هذا المثل من أمثال أهل مكة في القرن الأول للإسلام. وذو العمامة هو سعيد ابن العاص ابن أمية، وكان في الجاهلية إذا لبس عمامة لا يبلس قرشي عمامة على لونها، وإذا خرج لم تبق امرأة إلا وخرجت للنظر إلى جماله، ولما أفضت الخلافة إلى عبد الملك ابن مروان خطب بنت سعيد هذا إلى أخيها عمرو ابن سعيد الأشدق، فأجابه عمرو بقوله:
فتاة أبوها ذو العمامة/وابنه أخوها فما أكفاؤها بكثير
وزعم بعض أصحاب المعاني أن هذا اللقب إنما لزم سعيد ابن العاص كناية عن السيادة، وذلك لأن العرب تقول : «فلان مُعَمَّم» ويريدون أن كل جناية يجنيها الجاني من تلك القبيلة أو العشيرة فهي معصوبة برأسه. فإلى هذا المعنى ذهبوا في تسميتهم سعيد ابن العاص: ذا العمامة وذا العصابة.
أجود من هَرِمٍ
هو هَرِم ابن سنان ابن حارثة المري وقد صار بذكر جوده المثل. قال زهير ابن أي سلمي يمدحه:
إن البخيل ملوم حيث كان/ولكن الجواد على عِلّاته هَرمُ
هو الجواد الذي يعطيك نائله/ عفوا ويُظلم أحيانا فيظَّلم
ووفدت ابنة هرم على عمر ابن الخطاب، فقال ما كان الذي أعطى أبوك زهيرا حتى قابله من المديح بما قد سار فيه؟ فقالت: أعطاه خيلا تُنْضى، وإبلا تَتْوى، وثيابا تبلى، ومالا يفنى. فقال عمر لكن ما أعطاكم زهيرا لا يبليه الدهر ولا يفنيه العصر. ويروى أنها قالت ما أعطاه زهيرا قد نسي. فقال عمر :لكن ما أعطاكم زهيرا لا ينسى.
أَبْرَماً وقَرُوناً
البَرَمُ هو الذي لا يدخل مع القوم لبخله. أو الذي لا يدخل في الميسر وهو موسر لبخله، والقَرون هو الذي يقرن بين شيئين. ويضرب المثل لمن يدمع بين هاتين الخصلتين المكروهتين. وأصله أن امرأة أحد الأبرام استطعمت من بيوت الأيسار فرجعت بقدر فيه قطع لحم، فوضعتها بين يديه وجمعت عليه الأولاد. فأقبل يأكل قطعتين قطعتين. فقالت ذلك.
أحمق من أبي غبشان
قال الأصفهاني في كتاب أفعل: «وما قولهم: «أحمق من أبي غبشان» فإنه رجل من خزاعة. ومن حديثه أن خزاعة كانت لها سدانة البيت قبل قريش، وكان أبو غبشان يلي ذلك، فاتفق عليه أن اجتمع مع قصي بن كلاب في شرب بالطائف، فخدعه قصي عن مفاتيح الكعبة بأن أسكره، ثم اشترى المفاتيح منه بزق خمر وأشهد عليه، ودفع المفاتيح لابنه عبد الدار بن قصي، وطيره إلى مكة، فلما أشرف عبد الدار على دور مكة رفع عقيرته، وقال: معاشر قريش، هذه مفاتيح بيت أبيكم إسماعيل، قد ردها الله عليكم من غير غدر ولا ظلم، فأفاق أبو غبشان من سكرته أنجم من الكسعي، فقال الناس: «أحمق من أبي غبشان» و«أندم من أبي غبشان» و«أخسر صفقة من صفقة أبي غبشان».
وأكثر الشعراء القول في ذلك، فقال بعضهم:
باعت خزاعة بيت الله إذ سكرت/بزق خمر فبئست صفقة البادي
باعت سدانتها بالنزر وانصرفت/عن المقام وظل البيت والنادي
وقال آخر:
إذا افتخرت خزاعة في قديم/وجدنا فخرها شرب الخمور
وبيعا كعبة الرحمن حمقاً/بزق بئس مفتخر الفخور.
ومن كتاب مروج الذهب: «إن قصي بن كلاب كان قد تزوج في خزاعة، فجعل أبو زوجته ولاية البيت لها، فجعلته لأبي غبشان الخزاعي، فباعه إلى قصي ببعير وزق خمر». قال البيهقي: وجمع قصي أشتات قريش، وظهر على خزاعة، وأخرجها من مكة إلى بطن مر، فسكنت هنالك إلى جهات المدينة، ثم أخنى عليها الذي أخنى على لبد، وتفرقت في البلاد.
