تطوان: حسن الخضراوي
تعني كلمة «أقشور» في اللغة الأمازيغية «لقمة عيش»، أما في الجغرافيا فيقصد بها منطقة جبلية جمعت أشجارا وشلالات ومسابح ومناظر ساحرة بإقليم الشاون. هذه الوجهة السياحية التي تأسر بروعتها كل من زارها من السياح المغاربة والأجانب، تقع غير بعيد عن الطريق الرابطة بين جماعة واد لاو القريبة من مدينة تطوان ومدينة شفشاون. قربها من المدن الشمالية الكبرى كطنجة وتطوان ومرتيل والمضيق والنواحي، جعلها الوجهة المفضلة لسكانها خلال فصل الصيف، قبل أن تتحول في السنوات الأخيرة إلى نقطة جذب كبيرة للسياح المولعين بالمتنزهات الطبيعية من داخل المغرب وخارجه.
تقع شلالات أقشور التي تسلب العقل والروح، ضمن نطاق محمية تلاسمطان الطبيعية، على بعد 30 كيلومترا من الشاون. أما ينابيع أقشور ووديانها فإنها توفر متعة لا مثيل لها، لمن يرغب من الزوار والسياح في الاستحمام في مياه صافية إلى حد الكشف عن أسرار ما تحتها، وشديدة البرودة في عز حرارة الصيف، حيث ينصح الأطباء بذلك مرضاهم الذين يعانون من الضغوط النفسية، وحاجتهم إلى الاسترخاء ونسيان تعب العمل ومشاق الحياة.
من يرغب في زيارة أقشور يمكنه استعمال وسائل نقل مختلفة، من سيارة أجرة كبيرة وسيارات سياحية ووسائل نقل خاصة، لأن الطريق معبدة حتى الوصول إلى الموقع السياحي المذكور، وبعدها يبقى الاختيار للسائح أو الزائر في خوض مغامرة تسلق الجبال للوصول إلى شلالات ضخمة، واكتشاف عالم طبيعي في غاية الجمال، من وديان وكهوف وصخور كانت وما زالت مادة خصبة لعلماء الجيولوجيا.
عند الوصول إلى أقشور أول ما ينصح به هو التعرف جيدا على خريطة للموقع بالنسبة إلى مدينة الشاون، وعليك أن تكون مجهزا بأحذية، ومعدات خاصة بتسلق وصعود الجبال، إذا كنت ترغب في تجريب مغامرة السير نحو القمة، كما يجب أن تكون ملما بالسباحة، لأنك ستضطر إلى ذلك في أغلب الأوقات في مياه جد باردة، لكنها منعشة وتبعث الأمل والسعادة في الروح والجسد.
طبيعة خلابة تسر الناظرين
عندما تنطلق من شفشاون في اتجاه منطقة أقشور السياحية، تقطع 30 كيلومترا وسط الجبال والغابات والمناطق الخضراء الساحرة، حيث تم إصلاح البنيات التحتية بتنفيذ مشاريع إصلاح وتعبيد الطرق بين شفشاون وواد لاو وتطوان، لتشجيع القطاع أكثر، وفتح المجال لاستقطاب الاستثمار والمستثمرين، وتسهيل حركة النقل في وجه الجميع.
بالنسبة إلى رشيد الذي يمتلك دراجة نارية رياضية ويأتي سائحا من الدار البيضاء، فإن المسافة التي يقطعها بين شفشاون، حيث الاستمتاع بالمدينة العتيقة ومنطقة رأس الماء والتراث الجبلي المتميز، ومنطقة أقشور الغنية بشلالاتها ومياهها الصافية، فرصة لا تعوض للاستجمام والوقوف عند باعة الخبز البلدي، والعديد من الفواكه والمنتوجات الفلاحية التي تنتجها يد الفلاحين البسطاء بالمناطق الجبلية.
