يونس جنوحي
من المؤسف ألا تتوفر إدارات مغربية، حزبية أو في مؤسسات الدولة أيضا، على معلومات عن مسار مكاتبها وموظفيها.
في الوقت الذي تتوفر فيه معلومات عن الحُراس المتعاقبين على العمل في واحدة من أقدم المنارات البحرية في المغرب، وفي العالم أيضا، ويتعلق الأمر بـ «المنار» الذي يوجد في منطقة «كاب سبارطيل» حيث يلتقي البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الأطلسي، لا توجد معلومات كافية عن أول مشروع أطلقه المغرب قبيل الاستقلال للتعريف بالبلاد، دولة مستقلة ذات سيادة.
من شأن المعلومات التي يمكن جمعها عن هذه المبادرة التي أطلقها الملك الراحل الحسن الثاني وقتها وهو لا يزال وليا للعهد، أن توفر وثائق عن مغربية الصحراء وكواليس الاتفاقيات المغربية الفرنسية حول الحدود التي أصبحت لاحقا موضوع نزاع مع الجزائريين.
لا توجد معلومات كافية عن هذا المكتب الذي كان المغرب قد فتحه منتصف الخمسينيات في العاصمة الأمريكية واشنطن، على أساس أن يكون في البداية فرعا أو مقرا لحزب الاستقلال، بحكم أن أحد المساهمين في تمويله هو محمد الغزاوي أحد أبرز قياديي الحزب وقتها ومموليه.
كانت أولى المهام التي كُلف بها هذا المكتب، إصدار كتاب عن المغرب باللغة الإنجليزية، والسهر على توزيعه في الصحافة وتنظيم ندوات للتعريف بمضمونه وسط النخبة السياسية والثقافية والإعلامية في عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية.
«قضية المغرب»، كان هو عنوان الكتاب الذي جرت ترجمته وتوفير مواده بالإنجليزية، حيث كلف الأمير مولاي الحسن، أحمد العلوي الذي صار لاحقا وزيرا للأنباء، بالسهر على سير المشروع. بينما تكلف المهدي بنونة، باقتراح من علال الفاسي، بالانتقال إلى واشنطن للعمل في المكتب وترتيب اللقاءات مع الصحافيين الأمريكيين للتعريف بالكتاب.
وهنا استعان المغرب بخدمات صحافية أمريكية اسمها «ميس بوب»، لكي تُساعد بنونة على إنجاح مشروع التعريف بالكتاب، وأرسل المهدي المنجرة لاحقا لكي يُساعد في هذا الموضوع.
هذا المكتب صار وجها من أوجه التعاون بين السلطة وحزب الاستقلال الذي كان وقتها أكبر تنظيم سياسي في المغرب، لكن لا أحد الآن يعرف مآل المشروع ولا كواليسه ولا الأرشيف المرتبط به.
في الأعراف الدبلوماسية والسياسية، يجدر بتجربة مثل هذه، عندما تنتهي، بغض النظر عن تقييم أدائها، أن يُسلم أرشيفها إلى الجهات الرسمية أو إلى مؤسسة أرشيف المغرب، لكي يطلع عليها الباحثون والمهتمون لمعرفة جزء مُشرق جدا من التاريخ السياسي لمغرب مرحلة الاستقلال.
وحسب المعطيات القليلة المتوفرة، فإن تمويل المكتب وفواتير حجزه المرتفعة في قلب واشنطن، جعلت القائمين عليه يبحثون عن شراكات لضمان تمويل للفكرة لأطول مدة ممكنة. وطُرحت وقتها فكرة اعتماد شركة «كوكا كولا» كشريك للمكتب، على اعتبار أنها وجه من وجوه الثقافة الأمريكية حول العالم. وبما أن هذه الشركة وقتها كانت من أوائل الشركات التي نجحت في تسويق منتجها في المغرب، فإن رئيس فرعها في البلاد وافق على المساهمة في مصاريف مكتب واشنطن الذي تأسس للترويج للمغرب المستقل.
من جديد، لا توجد معلومات عن هذه الشراكة، ويصعب جدا إيجاد خيط لبدء البحث في هذا الملف.
تخيلوا لو أن أرشيف هذا المكتب جُمع قبل إغلاقه وسُلم إلى أياد أمينة تتولى توثيقه ونقله لاحقا إلى الأجيال المقبلة لكي نعرف على الأقل المجهودات التي بُذلت للتعريف بالقضية المغربية منتصف خمسينيات القرن الماضي، وتُعرف أسماء الوطنيين الأوائل الذين خاضوا هذه التجربة في قلب واحدة من أهم عواصم العالم.
من العيب فعلا أن تتوفر معلومات تاريخية عن المواقع الأثرية بتفاصيل مهمة وموثقة وبالأسماء، تعود إلى فترح ما قبل الميلاد، بينما قصة أول مكتب مغربي بحث لبلادنا عن موطئ قدم دولي بصفتنا دولة مستقلة، لا نعرف عنه أي شيء..