جعلني هذا السؤال الملحّ أبتسم لفترة طويلة. ولم أعد أبتسم له اليوم، إذ يبدو لي أنه يكشف عن رؤية للبشر شائعة جدا وخطيرة في نظري. عندما أسأل عمّا أنا إياه في قرارة نفسي فهذا يعني أنّ لكل إنسان قرارة نفس، انتماء واحدا مهما، هو حقيقته العميقة بشكل ما، جوهره، يتحدد عند الولادة مرة وإلى الأبد، ولا يتغير أبدا. كما لو أنّ الباقي، كل الباقي، أي مسيرته كرجل حر، وقناعاته المكتسبة، وتفضيلاته، وحساسيته الخاصة، وميوله، وحياته كمحصلة، لا تهمّ في شيء. وعندما نحثّ معاصرينا على هويتهم مثلما نفعل اليوم في أغلب الأحيان فما نقصده هو أنّ عليهم أن يجدوا في أعماقهم ذلك الانتماء الأساسي المزعوم، الذي غالبا ما يكون دينيا أو عرقيا أو إثنيا، ليرفعوه بفخر في وجه الآخرين.
غرق الحضارات.. فردوس يحترق
يتناول أمين معلوف، في كتابه «غرق الحضارات»، ذكرياته الحميمة عن طفولته في لبنان ومصر ثم تتسع رؤيته، أو على الأصح وعيه أو كما يقول: (يبدو الأمرُ كما لو أنني أنظر إلى عالم طفولتي، ثم أبتعد شيئاً فشيئاً ومع ابتعادي تدريجياً أرى صورةً أكبر قليلاً. وهنا خاصة عند سن العشرين أبدأ في مراقبة العالم بطريقة أوسع قليلاً، وفي محاولة فهم ما حدث، وكيف وصلنا إلى ما وصلنا إليه). ثم يستدرج القارئ إلى فكرة الحضارة بقوله: «إنّ فكرة الحضارة كما أستخدمُها في هذا الكتاب هي إشارة إلى الفكرة التي نشأت في نهاية القرن العشرين عن ما سُمي صِدام الحضارات ويلخص عنوان الكتاب هذه الرسالة التي مفادها أن الحضارات لا تتصارع وإنّما جميع الحضارات في النهاية هي التي تغرق ولكن بسرعات متفاوتة».
من أجواء ذكرياته الحميمة في كتابة «غرق الحضارة» نقرأ: (وُلدت بصحة وعافية في أحضان حضارة محتضرة، وخالجني الشعور طوال حياتي بأنني بقيت على قيد الحياة، دون جدارة أو إحساس بالذنب، في حين كانت أمور كثيرة تنهار من حولي، مثل تلك الشخصيات في الأفلام السينمائية التي تجتاز شوارع تتهاوى فيها جميع الجدران، وتخرج منها نافضة الغبار عن ثيابها، والمدينة بأكملها من خلفها قد أصبحت مجرد ركام.
كان ذلك امتيازي الحزين، منذ النفس الأول. ولكنّها كذلك، دون أدنى شك، إحدى سمات عصرنا لدى مقارنته بما سبقه من عصور. في ما مضى، كان يتراءى للبشر أنّهم زائلون في عالم لا يتغير، يعيشون في الأراضي التي عاش فيها أهلهم، يشتغلون مثلما اشتغلوا، يعتنون بأنفسهم مثلما اعتنوا بحالهم، يتعلمون مثلما تعلموا، يُصلّون على المنوال نفسه، ويتنقلون بالوسائل نفسها. لقد ولد أجدادي الأربعة وجميع أسلافهم منذ اثني عشر جيلا في ظل السلالة العثمانية نفسها، فكيف لا يخالونها خالدة؟
… لقد أبصرت النور في العالم المشرقي، ولشدة ما طواه النسيان اليوم، من المرجح أنّ معظم أبناء عصري لا يعرفون ما ألمح إليه. والحق يقال، لم تحمل أمة يوما هذا الاسم، وعندما تتحدث بعض الكتب عن المشرق، يظلّ ملتبس المعالم، وجغرافيته متحركة، مجرد أرخبيل من المدن التجارية، الساحلية بأغلبها إنّما ليس على الدوام، ابتداء من الإسكندرية إلى بيروت، طرابلس، حلب أو أزمير، ومن بغداد إلى الموصل، والقسطنطينية، وسالونيكا، وانتهاء بأوديسا أو ساراييفو.
