شوف تشوف

الرئيسيةثقافة وفن

ألح والدي على أن أصبح محاسبا بشركة لضمان مستقلي فكان نصيبي تقاعد لا يزيد عن 900 درهم شهريا

مانسيناكش إدريس كريمي «عمي ادريس» (فنان الأجيال):

حسن البصري

من هو عمي ادريس؟

اسمي المدون في الوثائق الرسمية هو إدريس كريمي، من مواليد سنة 1945 في مستشفى الصوفي بالدار البيضاء. عشت جزءا من طفولتي في روش نوار، وفترة المراهقة بدرب الكبير والشباب في درب ميلان، في هذا الحي تزوجت وأنجبت أربعة أبناء، لأنتقل إلى مسكن في شارع غاندي، كان آخر محطة في تنقلاتي، ثم رحلت إلى طنجة بعد أن قررت مغادرة المدينة التي تحمل الجزء الأكبر من حياتي.

 

ما الحي الذي عشت فيه فترة طويلة؟

هو حي درب ميلان، هناك كان والدي يملك مقهى في الزنقة رقم 7، وكان أخي يشرف عليها. هناك درست وتعرفت على رفاق سيكون لهم تأثير على مساري الفني.

 

اشتغلت في مجال المحاسبة لكن الفن سيجرفك بعيدا عن عالم الأرقام، كيف حدث ذلك؟

مارست التدريس، كنت معلما للغتين العربية والفرنسية في نهاية الستينات، وفي بداية السبعينات جمعت بين مسرح الهواة والمسرح الغنائي للطفل. جمعت بين الفن والدراسة وحصلت على أربع شواهد في المحاسبة، اشتغلت مدة 16 سنة في هذا المجال الذي لا يتطلب إبداعا. كان والدي وأخي ميلود يلحان علي كي أشتغل في شركة أو في مؤسسة تابعة للقطاع العام، كانا يطلبان مني الاهتمام أكثر بمستقبلي الأسري وضمان تقاعد وراتب شهري مضمون. بعد 16 سنة من العمل في مجال المحاسبة وما يتطلبه من تركيز ومواظبة، سأحصل على التقاعد ويكون من نصيبي راتب شهري قدره 900 درهم. كيف ستؤمن مستقبل أبنائك وتطعمهم بهذا الراتب الهزيل؟

 

لكن الفن مارس عليك جاذبيته..

عشقي للفن جعلني أبحث عن منفذ لعالم الإبداع، لقد بدأت ممارسة الفن منذ سنة 1958 كطفل منشط في برنامج إذاعي للأطفال يحمل اسم «باحمدون» للأستاذ إدريس العلام، ثم كانت لي إطلالة في التلفزيون في بداية البث. لكن، في طفولتي، سأتعرف على صديقين لهما ميولاتهما للمسرح الغنائي «الأوبريت» القادم من مصر لأن هذا البلد هو أصل هذا النوع من الفن. هنا نستحضر الفنان شوكوكو.

 

أغنية «عمي ادريس صديق أنيس» تحولت من «جنيريك» برنامج خاص بالأطفال إلى «نوستالجيا» خالدة، ما شعورك وأنت تعيد سماع هذه الأغنية؟

للأمانة الأدبية، كتب هذه الأغنية نور الدين محقق وتم تلحينها سنة 1976 من طرف الجيلالي مكاوي، وأداها أطفال من عائلات مختلفة كانوا يقطنون خلال تلك الفترة في درب بوشنتوف بالدار البيضاء، أمثال عائلة القادري ومنجي، ورفيق والصفريوي وغيرها من العائلات. تقريبا أزيد من ستين طفلا شاركوا في هذا العمل الذي، بالرغم من بساطته، اخترق وجدان الناس، وهؤلاء الأطفال كلهم غدوا كبارا ولهم أبناء. اليوم، وبالرغم من السنوات التي مرت، أنا فخور لأن كل من يلتقي بي ويتعرف علي يردد على مسامعي مقطعا من هذا «الجنيريك» الخالد الراسخ في أذهان جيلي السبعينات والثمانينات.

 

كيف جاءت فكرة برنامج «عمي ادريس»؟

لست الوحيد الذي أنجز العمل الخالد «عمي ادريس»، أي أنه لم يكن منتوجا فرديا، بل ساهمت فيه طاقات واعدة أمثال الملحن أحمد العماري، الذي تعاونت معه في 13 أغنية، والأستاذ مكاوي، كما ساندني الأطفال وأذكر هنا عائلة رفيق، بمن فيهم حبيبة وعبد لله وعمر وزكريا والصغيرة كوثر التي أنجزت معي 33 حلقة. كنا نتمرن في دار الشباب بوشنتوف بدرب السلطان، وبعد انتهاء التمارين كنت أحمل الأطفال في سيارتي ليلا وأطوف بهم الحي لأسلمهم لعائلاتهم. من الطرائف التي حصلت لي أن أحد الآباء التقى بي والتمس مني إشراك ابنه في التداريب الخاصة بهذا العمل، وعلى الفور وافقت على ملتمسه، خاصة بعد أن أكد لي أن ابنه شغوف بالفن. التحق بنا الطفل وشاركنا التداريب وحين عدت به ليلا إلى بيت أسرته فتح والده النافذة وقال لي: «سي ادريس ما تبقاش تاخد ولدي معاك»، أي أنه وضع حدا لأحلام هذا الطفل، والمشكل لا يتوقف عند قرار أبوي لا يقبل النقاش، بل إن هذا الولد كان قد بدأ معنا التصوير، فكيف سنعوضه بطفل آخر؟ هنا تكمن خطورة القرار الأبوي. وهنا لا بد أن أتوقف لأحيي الشباب واليافعين الذين كانوا يعودون إلى بيوتهم من عين الشق، مقر الإذاعة، مشيا على الأقدام بعد منتصف الليل، وأشكر عائلاتهم التي ساهمت في إنجاز هذا العمل.

 

إلى جانب تضحيات الأطفال وعائلاتهم، هل كانت هناك تضحيات من الأطر التقنية والإدارية لمحطة عين الشق؟

كان التطوع يدفعهم لتجاوز دوامهم اليومي وساعات عملهم، كان الإخوة التقنيون يسهرون إلى جانبي لأوقات متأخرة من الليل قصد إنجاز الأعمال الفنية. لم يسبق لهم أن طالبوا بتعويض أو رشوة. هنا لابد من الوقوف للترحم على من وافتهم المنية على غرار محمد الولاد، تقني الكاميرا، وعبد الرحمان بن حدو تقني الصوت، وادريس البطيلي منفذ الإخراج، والبشير الفاسي، وأنا أحيي عطاءهم وأرواحهم وأدعو لهم بالرحمة والمغفرة. طبعا لا يمكن أن أنكر مساهمة مدير محطة عين الشق، واكريم، الذي عبأ جميع التقنيين لدعمي، وضمنهم ناصر لهوير وعمر بلقايد وعبد الحق وادان والشوري وعبد اللطيف بن شقرون ونور الدين الصايل حين كان مديرا. وهو أول مدير يمنحني تسبيقا ماليا في وقت كنت أؤمن حاجات العمل بالقروض.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى