أرسل رسول الله (ص) جنده إلى طيئ، بقيادة على بن أبى طالب، ففزع زعيمهم عدي بن حاتم الطائي، وهرب إلى الشام، وكان حينها من أشد الناس عداوة لرسول الله، وأخذ الجند الغنائم والخيل والنساء، وأسروهم، وعادوا بهم إلى رسول الله. وكان من بين الأسرى سفانة بنت حاتم الطائي، والتي وقفت بين يدي الرسول وقالت: يا محمد لقد هلك الوالد، وغاب الوافد، فإن رأيت أن تخلي عني، ولا تشمت بي أحياء العرب . فأنا أبي كان سيد قومه، يفك العاني، ويقتل الجاني، ويحفظ الجار، ويطعم الطعام، ويفرج عن المكروب، ويفشي السلام، ويعين الناس على نوائب الدهر، وما أتاه أحد، ورده خائبا قط، أنا بنت حاتم الطائي .
فقال رسول الله: والله هذه أخلاق المسلمين، لو كان أبوك مسلمًا لترحمنا عليه، وقال اتركوها، فإن أبيها كان يحب مكارم الأخلاق، وفك أسرها هي، ومن معها، إكراما لخصال أبيها، وقال صلّ الله عليه وسلم : (ارحموا عزيزا ذل، وغنيا افتقر، وعالم ضاع بين جهال).
أبطش من دَوْسَرَ
دوسر إحدى كتائب النعمان ابن المنذر ملك العرب. وكانت له خمس كتائب: الرهائن والصنائع والوضائع والأشاهب ودوسر.
فأما الرهائن فكانوا خمسمائة رجل رهائن لقبائل العرب، يقيمون على باب الملك سنة ثم يجيئ بدلهم خمسمائة أخرى، وينصرف هؤلاء إلى أحيائهم، فكان الملك يغزو بهم ويوجههم في أموره.
وأما الصنائع فبنو قيس وبنو تيم الَّلات بني ثعلبة. وكانوا خواص الملك لا يبرحون بابه. أما الوضائع فإنهم كانوا ألف رجل من الفرس يضعهم ملك الملوك بالحيرة لنجدة ملك العرب، وكانوا أيضا يمكثون سنة ويتم تغييرهم بألف مثلهم. أما فرقة الأشاهب فإخوة ملوك العرب وبنو عمه ومن يتبعهم من أعوانهم. وسموا الأشاهب لأنهم كانوا بيض الوجوه. أما الدوسر، وهم موضوع المثل، فإنها كانت أخشن الكتائب وأشدها بطشا ونكاية، وكانوا من كل قبائل العرب وأكثرهم من ربيعة، وسميت دَوْسَرَ اشتقاقا من الدَّسْر وهو الطعن بالثقل لثقل وطأتها. قال الشاعر:
ضربا دَوْسَرُ فيهم ضربة/ أثبتت أوتاد ملك فاستقر
وكان ملك العرب عند كل رأس سنة، وتحديدا في فصل الربيع، يأتيه وجوه العرب وأصحاب الرهائن، وقد صيَّر لهم أكلا عنده، وهم ذوو الآكال. فيقيمون عنده شهرا، ويأخذون آكالهم، ويبدلون رهائنهم، وينصرفون إلى أحيائهم.
أَشْأَمُ مِنْ رَغيِفِ اَلْحوْلاءِ.
قالوا: إنها كانت خَبَّازة، ومن حديثها – فيما ذكر ابن أخي عمارة بن عقيل ابن بلال بن جرير – أن هذه الخبازة كانت في بني سَعْد بن زيد مَنَاة بن تميم، فمرت بخبزها على رأسها، فتناول رجل منهم من رأسها رغيفاً، فقالت له: والله ما لك على حق، ولا اسْتَطْعَمْتَنِي، فَبِمَ أَخَذْتَ رغيفي؟ أما إنك ما أردت بما فعلتَ إلا أَبْسَ فلان، رجلٍ كانت في جواره، فثار القوم، فقُتِل بينهم ألف إنسان.
أشأَمُ مِنْ غُرَابِ الْبَيْنِ.
إنما لزِمه هذا الاسم لأن الغراب إذا بان أهلُ الدَّار للنُّجْعة وقَع في موضع بيوتهم يتلمس ويتقمم، فتشاءموا به، وتطيروا منه، إذ كان لا يعترى منازلهم إلا إذا بانوا، فسموه غراب البين، ثم كرهوا إطلاق ذلك الاسم مخافة الزجر والطيرة، وعلموا أنه نافذ البصر صافي العين، حتى قالوا: أصفى من عين الغراب، كما قالوا: أصفى من عين الديك، وسموه “الأعور” كنايةً، كما كنوا طيرةً عن الأعمى فكنوه ” أبا بصير” وكما سموا الملدوغ والمنهوس ” السليم” وكما قالوا للمَهَالك من الفيافي “المَفَاوز” وهذا كثير، ومن أجل تشاؤمهم بالغراب، اشتقوا من اسمه الغُرْبَة والاغتراب والغَرِيب، وليس في الأرض بَاوِح، ولا نَطِيح، ولا قَعِيد، ولا أَعْضَب، ولا شيء مما يتشاءمون به إلا والغُرَابُ عندهم أنكَدُ منه، ويرون أن صياحه أكثر أخباراً، وأن الزجر فيه أعمُّ، قال عنترة:
خَرق الْجَنَاح، كأنَّ لَحْيَيْ رَأْسِهِ/جَلمَاَنِ، بالأخْبَارِ هَشٌّ مُولَعُ
وقال غيره:
وصَاحَ غُرَابٌ فَوْقَ أَعْوَادِ بَانَةٍ/بأَخْبَارِ أَحْبَابِي فقسَّمَنِي الفِكْرُ
فَقلْتُ غُرَابٌ باغْتِرابٍ وَبَانَة/تبينُ النَّوَى، تِلْكَ العِيَافَةُ وَالزَّجْرُ
وَهَبَّتْ جَنُوبٌ باجْتِنَابِيَ مِنْهُمُ/وَهَاجَتْ صَباً قُلْتُ: الصَّبَابَةُ وَالْهَجْرُ
أَشْبَهُ مِنَ الماءِ بِالماءِ
قالوا: إن أول من قال ذلك أعرابي وذكر رجلا فقال: والله لولا شَوَاربه المُحِيطة بفمه ما دَعَتْه أمهُ باسمه، ولهو أشْبَه بالنساء من الماء بالماء، فذهبت مثلا.