سعيد الذي أتى من فاس لزيارة المنطقة يقول: «لقد أتيت إلى أقشور مرات متعددة، لكن كل صيف تراودني الرغبة نفسها للعودة إليها، حتى ولو زرت مرتيل وتطوان والمضيق وطنجة، فإن لأقشور مكانة خاصة في القلب، أقضي فيها يومين أو ثلاثة أيام، مستمتعا بتسلق وصعود الجبال، والسباحة في المياه الصافية والباردة، وتناول الطاجين اللذيذ المعد على الجمر لينضج بهدوء».
يمكن لأي راغب في زيارة أقشور، يضيف سعيد، أن يستقل سيارة أجرة من شفشاون، أو أن يأتي باستعمال دراجة نارية، أو أن يستقل النقل السياحي، أو حتى اختيار الانضمام إلى مجموعة وتنظيم رحلة خاصة إلى المنطقة، وفق برنامج يتم عرضه والاتفاق عليه، حسب رغبة السائح وقدرته الشرائية، حيث يتم كراء حافلة للنقل العمومي أو ما شابه ذلك للتنقل والوصول إلى المنطقة الجبلية السياحية بامتياز.
أقشور تجذب السياح من مدن الداخل، وفي السنوات الأخيرة أصبحت مشهورة ببلدان عالمية، حيث زارها العديد من المشاهير في ميادين مختلفة، قصد الاستمتاع بالهدوء والطبيعة الخلابة والشلالات التي لا يجف ماؤها، وتروي ظمأ العطشان كما تروي الحقول والبساتين والمناطق الخضراء.
أوقات ممتعة…راحة الزائرين
قضاء أوقات ممتعة بمنطقة أقشور بالقرب من شفشاون شيء مضمون للسائح والزائر، لوجود مجموعة من الشلالات الرائعة، والفضاءات الواسعة لممارسة الهوايات المفضلة الخاصة بتجريب عملية تسلق الجبال، أو استكشاف الصخور والنباتات الجبلية، والبحث في مجال الأحياء التي توجد بالضايات التي تشع صفاء، وتكشف أسرار ما تحتها للجميع.
حميد الذي زار المنطقة آتيا من تاونات، عبر لنا عن أن أقشور جميلة جدا، وطبيعتها تأسر الناظرين، لكن المشكل الذي تواجهه خلال شهر غشت الذي يشكل ذروة السياحة بمنطقة الشمال بصفة عامة، هو الاكتظاظ بالنسبة إلى حركة السير، وعدم وجود مواقف سيارات بالشكل الكافي، ما يضطر العديد من العائلات إلى المشي مسافات طويلة، حيث يصعب ذلك على المسنين والأطفال.
ينصح حميد كل من يريد زيارة أقشور بجلب لباس رياضي وأحذية مناسبة لاستعمالها في تسلق الجبال، والوصول مشيا على الأقدام إلى الشلالات الكبرى، وكذا المنطقة المسماة «قنطرة ربي»، وهي قنطرة طبيعية معلقة بين الجبال نحتتها الطبيعة بفعل التقلبات المناخية وعوامل التعرية لملايين السنين، حيث يتم من فوقها مطالعة مناظر خلابة، والاستمتاع بعلو الجبال، ومشاهدة تدفق الشلالات وصوت ارتطام المياه بالصخور الذي يردده صدى الجبال المحيطة، وكأن الشلالات أسود تدافع عن عرينها بشراسة.
يستغرق الشباب ساعة ونصف الساعة إلى ساعتين لقطع المسافة الفاصلة بين أقشور ومنطقة الشلالات الضخمة، حيث لا يمكن للسيارات ولا الدراجات النارية الوصول إلى مناطق وعرة، وتتميز بارتفاع الجبال، ووجود طرق ضيقة جدا، وجب على كل من يسلكها الحذر، واحترام شروط السلامة والوقاية من الأخطار، واستعمال ملابس رياضية مناسبة.
جمعيات مهتمة بتسلق الجبال، تنصح كل من يريد الصعود إلى الشلالات بالتزام شروط السلامة واختيار السير في مجموعات بشكل منظم، والسباحة بأماكن تتوفر فيها شروط السلامة، وعدم اختيار القفز من الأعلى لغير المحترفين، وذلك لأن تهور العديد من الشباب أدى إلى إصابتهم بجروح خطيرة، كما تم تسجيل ضحايا وافتهم المنية لانزلاقهم من أعالي الجبال بأماكن خطيرة، أو قفزهم وسط المياه وارتطامهم بالصخور أو ما شابه ذلك.
