أقسى لحظات حياة الأسر أن يزورك مغاربة لاجئون بالجزائر ويخدشون صورة الوطن أمام أعدائه
مانسيناكش عبد الله لماني (معتقل سابق في سجون البوليساريو):
29 يناير، 2024
حسن البصري:
من هم الأجانب الذين تواجدوا في الرابوني وكانوا يدعمون البوليساريو؟
في الرابوني كان كوبيون وفيتناميون وفلسطينيون وعسكريون من أوربا الشرقية يقدمون دروسا لجنود البوليساريو باعتبارهم خبراء في حرب العصابات. كانت وفود كثيرة تتردد على المخيمات من ليبيا وسوريا وإيران ودول إفريقية تعترف بجبهة البوليساريو. ومن الشخصيات التي زارتنا أذكر الحميدي الخويلدي، الذي ترأس أكثر من مرة الوفد الليبي، وجورج حبش زعيم جبهة التحرير الشعبية الفلسطينية، والجنرال سعد الدين الشاذلي رئيس الأركان المصري الأسبق، الذي كان لاجئا في الجزائر، وطوماس سانكارا رئيس بوركينا فاصو السابق، وسليم أحمد سليم الرئيس السابق لمنظمة الوحدة الإفريقية إضافة إلى شخصيات أخرى.
مثلا؟
شاهدت عددا كبيرا من الزوار الذين يأتون إلى الرابوني برفقة فيلق من صحافة الجزائر، كان جورج حبش يقول لنا لن أزور المغرب إلا إذا حصلت ثورة، وكنت أتذكر فضل الحسن الثاني على الفلسطينيين. زارنا أعضاء من الشبيبة الإسلامية الذين كانوا فارين إلى الجزائر، ومن المغاربة دائما، يتذكر الأسرى زيارة للمعارض المغربي عزيز المنبهي الذي كان بدوره لاجئا إلى الجزائر، فاستغله النظام الجزائري في الدعاية له وللبوليساريو، وهو الذي كان رئيسا للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وكان مناضلا يساريا في حزب إلى الأمام المحظور. لقد أعاد على مسامعنا ما كان يقوله جورج حبش وما يقوله العرب المنتفعون من الجزائر.
ماذا قال؟
تحدث عن غياب ثقافة حقوق الإنسان وتردي الوضع المعيشي في المغرب، وفي محاضرة ألقاها في إحدى مدارس تيندوف بحضور بعض الأسرى، رسم صورة قاتمة عن المغرب، وهو يعلم أن حقوق الإنسان تداس بشكل فظيع في مخيمات العار. أقدر كونه شقيق سعيدة المنبهي التي ماتت تحت التعذيب، لكن حين يقدم شهادات ضد وطنه فهذا أمر غير مقبول. لقد أرادت البوليساريو والجزائر، من وراء استضافة المنبهي، وضع المغاربة أمام شاهد عارف بالوضع الحقوقي، لكننا لم نسمع أطروحته، وبدا لي ولكثير من الأسرى أنه جاء إلى تيندوف مجبرا لا مخيرا. دخل علينا المنبهي مع أكبر جلادي البوليساريو المسمى سيد أحمد البطل، فلما جلس فوق المنصة وبجانبه رئيس مركز الأسرى بالرابوني، شرع في تعرية الوطن أمام أنظار الجميع. والأكثر من ذلك أن المنبهي ستتم استضافته على أمواج إذاعة البوليساريو، حيث تناول الوضع الداخلي بالمغرب، بشكل مبالغ فيه، حاول من خلاله رسم صورة قاتمة للمغرب عند العدو. زارنا، أيضا، مسؤولون إيرانيون أعلنوا تضامنهم مع جبهة البوليساريو ومساندتهم للموالين.
هل التقيت يوما برئيس جبهة البوليساريو مباشرة؟
نعم كان يزورنا ويتحدث إلينا باللهجة الدارجة، لكنه لم يكن يبادلنا التحية حينما يكون رجال الأمن العسكري الجزائري حاضرين، لأن الجزائر هي التي تتحكم فيه. يكفي أن نعلم أن سفر الشخصيات النافذة في البوليساريو يحتاج إلى ترخيص من الرئاسة الجزائرية، وأن ضابطا جزائريا متوسط الرتبة يستطيع أن يؤنب رئيس البوليساريو ويعطيه الأوامر. بل حتى أكبر القياديين الساهرين على تعذيبنا يكونون أسودا في غياب الأمن الجزائري، وحين يحضر ضابط من الجزائر يتحولون إلى خانعين. على ذكر الزوار الذين ترددوا علينا، لابد من الإشارة إلى أنه بداية سنة 2000، وبفضل تدخل بعض المنظمات الدولية، خاصة الصليب الأحمر الدولي وجمعيات حقوقية، سنتمكن من إيصال صوتنا إلى المنتظم الدولي.
هل ناقشتم بينكم مصيركم المشترك؟
كنا نقوم بالأشغال الشاقة، نقوم بالحفر والبناء وإفراغ شحنات المساعدات والعتاد العسكري، وكنا ممنوعين من الحديث إلى بعضنا البعض، لأننا نعيش العذاب. فالتنقلات تتم في ظروف غير آدمية، ولا يسمح لنا بالحديث أو التجمع، بل كنا مرغمين على النظر في مكان الحفر فقط أي في مكان ضربة الفأس ودائما تحت رحمة السياط. كنا نقوم، أيضا، بصنع الطوب من مواد الإسمنت والتراب والحجر قصد بناء الزنازين أو المدارس أو مراكز التخزين والتموين، وغالبا ما كانت تخصص لتخزين الذخيرة والأسلحة والدبابات، إضافة إلى المساعدات، والويل ثم الويل لمن تجرأ وطالب بتحسين وضعه كإنسان أولا قبل أن يكون أسيرا.
كيف كنت تعد أيام اعتقالك؟
أحيانا كانت تغيب عنا حتى الشهور والسنوات، لقد كنا خارج الزمن، لا نعلم ما إذا كنا نعيش في سنة كذا أو كذا، أحيانا كنا نتجادل ونتساءل: هل هذا عام 1986 مثلا؟ فيقول آخر: لا مزال، بل ونراهن على من يملك التاريخ المضبوط، هذا أبشع اعتقال.