هذا الاسم الغابر، كما أستعمله، يشير إلى جميع الأماكن التي اختلطت فيها الثقافات القديمة في الشرق المتوسطي بثقافة الغرب الأكثر فتوة. وكاد أن يتمخّض، عن تلك العلاقة الحميمة، لجميع البشر، غد مختلف.
سأعود بمزيد من الإسهاب إلى هذا الموعد الفائت، إنما يجدر بي أن أذكره منذ هذه اللحظة لتوضيح تحليليّ فلو ظلّ رعايا الأمم المختلفة وأتباع الأديان التوحيدية يعيشون معا في تلك المنطقة من العالم، واستطاعوا أن يحققوا الانسجام في مصائرهم، لكانت البشرية جمعاء شهدت نموذجا معبرا من التعايش بوئام ورخاء، تستلهمه وتهتدي به. وللأسف فقد حصل العكس، وسادت البغضاء، وأصبح العجز عن العيش معا هو القاعدة.
… لم أعرف المشرق في أوج عظمته، فلقد جئتُ بعد فوات الأوان، ولم يبق من المسرح سوى ديكور متهالك، ولم يبق من الوليمة سوى الفتات. غير أنني كنت أرجو دائما أن يستأنف الحفل يوما، ولم أشأ الاعتقاد بأنّ القدر قد جعلني أبصر النور في بيت أصبح مصيره الدمار.
لقد شيّد أهلي بعض المنازل التي توزّعت بين منطقة الأناضول، وجبل لبنان، والمدن الساحلية، ووادي النيل، وسيفارقونها جميعا، المنزل تلو الآخر. واحتفظتُ عن ذلك بحنين، بالضرورة، وبشيء من القناعة الرزينة أمام تفاهة الأشياء، ألا نتعلّق بأي شيء قد نندم عليه ساعة الرحيل !
وعبثا فعلنا، فإنّنا نتعلّق، لا مفرّ، ثم نرحل، لا مفرّ، حتى أننا لا نصفق الباب وراءنا، فلا أبواب بقيت ولا جدران.
أبصرتُ النور في بيروت، يوم 25 فبراير 1949. وأُعلن النبأ في اليوم التالي، كما كان يحصل أحيانا، في خبر قصير نُشر في الصحيفة التي يعمل فيها أبي: «الطفل وأمّه بخير».
أمّا البلد والمنطقة فكانا في أسوأ حال، وقلّة هم الذين أدركوا ذلك آنذاك، ولكن الرحلة إلى الجحيم كانت قد بدأت، ولم يقدّر لها أن تنتهي).
آراء
يتساءل الكاتب اللبناني شربل داغر في مقال له: «أمين معلوف، أهو كاتب فرنكوفوني أم كاتب فرنسي؟ مِثل هذا السؤال طرحَه أمين معلوف على أقرانه من الكُتاب الفرنسيين قبل نيف وعشر سنوات، في مقال نشره في جريدة «الموند» الفرنسية، عشية افتتاح معرض الكتاب في باريس. هذا السؤال لم يعد ذا جدوى بعد انتخاب الكاتب ذي الأصل اللبناني سكرتيرا دائما لـ«الأكاديمية الفرنسية» في الأسبوع الماضي، لأسباب عديدة. فقد بات الفتى، المتحدر من أسرة المعالفة ذات الإسهام الأدبي النوعي في الثقافة العربية، ومن قرية «عين القبو» في المتن الشمالي، والذي يرقى انتقاله إلى فرنسا إلى العام 1976، قيِّما عاما على أعرق مؤسسة فرنسية، والمعنية الأولى بحياة الفرنسية، بين راهنها ومعجمها الكبير. الأكيد أن فوز أمين معلوف مأثرة فردية، إلا أن لها طعما لبنانيا أكيدا، بما فيه «الصمت» اللبناني «الرسمي». فمن وَضعَ على «سيفه» الأكاديمي صورة «ماريان» (أيقونة فرنسا الجمهورية) وأرزة لبنان، كان يستحق، من دون شك، احتفاءً أجلى في بلد يفتقر أهله إلى أبسط أنواع الافتخار والاعتزاز بأبنائه. فالكاتب الذي حلَّ في مقعد كلود ليفي-شتراوس (المقعد 29) فاز مؤكدا بالمنصب العتيد لصيته الأدبي اللامع، بعد أن «انفتحتْ» سياسات الأكاديمية على اختيار عدد من أعضائها من غير الفرنسيين «الأصليين». هذا ما بدأ بانتخاب مارغريت يورسونار فيها، المرأة الأولى والبلجيكية الأصل، ثم تتالت الانتخابات مع كُتاب فراكوفونيين، مثل: ليوبولد سيدار سنغور، وآسيا جبار، وصولا إلى أمين معلوف. إلا أن انتخاب معلوف الأخير يستكمل شراكة لبنانية واسعة من أدبائه في أدب فرنسا، مع: شارل القرم، وجورج شحادة، وأندريه شديد، وصلاح ستيتيه، وفينوس خوري-غاتا وغيرهم. إلا أن انتخابه يعود، في المقام الأول، إلى طول باع معلوف الواسع في اللغة الفرنسية. فمن يعد إلى رواياته وأبحاثه، يتحقق من معرفته الواسعة بالفرنسية، بين تاريخيتها وراهنيتها».
أمّا الناقد العراقي عبد الله إبراهيم فيعتبر أنّ أمين معلوف «يشكّل العلامة الأكثر أهمية في الرواية التاريخية على مستوى العالم، وليس على مستوى الثقافة العربية… فهو كاتب أعاد إنتاج الحروب الصليبية، وصراعات الماضي، وأحداث القرون الميلادية الأولى، وأحداث لبنان في القرن التاسع عشر في رواياته كثيرة، منها «صخرة أنطونيوس» و«سلالم الشرق» و«الأصول» و«سمرقند» و«الحروب الصليبية» و«ليون الإفريقي» وروايات أخرى ولا يمكن تخطيه في أي حديث إنما هو سياق الكلام الذي يتجه إلى الرواية المكتوبة باللغة العربية، والحق فتجربة معلوف ملفتة للنظر، واستثنائية، وتغور عميقا في إعادة إنتاج مسارات تاريخية مهمة في أشكال سردية جديدة».
في حين يرى الكاتب والشاعر اللبناني شوقي بزيع، في مقال له، أنّ أمين معلوف هوية متأرجحة بين الجذور والمنافي، قائلا: «إنّ المتتبع لروايات الكاتب اللبناني أمين معلوف، لابد أن يلاحظ اهتمامه المفرط بقضية الهوية والانتماء، وما يحيط بهما من التباسات ومفارقات. فهذه القضية بالذات باتت الهاجس الأساسي الذي يقف وراء كتاباته. إنّها الفكرة المحورية التي تدور حولها سائر أعماله، بدءا من ليون الإفريقي وسمرقند، وصولا إلى موانئ الشرق، وصخرة طانيوس، ورحلة بالدسار وغيرها. فالقاسم المشترك بين كل هذه الأعمال هو نبذ التعصب والانغلاق بكل أشكاله الطائفية والوطنية والقومية والعرقية، والانحياز إلى المناطق المشتركة التي تجمع بين البشر، والجماعات، وتقيم بينهم أوثق الوشائج.
