شوف تشوف

الرأي

أما الطبول فتطفو على جلدها زبدا

ما حدث في الصحافة الفرنسية يعتبر زلزالا حقيقيا، سيحتاج لأجيال لكي يتم نسيانه أو تصحيحه، فهذه الصحافة المتجبرة، والتي مارست طوال عقود طويلة عنجهية واستعلاء واضحين تجاه كل زعماء العالم الثالث، ولاسيما في المستعمرات الفرنسية، حيث لم يكن فيها المقال الصحفي والتحقيق والخبر مجرد عمل مهني تقتضيه «واجبات» الدفاع عن حقوق الإنسان، كما كان يدعي كل الذين نصبوا أنفسهم عرابين يوزعون صكوك الغفران، بل كانت ثقافة الابتزاز والارتشاء وشراء الصمت أو شراء «الصراخ» ثقافة راسخة في هذه الصحافة.
فالحكاية هنا لا تحتاج إلى أدلة كثيرة على أن شيئا عندنا تغير، شيئا جديدا في النظام المغربي جعله موضع غضب من طرف أشخاص كانوا دوما ضيوفا فوق العادة عندنا في الثمانينات والتسعينات، فما الذي حدث تحديدا، وجعل النظام المغربي في حل من «شعراء البلاط القدامى» من كتاب «صاحبة الجلالة» الفرنسيين؟
أي لماذا لم يعد النظام المغربي الآن في حاجة لمن يمدحه؟ ولماذا لم يعد يخاف من انتقادات سماسرة النشر في الحي اللاتيني بباريس؟
فالكاتب الصحفي الذي كتب «ذاكرة ملك»، وهي تمجيد واضح للملك الراحل الحسن الثاني، في وقت كانت فيه السجون تنأى بالمعارضين الذي يؤخذون ويعذبون بالظن والنية قبل الفعل، حقق ثروة حقيقية بسبب ملايين النسخ التي طبعت من الكتاب ووزعت بشكل إجباري على مختلف المؤسسات العامة بالمغرب وخارجه، هو نفسه الذي قرر أن يستغل صورة أنه كان مقربا من القصر في السبعينات والثمانينات ليبتز وارثه، معتقدا بأن ادعاءه هذا كفيل بجعل الملك يعيد تجربة الزعماء الأفارقة القدامى، والذين كانوا يخشون أقلام صحافة الرصيف الفرنسي أكثر مما يخشون رشاشات المعارضين المتربصين بهم. فكتب كتاب «الملك المفترس»، وهو كتاب يعرف الجميع أنه لا يتضمن أي جديد يستحق صفة التحقيق الصحفي أو صفة المعطيات الحصرية كما يدعي صاحبه، بل الكتاب كله خبر آحاد كما يقول الفقهاء، لأنه مبني بالكامل على روايات أشخاص فقدوا الامتيازات التي كانت لهم، فقرر هذا «الكاري حنكو» أن يغير البوصلة لمن يدفع أكثر.
ردة فعل المؤسسة الملكية، بعد ظهور كتاب «الملك المفترس»، أثبتت بالدليل الملموس أن تغيرات كثيرة حدثت، تغيرات في الأفكار والتقاليد القديمة، أي تغيرات تثبت فعلا أن الخطوات المتخذة على مختلف الأصعدة، آخرها التغيرات المرتقبة على مستوى الجهوية الموسعة، تعد ثورة حقيقية على مفهوم المخزن القديم.
فقياسا إلى الجلبة الداخلية التي أحدثها كتاب «صديقي الملك»، فالذين يتذكرون هذه اللحظة من حكم الملك الحسن الثاني، وكيف أن الكتاب منع تماما من تداوله ودخوله إلى المغرب، أي أن الشعب لم يقرأه اللهم إلا بضعة محظوظين حصلوا على الكتاب من خلال زيارتهم للديار الفرنسية. ومع ذلك خرج الجميع إلى الشوارع للاحتجاج على الكتاب، والتوقيع على عوارض الاحتجاج موجهة للسفارة الفرنسية.. أي أن النظام آنذاك فرض على الشعب أن يحتج على كتاب لم يقرأه. لكن الآن نحن إزاء مؤسسة ملكية فهمت جيدا أنها في عالم جديد حيث المعلومة متاحة للجميع. وإلا هل تم حجب المواقع الإلكترونية المغربية التي نشرت الكتاب كاملا ساعة صدوره؟
إن الدرس هنا واضح، فالمؤسسة الملكية تغيرت كثيرا، فهي لم تعد تقبل ابتزاز وتملق مرتزقة الصحافة الفرنسية، كما فهمت أن مصداقيتها التي بنتها من خلال احتضانها الفعلي والمستمر لقضايا الشعب، هي ما ينفع ويدوم ويترسخ، أما بضع كلمات مكتوبة زورا وبهتانا من طرف صحافة الاستعلاء الفاسدة، فتطفو على جلدها زبدا، لأن ما أقنع ويقنع المغاربة بوحدة مصيرهم مع مؤسستهم الملكية أكبر من أن تمسه الطبول التي تطفو على جلدها زبدا.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى