شوف تشوف

الرأي

أمريكا والصين وعودة الحرب الباردة

رضوان زيادة

تحضر الصين اليوم بقوة في الخطاب السياسي الأمريكي، سواء من السلطة التنفيذية (الرئيس أو وزير الخارجية)، أو السلطة التشريعية (الكونغرس)، أو حتى الإعلام، فصحيفة «واشنطن بوست» وقناة «CNN» خصصتا صفحة لمتابعة الأخبار عن الصعود التكنولوجي والاقتصادي في الصين.
تدرك الولايات المتحدة أن صعود الصين الاقتصادي أصبح مهددا بشكل كبير لهيمنة أمريكا على الساحة الدولية، سواء من حيث مواردها الدولية، أو من حيث قوتها البشرية، أو تأثيرها على الدول الصغيرة التي بدأت تلحق بركابها، تاركة الولايات المتحدة لحليفها الأوروبي الوحيد، من دون تأثير في إفريقيا أو الشرق الأوسط أو جنوب شرق آسيا.
وبتنافس البلدان الآن على التفوق الاقتصادي والتكنولوجي والجيوسياسي، وحتى الإيديولوجي على الأرض، وربما جعل خبر وصول الطيارين الصينيين الثلاثة إلى محطة الفضاء الدولية من الفضاء امتدادا طبيعيا في منافسة القوة العظمى بينهما. ونظرا إلى طبيعة الاستخدام المزدوج لتقنيات الفضاء، فإن ما هو على المحك يمتد إلى ما هو أبعد من مجرد المكانتين، العلمية والعالمية. بالإضافة إلى الدفاع الوطني، يعتمد جزء كبير من حياتنا على الأرض، من الاتصالات الرقمية إلى الملاحة، على الأقمار الصناعية في الفضاء.
بعد زوال برنامج الفضاء للاتحاد السوفياتي، تمتعت الولايات المتحدة بفترة قيادة لا مثيل لها في الفضاء. غير أن مراقبين وسياسيين أمريكيين صاروا يحذرون من أن الهيمنة الأمريكية قد تتعرض قريبا لتحدي القدرات الفضائية الصينية سريعة النمو. وقد تعمق هذا القلق مع سلسلة من الإنجازات الصينية المهمة والبارزة: في 2019، أصبحت أول دولة تهبط على الجانب البعيد من القمر. وفي 2020، نجحت في وضع القمر الصناعي «بيدو» الأخير في المدار، ما مهد الطريق لتحدي نظام تحديد المواقع العالمي في الولايات المتحدة(GPS) . وفي الشهر الماضي (ماي)، أصبحت الدولة الوحيدة بعد الولايات المتحدة التي تضع مركبة جوالة عاملة على المريخ. وقد دفع هذا الاختراق مدير وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، بيل نيلسون، إلى التحذير من «التراخي الأمريكي» في مواجهة طموحات الصين الفضائية، وذلك في جلسة استماع في الكونغرس رفع فيها صورة التقطتها المركبة الصينية على المريخ، ووصف الصين بأنها «منافسة شديدة العدوانية»، وضغط على الكونغرس لتمويل خطط «ناسا» لإعادة البشر إلى القمر، حيث أعلنت الصين أنها تخطط لإرسال طيارين إلى القمر في عام 2030.
على الرغم من التقدم الذي حققته، إلا أن تكنولوجيا الفضاء الصينية لا تزال متخلفة عن الولايات المتحدة. ولكن برنامج الفضاء الصيني مليء بالدعم السياسي من الحزب الشيوعي الحاكم الذي يعتبر نجاحه مقياسا رئيسيا لمكانة الصين، الدولية والمحلية، تماما كما أن رائد الفضاء الروسي الأول، يوري غاغارين، الذي صعد إلى الفضاء في العام 1961، كان رمزا لصعود الاتحاد السوفياتي دوليا. وقد دخلت المنافسة بين الولايات المتحدة والصين في الفضاء مرحلة جديدة، عندما وصل ثلاثة رواد فضاء صينيين إلى محطة فضاء قيد الإنشاء. المحطة الأخرى الوحيدة في المدار هي محطة الفضاء الدولية (ISS)، وهي تعاون تقوده الولايات المتحدة مع روسيا وأوروبا واليابان وكندا.
على مدى السنوات الـ23 الماضية، زار محطة الفضاء الدولية أكثر من مائتي رائد فضاء من 19 دولة، باستثناء الصين. ومنذ عام 2011، تم حظر تعاون ناسا فعليا مع الصين، بعدما أقر الكونغرس تعديلا منع «ناسا» من التعامل مع الصين، بسبب مخاوف تتعلق بالتجسس. وقد دفع هذا الاستبعاد، جزئيا على الأقل، بكين إلى بناء محطتها الفضائية الخاصة، تيانجونج، المتوقع أن تكتمل بحلول نهاية العام المقبل (قبل عامين من الموعد المقرر لإيقاف تشغيل محطة الفضاء الدولية في عام 2024). وإذا ما قررت الولايات المتحدة وشركاؤها الدوليون عدم التمديد لمحطة الفضاء الدولية، فقد تصبح محطة الفضاء الصينية قريبا المحطة الأمامية الوحيدة المأهولة في المدار، وهي التي يُمنع رواد فضاء «ناسا» من الانضمام إليها، بموجب القانون الأمريكي. وفي حين أن محطة الفضاء الدولية كانت في الأساس مشروعا أمريكيا روسيا ولد من رماد الحرب الباردة، يتم بناء تيانجونج الصينية وسط محادثات حول حرب باردة جديدة. ومن المحتمل أن التحالفات في الفضاء ستعكس، في السنوات المقبلة، بشكل متزايد، الخطوط الجيوسياسية على الأرض.
تعتمد الولايات المتحدة بشكل رئيسي على حليفها الأوروبي في بناء تحالف دولي يواجه الصين، كما فعلت مع الاتحاد السوفياتي، لكن المشكلة أن كثيرين من الحلفاء الأوروبيين يعتمدون على شراكة مع الصين، وأولهم بريطانيا وألمانيا اللتان لديهما استثمارات ضخمة في الصين، لا يمكن التضحية بها بسهولة. ولذلك هناك شكوك كبيرة في نجاح الولايات المتحدة في هذا التحالف الدولي، لكن المؤكد أنها دخلت في حرب باردة جديدة ضد الصين، حيث تسخر لها كل الموارد. وربما عليها خوضها ليس بالعقلية القديمة، وإنما بسياسات أكثر ذكاء تعيد للنموذج الأمريكي ألقه، بعدما هشمته الحروب في أفغانستان والعراق وغيرهما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى