يونس جنوحي
المباراة التي سوف تجمعنا مساء اليوم بالمنتخب الفرنسي ليست مجرد مباراة في كرة القدم. رغم أن الخبراء يوصون، في إطار الوصفات السحرية للفوز، بعدم تحميل مباراة كرة القدم أكثر من حجمها، لكن الأمر يتعلق الآن بإنجاز تاريخي ومباراة مصيرية توصلنا إلى نهائي أهم حدث رياضي في الكرة الأرضية.
فرنسا تبقى دائما ذلك البلد الذي كان أقرب إلى المغرب من أي بلد أجنبي آخر. بحكم الروابط التاريخية والأحداث، بكل ألوانها. لكن هل الفرنسيون هم أكثر من يفهم المغاربة؟ بالتأكيد لا.
علاقتنا بفرنسا متداخلة. أعضاء الحركة الوطنية المثقفون الأوائل الذين خاضوا حربا دبلوماسية وسياسية ضد الحماية الفرنسية، سبق لهم أن درسوا بفرنسا وحصلوا على أعلى الشهادات الجامعية في فرنسا وعادوا إلى المغرب لكي يطالبوا بحل معاهدة الحماية والاعتراف باستقلال المغرب. كانوا يلبسون البذلة العصرية ويأكلون على الطريقة الفرنسية وأغلبهم تزوجوا فرنسيات ولا يُخفون إعجابهم بالذوق والثقافة الفرنسيتين. لكنهم يضعون كل هذا جانبا عندما يتعلق الأمر باتخاذ المواقف الوطنية ويطالبون فرنسا بالرحيل، وأغلبهم دفعوا ثمن تلك المواقف في المنافي والسجون.
هناك اليوم مغاربة يعيشون في المغرب، لم يسبق لهم العيش في فرنسا، وليست لديهم أي قرابات دموية مع فرنسيين، ورغم ذلك يصرون على دفع أكثر من نصف رواتبهم الشهرية للمدارس الفرنسية، ويرفضون أن يتحدث معهم أبناؤهم باللغة العربية فوق مائدة الطعام، ويلقنونهم منذ طفولتهم أن العربية أو «الدارجة» لغة للحديث مع الخادمة ونادل المقهى أو السائق.
هؤلاء سوف يعانون كثيرا في هذه المباراة، إذ أنهم حتى لو أرادوا تشجيع المنتخب المغربي، مثل بقية المغاربة في الداخل والخارج، فإنهم سوف يفرحون بالفرنسية. هذا كله من تبعات الاستعمار، فحتى هؤلاء المغاربة الذين يعيشون «الاستيلاب»، يعبرون على حبهم للمنتخب المغربي بطريقتهم. بل هناك فرنسيون سوف يشجعون المنتخب المغربي إكراما للأيام التي قضوها بين المغاربة. وهذا أمر لا غبار عليه ولن يكلف التأكد منه سوف كبسة زر في «تويتر».
أشهر كوميدي في فرنسا، مغربي. وأشهر لاعبي كرة القدم الفرنسيين ليسوا فرنسيين رغم أنهم يحملون الجنسية الفرنسية، إلا أنهم وُلدوا في فرنسا لأبوين ليسوا فرنسيين، ولم يندمجوا نهائيا في فرنسا وظل الفرنسيون ينظرون إليهم على أنهم مهاجرون ولا تليق بهم إلا المهن المتواضعة، إلى أن فاجؤوهم ذات يوم بقبول أبنائهم في صفوف المنتخب الفرنسي.
إن فرنسا تدفع اليوم ضريبة سياستها الاستعمارية لدول شمال إفريقيا. اليمين الفرنسي يعتبر المنتخب الوطني للبلاد «هجينا». والحداثيون في فرنسا يعتبرون أن الفرنسي يبقى فرنسيا ما دام يدفع الضرائب، أما لون بشرته أمر يخصه. لكن في عمق كل فرنسي هناك إدراك كبير بأن فرنسا لم تعد أبدا كما كانت في السابق. المهاجرون عادوا ليستردوا «ما سرقته فرنسا من أجدادهم قبل قرنين». هذا ما يردده الآن الجيل الثاني والثالث من المهاجرين القادمين من القارة الإفريقية إلى فرنسا.
مباراة اليوم تبقى أكبر من مباراة. إذ أن الغيوم التي تراكمت في سماء العلاقات الدبلوماسية المغربية بدأت تتبدد، وكيف ما كانت نتيجة المباراة، لا بد أن يعود الدفء إلى خطوط الهاتف بين باريس والرباط.
عندما يمر المنتخب المغربي إلى نهائي كأس العالم، وهو أمر ممكن عاطفيا ورياضيا وعمليا وحتى بلغة الأرقام، سوف نكون قد تخطينا عقدا كثيرة تراكمت لدينا طوال السنين التي كنا نكتفي خلالها بالخروج من الدور الأول في أحسن الحالات التي تأهلنا فيها إلى المنافسات.
أما إذا لم يُكتب لنا أن نقفز من المربع الذهبي، فيكفينا شرفا أننا لفتنا نظر العالم أجمع إلينا، لكي يعلم الجميع أن المغربي يستطيع أن يُسقط من اعتبروا أنفسهم أسياد الملاعب لقرن كامل من الزمن، ويجعلهم يتذوقون مرارة العشب الأخضر، ربما لأول مرة في حياتهم.