أَشْبَقُ مِنْ حُبَّى
هي امرأة مَدَنية، كانت مِزْوَاجاً، فتزوجت على كبر سنها فَتًى يقال له ابن أم كلاب، فقام ابن لها كهل فمشى إلى مروان ابن الحكَمِ وهو والي المدينة، وقال: إن أمي السفيهة على كبر سنها وسِنِّي تزوجت شابّاً مُقْتَبِلَ السِّنِّ فصيرتني ونفسَهَا حديثاً، فاستحضرها مروان وابنها، فلم تكترث لقوله، ولكنها التفتت إلى ابنها وقالت: يا برذعة الحمار، أما رأيت ذلك الشاب المَقْدُود العَنَطْنَطَ، فليشفيَنَّ غَليلَهَا ولتخرجَنَّ نفسُها دونه، ولودِدْتُ أنه ضَبٌّ وأني ضُبَيْبَتُه، وقد وجدنا خَلاَء، فانتشر هذا الكلام عنها، فضُربت بها الأمثال، فمن ضرب في الشعر المثل بها هُدْبَة بن الْخَشْرَم العذري قال:
فَمَا وَجَدَتْ وَجْدِي بها أمُّ وَاحِدٍ/وَلا وَجْدُ حُبَّى بابن أمِّ كِلاَبِ
رَأَتْهُ طَوِيلَ الساعِدَيْنِ عَنَطْنَطاً/كَمَا انْبَعَثَتْ مِنْ قُوَّةٍ وَشَبَابِ
أَشْكَرُ مِنْ كَلْبٍ
قال محمد بن حرب: دخلتُ على العتَّابي بالمخرَّم، فرأيته على حصير، وبين يديه شراب في إناء، وكلبٌ رابِضٌ بالفِناء يشرب كأسا ويُولِغه أخرى، قال: فقلت له: ما أردت بما اخترت؟ فقال: اسمع، إنه يكفّ عني أذاه، ويكفيني أذى سواه، ويشكر قليلي، ويحفظ مَبيتي ومَقيلي، فهو من بين الحيوان خليلي، قال ابن حرب: فتمنيت والله أن أكون كلبا له لأحُوزَ هذا النعت منه.
أشأمُ مِنَ الزُّمَّاحِ
هذا مثل من أمثال أهل المدينة، والزمَّاح: طائر عظيم، زعموا أنه كان يقع على دور بني خَطْمة من الأوس ثم في بني معاوية كل عام أيام التمر والثمر، فيصيب طعما من مَرَابدهم، ولا يتعرض أحد له، فإذا استوفى حاجَتَه طار ولم يَعْدُ إلى العام المقبل، وقيل: إنه كان يقع على آطام يثرب، ويقول: خرّب خرّب، فجاء كعادته عاما فرماه رجل منهم بسهم فقتله ثم قسم لحمه في الجيران، فما امتنع أحدٌ من أخذه إلا رفاعة بن مرار، فإنه قبض يده ويدَ أهله عنه فلم يَحِلُ الحولُ على أحد ممن أصاب من ذلك اللحم حتى مات، وأما بنو معاويةُ فهلكوا جميعاً حتى لم يبق منهم دَيَّار، قال قيس بن الخَطيم الأوسي:
أعَلَى العَهْدِ أصْبَحَتْ أمُّ عَمْرٍو/لَيْتَ شِعْرِي أمْ عَاقَهَا الزُّمَّاحُ.
الصَّبِيُّ أَعْلَمُ بمَضْغِ فِيهِ
يضرب لمن يُشَار عليه بأمر هو أعلم بأنَّ الصوابَ في خلافه. وروى أبو عبيدة بمصغى فيه – بالصاد غير معجمة – من صَغِىَ يَصْغَى إذا مال، أي يعلم كيف يميل بلقمته إلى فيه، كماقيل: أهْدَى من اليد إلى الفم، وروى أبو زيد “الصبي أعلم بمَضْغَى خده” أي يعلم إلى من يميل ويذهب إلى حيث ينفعه، فهو أعلم به وبمن يشفق عليه.
أَلْأَم مِن أسلم
هو أسلم بن زرعة جبا أهل خراسان جباية لم يجبها أحد، ثمَّ بلغه أنَّ الفُرْس كانت تضع في فم الميِّت درهمًا، فنبش القبور واستخرج الدَّراهم.