أشأَم من عِطْر مَنْشِم
منشم بنت عامر، امرأة ثعلبة بن الأعرج الغنوي، قاتل أحد وجهاء العرب وهو شاس بن زهير بن جذيمة العبسي، وبسبب قتله نشبت الحرب بين هوازن وغطفان. وذلك أن شاس بن زهير مر على ثعلبة هذا بينما كان متجها للملك نعمان ابن المنذر. ومضى شاس يركض راحلته وهي موقرة هدايا، فاستدبره ثعلبة، وهو لا يعرفه، فشتم معه رائحة المِسك، فسعى خلفه حتى أدركه، ثم رماه بسهم، فصرعه عن راحلته، فلما نظر في وجهه عرفه، فندم على قتله، ثم قام فحفر له ودفنه وأخفى مكانه، وأخذ راحلته فنحاها عن الطريق ثم نحرها وأخذ من لحمها ما استطاع وأخذ ما عليها.
وكان مع شاس غلامان له قد تقدما إلى أهله، فأعلماهم بقدومه، فلما أبطأ على أهله سار زهير ومن معه إلى الموضع يطلبونه قصصا حتى وجدوه مدفوناً فحملوه إلى أهله فكفنوه وعقروا عليه، وبكاه الرجال والنساء، ولم يدر أحد من قتله.
ثم أن زهيراً عمد إلى راحلة له فنحرها، وملأ منها جرابين كبيرين شحماً ولحماً، ثم دعا جارية له يقال لها سلامة، دهية أريبة، فقال لها: خذي هذين الجرابين فاذهبي في قبائل ذبيان وبني غنى وبني عامر، واعرضي ما فيهما على النساء بالمسك والعنبر، وكان ذلك في سنة مجاعة أصابتهم.
فمرت سلامة تعرض على نسائهم ما معها، فلم تجد من ذلك شيئاً، حتى مرت بمنشم بنت عامر زوجة ثعلبة بن الأعرج، قاتل شاس بن زهير، وهي يومئذ حاملة مضطرة، فأعلمتها أنها تطلب مسكاً أو عنبراً لبنت لها تريد أن تزفها إلى زوجها؛ فقالت لها منشم: عندي قضاء حاجتك، إن كتمت عني؛ قالت الجارية: لست مظهرة لك سراً، فأخرجت لها منشم حاجتها وما تطلب؛ فلما نظرت سلامة إلى ذلك، قالت لها: من أين لك هذا المتاع الرفيع، ولا يكون إلا عند الملوك؟ فأعلمتها منشم بقصة زوجها وقصة شاس؛ فرجعت سلامة إلى مولاها زهير بن جذيمة، فأخبرته الخبر، فقال زهير:
أتتني سلامة بعد الضحى/تهتك لي الستر من منشم
فلست لشاسٍ إذاً والداً/ولا من جذيمة الأكرم
إذا لم أقم لغني العدا/مقام امرئ ثائرٍ بالدم
وقال زهير بن أبي سلمى:
تداركتما عبساً وذبيان بعدما/تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم
فلما تبين لزهير قاتل ولده، قال لبني غنى ونبي عامر: هلم إلى النصفة قبل الحرب؛ فقالوا: نحن نحكمك يا أبا شاس؛ فقال لهم زهير: إني مخيركم إحدى ثلاث، قالوا: وما هن يا أبا شاس؟ اجعل لنا في الثالثة مخرجاً!! قال إما أن تردوا شاساً حياً، وإما أن تملأوا لي ثوبي هذا من نجوم السماء، وإما أن تأتوني بغنى كلها، رجالها ونسائها، فإن شئت قتلت، وإن شئت صفحت!!.
فقالوا: لا نقدر على واحدة منها، لا نقدر على إحياء الموتى، ولا على نجوم السماء، وأما بنو غنى فإنهم أحرار لا ينقادون لأحد ولا يهدرون نفوسهم في جريرة غيرهم، ولكن يا أبا قيس نعطيك خيراً مما تطلبه، وندفع إليك قاتل ولدك تحكم فيه بحكمك، وندفع إليك بعد ذلك عشر ديات حتى نرضيك؛ فقال زهير: ما كان شاس بحزور فآكل ثمنه، ولا قاتله مثله، فأقتله به، واستكبر؛ حتى هاجت الحرب بين هوازن وغطفان بسبب ذلك، وإنما دخلت هوازن مع بني غنى لأنهم كانوا حلفاً، فقتل زهير في تلك الحرب، قتله خالد بن كلاب، وقتل ثعلبة بن الأعرج وغيرهما كثير.