حسن البصري
كيف كان رد فعل المسؤول الأمني للبوليساريو بعد أن انكشف أمرك؟
في اللحظة التي كنت فيها تحت الصدمة، بعد انكشاف أمري بالدليل والبرهان، كان مبارك يقرأ تقاسيم وجهي ورد فعلي دون أن أنتبه، لأنني ارتبكت من هول المفاجأة. ساد الصمت بيننا، كنت أفكر في ما سأقوله دفاعا عن موقفي، وقررت أن أكشف المستور وأعترف بدواعي كتابة سطور الألم. عزمت على البوح بالحقيقة وأقول له إن ظلمكم هو الدافع لكتابة أهوال سجونكم. فطن إلى تأخري في قراءة سطور الرسالة، ثم أخذ الورقة وأعادها إلى الظرف، ثم طلب مني الانسحاب. أيقن المحقق ومعه حكام البوليساريو أنني وراء تسريب خبايا صادمة عن حياة الأسرى، حين انفلتت سيرتي ويومياتي في المعتقلات من بين الحراس، ووصل صداها إلى المجتمع الدولي. كانت صدمة قوية للسجانين، لكني تسلحت بما يكفي من الشجاعة لمواجهة رد الفعل.
كيف تحولت جمعية «فرنسا/ الحريات» من داعم للبوليساريو إلى مساند للطرح المغربي؟
ليس إلى هذا الحد، لكن حين اقتربت من موفدي الجمعية، التي كانت ترأسها دانيال ميتران، تم فهم قضيتنا بشكل جيد. ذات يوم حلت لجنة لتقصي الحقائق تابعة لجمعية «فرنسا/الحريات»، ومن حسن الحظ أن مندوبتي الجمعية انفتحتا علينا بعد أن قدمهما لنا مسؤول أمني، ويتعلق الأمر بأولين دي بويسان، الناطقة الرسمية باسم الجمعية وعفيفة كرموس، تونسية الأصل، فرنسية الجنسية، وهي رئيسة بعثة التحقيق. حين كشفت لهما عن وجود مدنيين ضمن الأسرى ساد القلق في صفوف جمعية «فرنسا/الحريات» التي قضت أسبوعا كاملا في الرابوني، غير أن عددا كبيرا من السجناء رفضوا إعطاء تصريحات لمندوبي الجمعية، لسببين: أولا الخوف من عقاب البوليساريو ولحظات العذاب التي قد تتلو الاستجواب، وثانيا لعدم ثقة الأسرى المغاربة في هذه الجمعية التي كانت، في بداية الأمر، مغضوبا عنها من طرف المغاربة. كانت لي الجرأة لأقول هذا الكلام لموفدتي الجمعية، لكن صديقي التطواني وافق على تقديم تصريح والرد على أسئلة مبعوثتي الجمعية، بينما المدنيون الرافضون كانوا أمام خيار التصريح المسجل أو الشفوي. حينها بكت الناطقة الرسمية من فظاعة الأسر والتعذيب ووعدت بأن توصل حقيقتهم إلى الرأي العام الدولي، وسلمت عفيفة وأولين مستندات مهمة، خاصة اللائحة التي نشرت في ما بعد ضمن تقرير الجمعية سنة 2003 وبها أرقام مرعبة. قلت لهما إنه لو قامت الأمم المتحدة بعملية تمشيط وفحص لباطن التراب الجزائري، حيث معاقل البوليساريو، لعثرت على الآلاف من الجثث، ولو حاول الجزائريون ومعهم البوليساريو إخفاء الجثث، لن يستطيعوا بحكم جهلهم لأماكنها وبحكم أن عمليات الدفن كانت عشوائية.
إذن ستغير دانيال موقفها؟
البوليساريو كان يثق ثقة عمياء في جمعية دانيال والمغرب كان قلقا من مواقفها، خاصة بعد أن قدمت مساعدات مادية ومعنوية مهمة لخصوم وحدتنا الترابية. في ماي 2003، كان لي أول لقاء مع موفدتي الجمعية، تحدثت لهما عن محنة بحارة وفلاحين ومستخدمين وعزل ورعاة وجدوا أنفسهم في الأسر، قلت لهما إن 14 مدنيا تم اعتقالهم وتعذيبهم دون أن يكونوا موضع نزاع عسكري. وشرحت لهما موقف المعتقلين المغاربة من ميتران وجمعيتها الموالية للطرح الانفصالي. قلت لهما بالحرف: «إن جمعيتكما تفتقد للمصداقية»، وطلبت منهما نقل شهادتي وشهادة صديقي الذي اعتقل معي لمسؤولي الجمعية. حينها انخرطت دي بويسان في نوبة بكاء، ومنذ تلك اللحظة أصبحت المنظمات الإنسانية عبئا على البوليساريو. زارت دانيال ميتران مخيمات البوليساريو بصفتها رئيسة لمنظمة «حريات–فرنسا»، ولأنها صدقت رواية الجزائريين، فقد أعرض عنها المغاربة المعتقلون، لكن الحمد لله كسبنا الرهان وجعلنا ميتران تفهم حقيقة الوضع بعد أن تم تغليطها من طرف الجزائريين والبوليساريو.
كيف أصبحت المنظمات الإنسانية عبئا على البوليساريو؟
كانت البداية مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وهي منظمة غير متحيزة ومحايدة ومستقلة، تؤدي مهمة إنسانية بحتة تتمثل في حماية أرواح وكرامة ضحايا الحرب والعنف الداخلي وتقديم المساعدة لهم. كشفنا لها عبر أطبائها أننا لسنا ضحايا حرب وأن لا علاقة لنا بالمعارك، وأننا ضحايا حرب عصابات. واستمر النضال مع جمعية «فرنسا/الحريات»، ولكن ما أن أصدرت ميتران تقريرها الأسود عن البوليساريو وكشفت حقيقة الاعتداءات الجسيمة، حتى سقط القناع عن وجوه البوليساريو.
هل اتهمت بتسريب وثائق لجمعية ميتران؟
حين صدر التقرير الأسود، استدعاني الجلاد ولد مبارك إلى مكتبه، وسألني عن المغاربة الذين ماتوا في السجن ومكان دفنهم، وهو يعلم أن اللائحة وردت في فقرة ضمن التقرير، وسألني عن خريطة المدافن، فقلت له إن معرفتي قليلة بهذا الموضوع، وشرعت في تذكر من ماتوا وأوضحت له أن المقبرة بعيدة عن السجن والمراقبة ولا يمكن أن أضع لها خريطة، قبل أن يقدم لي سؤالا مباشرا فيه نبرة تهكم: «طبعا لست أنت من زود جمعية «فرنسا/الحريات» بلائحة المفقودين»؟