إنّ أدب أمين معلوف بهذا المعنى هو المعادل الإبداعي لفكرة حوار الحضارات، وهو بالتالي الرد الحاسم والبليغ على هتنغتون، وأمثاله من المنادين بمبدأ الصراع الأبدي بين البشر، الذي تتولى حسمه القوة المهيمنة، لا الحوار والتفاعل والتكامل. على أن ذلك الرد لا يتم في إطار وعظي وإرشادي، بل في سياق أعمال روائية مميزة. يتقاسم بطولتها رجال ونساء يغادرون أوطانهم باستمرار، أو يتمزقون بين أكثر من وطن، كما هي الحال مع المؤلف نفسه. فمعلوف المولود في لبنان والمتحدّر من عادات وتقاليد وقيم مشرقية وعربية، لا يجد حرجًا في اكتساب الهوية الفرنسية الغربية، وفي الكتابة بلغة غير لغته الأم، ولا يكفّ في جميع كتاباته عن دحض الهويات الصافية، والدعوة إلى (عولمة) ثقافية وإنسانية تزول معها الحدود والعوائق الفاصلة بين بني البشر بعيدًا، عن العولمة الأخرى القائمة على الهيمنة والاستحواذ والقهر. فالهويات الخالصة هي الهويات القاتلة، وفق تعبير المؤلف، لأنها الوجه الآخر للتعصب والعنصرية والتمحور حول الذات، وإلغاء الآخر، ونبذه وكسر شوكته. لهذا السبب، ينحاز معلوف إلى فكرة الهوية المركبة والمتحوّلة في وجه الهوية المغلقة والنهائية، ويرى حياة الإنسان شبيهة بالطريق الذي يفضي من مكان إلى مكان، ومن حلم إلى حلم، لا بالشجرة التي تظل أسيرة إقامتها وترابها الفقير. وإذا كان البعض لا يوافقون الكاتب نظرته إلى الحياة والعالم، فإن أحدًا لا ينكر عليه نزوعه الإنساني، ودعوته إلى الحرية، والتسامح والوئام بين بني البشر».
وأخيرا يعتقد الكاتب المصري محمد سلماوي أنّ أمين معلوف «هو الكاتب اللبناني الذى يكتب باللغة الفرنسية منذ هاجر إلى فرنسا وحصل على جنسيتها، لكنه مع ذلك لم يتخل عن هويته العربية، بل فتح بكتاباته آفاقا عالمية أمام التعبير عن تلك الهوية التي مازالت تعاني في الغرب من التشوش وعدم الفهم، أو تخضع فى أحسن الأحوال لتفسيرات ورؤى استشراقية غير دقيقة، ويشهد على ذلك كتابه الشهير «الحروب الصليبية كما رآها العرب»، وهو الكتاب الذى غير مفهوم الحروب الصليبية الذي كان سائدا في العالم».
متوجون
رشيد الضعيف يتوج بجائزة محمد زفزاف
أعلنت لجنة تحكيم جائزة محمد زفزاف للرواية العربية، التي ترأسها الناقد المغربي سعيد يقطين، وضمت في عضويتها الروائيين والأكاديميين شكري المبخوت من تونس، وسعيد بنكراد من المغرب، وكاتيا غصن من لبنان، وحبيب عبد الرب سروري من اليمن، وحسن بحراوي من المغرب، بالإضافة إلى محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، عن فوز الروائي اللبناني رشيد الضعيف بجائزة هذه السنة.
وذكرت اللجنة، في بيانها، أنّ «مسيرة رشيد الضعيف الروائية بدأت في نهاية السبعينات، وخاض تجارب روائية عديدة، تغلغل عبرها في الذاكرة، وقارب الحرب اللبنانية من زاوية تفكك الوعي النفسي، وخطا نحو رواية ما بعد الحرب، التي اتخذت طابعا حميميا، عبّر من خلاله عن العلاقة الشائكة بين الشرق والغرب، وعن تناقضات المجتمع الذكوري، ومختلف مؤسساته». ونوهت اللجنة، كذلك، «بما تنطوي عليه أعمال رشيد الضعيف من جرأة نقدية، لا تعيد كتابة ذاتها، حيث اختار، عكس التيار، ألا يدخل الرواية من باب السرديات التاريخية الكبرى، ولكنه قارب فن الرواية والتراث العربي والحداثة وما بعدها وتشظي الفرد والمجتمع، عبر الغوص في ذات الراوي/المثقف العربي، وتناقضاته، بأسلوب موارب، يتعمّد الاستسهال ولا يسقط فيه، ويخفي ما أمكن خلفيات النص النقدية، بلغة مصقولة ونافذة الأثر». منتهية إلى القول «بأنّ أعمال رشيد الضعيف، بما تشتمل عليه من رؤى جمالية وإنسانية فارقة في مسار الرواية العربية اليوم، وباعتبار قيمتها الفنية والفكرية، قد خدمت الثقافة العربية، وبذلك استحقت الفوز بجائزة محمد زفزاف للرواية العربية في دورتها الثامنة».