رحلات سياحية..لكل الفئات
تنظم العديد من شركات السياحة وطنيا ومحليا وجهويا، الكثير من الرحلات السياحية في اتجاه منطقة أقشور الجبلية بشفشاون، حيث يتم عرض برامج يختار من بينها الزبون السائح، حسب قدرته الشرائية ونوع الرحلة والخدمات المقدمة، والوجبات الغذائية، وكذا المناطق التي يمكن زيارتها في الطريق إلى المنطقة.
بالنسبة لمحمد شاب في الثلاثينات، مساعد صاحب شركة لتنظيم رحلات سياحية في اتجاه شفشاون، فإن الرحلة من مدينة تطوان مثلا إلى أقشور يمكن أن تكلفك 210 دراهم فقط، فيها برنامج متنوع يبدأ بالانطلاق في الصباح حوالي الساعة السابعة، وتناول وجبة الإفطار بقرية بني حسان الجميلة، والصعود إلى شلالات أقشور وزيارة المكان والسباحة والاستجمام، ثم استراحة يتلوها تناول وجبة الغداء، والذهاب بعدها إلى مدينة شفشاون لزيارتها والاستمتاع بمناظر الغروب بالجبال، والعودة بعد ذلك إلى مركز الانطلاق، مع إمكانية توفير حافلة مكيفة وخدمات الإنترنت «ويفي».
وبالنسبة لأثمان الوجبات الغذائية التي تقدمها المطاعم الموجودة بأقشور، يضيف محمد أنها تتشكل في الغالب من الطاجين المغربي اللذيذ بأنواعه والسمك المشوي، حيث يصل ثمن طاجين الدجاج من الحجم الصغير إلى 45 درهما، ومن الحجم الكبير حوالي 75 درهما، كما يتراوح طاجين اللحم من الحجم الصغير بين 55 و60 درهما، بينما يصل ثمن الطاجين نفسه من الحجم الكبير إلى 90 درهما، وتبقى وجبة السمك المشوي يتراوح ثمنها بين 20 و25 درهما.
وتختار العديد من العائلات التي تزور منطقة أقشور اقتناء الخضر من شفشاون، والخبز من الأفران التقليدية الذي يعرض على طول الطريق، من صنع نساء جبليات، على أن يتم إعداد وجبات غذائية خاصة، بالقرب من الوديان الصافية والباردة، والاستمتاع ببرودة المكان والهدوء والهواء النقي النابع من الغابات المحيطة التي تشكل رئة المنطقة، التي تتنفس بها شفشاون والمناطق المجاورة.
هوايات ممتعة ورياضات مشوقة
بالنسبة لمن يعشقون هوايات المشي وتسلق الجبال والسباحة بالوديان واستكشاف الغابات، فإن أقشور السياحية هي أفضل منطقة ساحرة تجمع بين الجبال والغابات والشلالات والوديان، وتحقق غاية الاستمتاع لكل سائح لتأسره بعد ذلك، فيقع في غرامها ليزورها بانتظام.
العديد من الشباب بمنطقة أقشور بشفشاون يؤكدون على أن المنطقة آمنة، ومراقبة من قبل السلطات المحلية ومصالح الدرك الملكي، حيث يمارس جميع السياح هواياتهم التي يعشقونها بكل حرية، لكن بالنسبة لشروط السلامة فإنها تبقى اختيارات فردية، يجب التقيد بها تفاديا لأي حوادث خطيرة لا قدر الله.
أصوات شبابية تطالب الجهات الحكومية المختصة بتشجيع هيكلة قطاع السياحة بالشمال، باعتباره من أهم روافد التنمية المحلية والوطنية، فضلا عن دعم مشاريع الاستثمار في مجال السياحة الجبلية، والقطع مع الموسمية، والرفع من جودة الخدمات، والسير بخطى ثابتة نحو تحقيق هدف توفير فرص الشغل بشكل مباشر وغير مباشر.