أقوى معارض للنظام رفض من جنيف كرسي رئيس الجمهورية الجزائرية
يونس جنوحي
عندما كان الرئيس السابق للجزائر، الشاذلي بن جديد، يقرأ نص الاستقالة من منصب رئيس الجمهورية، كان المواطنون يشاهدونه على شاشة القناة الرسمية التي طالما نقلت أنشطته الرسمية واجتماعاته مع قادة الجيش..، لكنه هذه المرة بدا ضعيفا بشكل غير مسبوق، وكان وحيدا فوق المكتب، بالكاد يقوى على النظر إلى الكاميرا أمامه، مركزا بصره في أغلب الوقت على بياض الورقة حيث الكلمات التي أجبر على قراءتها على الهواء.
زوبعة..
لم تكن هذه المرة زوبعة في فنجان، بل كانت زوبعة في قلب قاعات الإدارات الكبرى للبلاد. إلى درجة أن الاستخبارات وضعت لائحة بأسماء الموالين المحتملين للرئيس الشاذلي أو الذين سبق له التوصية خلال وجوده في القصر الرئاسي، بتشغيلهم في الوظيفة العمومية. وتم إعفاؤهم أو حرمانهم من الترقية التي منحت لهم في عهد بن جديد.
أما رجال الأعمال الذين حظوا بدعمه، فإن أول ما قام به الجنرالات هو إرسال لجان التحقق إلى شركاتهم، ومراجعة الضرائب التي في ذمتهم للدولة.
وسط كل هذا، كان رجلان جزائريان يعيشان تحت ضغط، لكنهما قاوماه بشدة.
رجلان من زمن الثورة
يتعلق الأمر بكل من الرئيس الجزائري السابق أحمد بن بلة، ورفيقه حسين أيت أحمد الذي كان يحظى بقبول جماهري كبير وسط الجزائريين المنحدرين من منطقة القبايل وكل أنصار الثقافة الأمازيغية في البلاد. بطريقة أخرى، فإن شعبية هذا الأخير كانت خارج أي نقاش. وقد تنفع الجيش، في حال تعيينه رئيسا للجمهورية، في ترقيع صورته أمام الرأي العام الجزائري الذي لم ينس بعدُ أحداث قمع المظاهرات في أقل من أربع سنوات على تطورات 1992.
يقول هشام عبود: «كان التواصل مع الحسين أيت أحمد فكرة الجنرال تواتي، الملقب بـ«المخ». الحسين أيت أحمد مناضل مُسن ومن قدامى الوطنيين. وهو أحد المؤسسين الأوائل لجيش التحرير الوطني الذي أطلق الثورة الجزائرية في نونبر 1954. وهو من معارضي النظام الجزائري منذ حصول البلاد على الاستقلال، وقائد أقدم حزب سياسي معارض.
قال عنه الجنرال تواتي:
-وهو، بالإضافة إلى كل هذا، «قبايلي».
حاول الجنرال نزار التقرب مرتين من الحسين أيت أحمد في الفترة ما بين المحطتين الانتخابيتين. لكن أيت أحمد لم يتفق مع مقترحات حكومة الظل السوداء التي يقودها الجنرالات. حاول معه الجنرال تواتي أيضا بدوره لإقناعه بالدخول إلى الجزائر مرتين في جنيف. لكن أيت أحمد رفض العرض، ليس لأنه لم يكن يريد رؤية جبهة الإنقاذ في السلطة، ولكن لأنه، حسب مقربين منه، كان مدركا لخطط ومكر أصحاب القرار.
آخرون أكدوا أن أيت أحمد، باعتباره رجلا ديموقراطيا، لم يتقبل أن يأتي به الجنرالات إلى هرم السلطة بطريقة الباراشوت».
كان هذا، إذن، موقفا مشرفا للمعارض الجزائري أيت أحمد. وربما لو كان يعيش في الجزائر وقتها لكان الموقف مغايرا، إذ إن الجنرالات كانوا ليمارسوا عليه ضغطا من نوع آخر تماما كما فعلوا مع بعض رفاقه القدامى وأعضاء حزبه، حيث قاموا باستمالة بعض الثوريين واليساريين، واقترحوا عليهم امتيازات وخيروهم بين الاشتغال لصالح المخابرات الجزائرية أو تحمل العواقب. وبحكم أن هؤلاء المعارضين السابقين كانوا يعرفون جيدا من أين أتى جنرالات الجيش ومقدار برودة الدم التي لديهم، فقد اختاروا أن ينحنوا للموجة بدل الوقوف في وجهها.
أما أيت أحمد فقد كان يحظى بالمشروعية التاريخية وحتى الجماهيرية، وكان في مأمن بالخارج حيث يعتبره عدد من الحقوقيين الأوربيين في التسعينيات صاحب قضية ومعارضا قويا لنظام الجنرالات. لذلك كانت رمزيته كلها ستكون على المحك في حال وافق الجنرالات على دخوله إلى الجزائر للجلوس فوق الكرسي الذي سقط منه الشاذلي بن جديد.