النرويجي يون فوسه يحرز جائزة نوبل للآداب 2023
أعلنت الأكاديمية السويدية في ستوكهولم عن فوز النرويجي يون فوسه Jon Fosse بجائزة نوبل للآداب لهذا العام. ووصفت لجنة نوبل، المسرحي والروائي والشاعر يون فوسه، بأنّه واحد من أكثر الكتاب شهرة على نطاق واسع، وأضافت أنّ هذا الفوز تكريم لمسرحياته المبتكرة وأعماله النثرية التي تمنح صوتا لما لا يمكن البوح به ولكشفه عن القلق الإنساني والتناقض في الجوهر البشري.
يحظى يون فوسه، في بلاده النرويج، بشعبية كبيرة، ونال جوائز رفيعة، من بينها «جائزة إبسن الدولية» سنة 2010 والجائزة الأوروبية للآداب سنة 2014 كما نال أرفع وسام في بلده «وسام القديس أولاف الملكي».
يقول يون فوسه، وهو كاتب مسرحي بالدرجة الأولى وكثيرا ما تمت مقارنته بصامويل بيكيت، في أحد حواراته، عن بدايته في الكتابة المسرحية: «في البداية لم يكن لدي أيّ طموح أن أكتب للمسرح، ذات مرة طُلب منّي أن أكتب افتتاحية لعرض مسرحي. كنت أعيش عوزا شديدا، لقد اضطررت عمليا للقبول. وأثناء كتابتي أدركت أنّ هذه الافتتاحية تتضمن مسرحية بأكملها. طوّرت الافتتاحية فصارت مسرحية «شخص ما سيأتي». هذه المغامرة مع المسرح كانت أكبر مفاجأة في حياتي ككاتب. فمسرحياتي تُرجمت إلى 45 لغة». ويضيف، مبينا أسلوبه في الكتابة المسرحية: «بالنسبة لي، من المهم الكتابة والإصغاء. وأن يصغي المخرجون لإصغائي، ثم الممثلون للمخرج، وأخيرا أن يصغي الجمهور للمسرحية والصمت الذي له أهمية قصوى». وعن مفهومه للكتابة يقول: «بوصفي كاتبا ما يجب عليّ فعله هو أن أحاول قول ما يتعذر التعبير عنه. عند النجاح في ذلك يصبح المرء شاعرا. ذلك أنّ قول ما يمكن التعبير عنه غير ذي فائدة. ما ينبغي وصفه هو اللامرئي كلّي الوجود وإدراجه في الكتابة». وفي العموم يعرف يون فوسه في النرويج بصاحب أسلوب في الكتابة يحمل اسمه : «أسلوب الحدّ الأدنى لفوسه» يقوم على أساس من المبادئ المحددة في السهل الممتنع، والتكثيف، والاقتصاد اللغوي بالغ التقشف، ثم الرهافة والأناقة اللغوية، وأخيرا اعتماد تصوير العواطف بدلا من الوصف الخارجي..
أخيرا، لا نجد أعمالا مترجمة إلى اللغة العربية للروائي النرويجي يون فوسه، سوى روايتين: «صباح ومساء» و«ثلاثية» من ترجمة شيرين عبد الوهاب وأمل روّاش.