أفول الزعماء (3/2)
طموح بنكيران أكبر بكثير مما يتصوره البعض، وعندما يقول إنه فكر أكثر من مرة في الاستقالة والذهاب إلى بيته لكي يعيش بما قسمه الله، فإنما يمارس الطنز.
فبنكيران يطمح للحصول على منصب وزير دولة أو مستشار في حكومة 2016، وهناك رأي حتى داخل جزء من الدولة يقول إن بنكيران يمثل عشرين بالمائة من المغاربة وسيكون مفيدا أن يكون صوته حاضرا في المحيط الملكي.
ولذلك فهو يعيد تشكيل الكتلة التاريخية مع استقلال شباط وبقايا اتحاد لشكر وانتهازيي التقدم والاشتراكية فقط لكي يخيف الدولة ويفاوض على منصبه من موقع قوة.
وفي لحظة نفاق سياسي قال بنكيران إنه تجاوز سنة من التلاسن بينه وبين لشكر وشباط، واعتبر كل تلك المعمعة مجرد لحظة شرود.
وبنكيران من حقه أن يتحالف مع من كان «يحلف» عليهم ويتوعدهم بالسجن، فقد رأى كيف أن حزب الأحرار حليفه في الحكومة يتحالف في السر مع الأصالة والمعاصرة الذي يوجد في المعارضة.
والواقع أن المشهد السياسي الحالي وصل حدا من السوريالية أصبح معه فهمه يحتاج إلى دكتوراه في الفن التكعيبي.
فبنكيران متحالف مع الأحرار والحركة، ويرقص الدبكة مع المعارضة التي تبحث لكي تتحالف مع الحزب الذي يقود الأغلبية، «وفهم شي زفتة». وكأن بنكيران يقول للحركة والأحرار «إلى بغيتو تخرجو من الحكومة الما والشطابة، راه كاين اللي يدخل».
وفي هذه الصفقة فلكل حزب مآربه، لشكر يحاول إقناع الدولة بأنه لازال صالحا لشيء، ولو أنه مثل «شيبس، منفوخ من برا وخاوي من لداخل»، أما شباط فقد فهم الدرس وقرر أن لا يضع بيضه كله في سلة واحدة وأن يضع رجلا مع بنكيران ورجلا مع خصومه إلى أن تقضي الصناديق أمرا كان مفعولا.
أما الأصالة والمعاصرة الذي تعرض لقصف شديد من طرف رئيس الحكومة شخصيا، فنعته بأقذع وأشنع النعوت، من الحزب الذي يعاني من خطيئة النشأة والذي ولد بعيوب خلقية، والحزب المعاق ذي الاحتياجات الخاصة، إلى حزب يستعمل عائدات المخدرات، حتى أنه نعت نائب الأمين العام بإسكوبار، مع كل ما يحمله هذا الاتهام من خطورة.
ولذلك فحزب الأصالة والمعاصرة ليس مدعوا فقط لإفراز قيادة جديدة لمواجهة بنكيران وكتلته، بل إنه مدعو أيضا لمحو كل النعوت والتهم التي التصقت به منذ تأسيسه وإلى اليوم.
وكل المؤشرات تقول إن حزب الجرار مقبل على تغيير كبير قد يشمل حتى اسمه، كما أن هناك توجها نحو الابتعاد عن تبني تقرير الخمسينية وتقرير هيئة الإنصاف والمصالحة، اللذين بنى عليهما الحزب مرجعيته الإيديولوجية.
التغيير سيشمل أيضا التخلص من ظاهرة ترييف الحزب، فنائب الأمين العام للحزب ريفي ورئيس المجلس الوطني للحزب ريفي، ورئيس الفريق بمجلس المستشارين ريفي، ورئيس الغرفة الثانية ريفي.
كما أن هناك فتح الباب أمام الغاضبين والمبعدين، كبنعدي وصلاح الوديع لكي يشرفا على إعداد انتخابات الأمانة العامة التي سيتصارع حولها إلياس العمري وخشيشن وعلي بلحاج للحصول على منصب الأمين العام، كما أن حظوظ ميلودة حازب واردة لرئاسة المجلس الوطني للحزب.
وعندما سحب علي بلحاج ترشيحه لرئاسة الجهة الشرقية في الانتخابات الجماعية في آخر لحظة، فقد كان هذا مؤشرا على أن طموحه لمنصب الأمين العام كبير.
وبعد فوز البام بكل غرف الجهة الشرقية كتب في صفحته بالفيسبوك أن العمل العميق يعطي نتائجه، في إشارة منه إلى أن ترؤسه لمجلس الجهة الشرقية لست سنوات، في وقت لم يكن البام يترأس أي مجلس جهة، أعطى أخيرا ثماره، وربما هي ثمار وهمية يراها بمفرده.
كان علي بلحاج، عضو المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة، قبل أسابيع ضيفا لـ«تيزي كافي»، الذي نظمته مؤسسة «مبادرة طارق بن زياد»، بشراكة مع مدرسة التسيير «ESCA».
وأمام جمهور كبير، اعترف علي بلحاج منذ البداية بأن بعض الأشخاص، الذين لم يسمهم، داخل الحزب كانوا يرغبون برحيله، لكنه رفض المغادرة واستمر في تأدية مهامه.
هذا الخروج المفاجئ إلى حد ما، يدفع إلى التفكير في الدوافع التي شجعت علي بلحاج على تهييج الزوابع ودق ناقوس الخطر في ما يخص الوضع الداخلي لحزبه.
الواقع أن الـPAM، بالنسبة لعلي بلحاج، ابتعد عن مشروعه الأساسي، بحيث تحول إلى آلة انتخابية. إنه ليس ضروريا أن يكون المرء محللا سياسيا حصيفا لكي يفهم أن خرجة علي بلحاج هي إشارة واضحة إلى ولادة تيار ثالث داخل هذا الحزب.
خرجة علي بلحاج لم تمر دون دفعه للثمن، فمباشرة بعد الندوة التي هاجم فيها «البام» صدر مقال في موقع «لوديسك» لصاحبه علي عمار يستعيد قصاصة لوكالة الأنباء الفرنسية حول علي بلحاج وشراكته مع مسؤول سابق بالاستخبارات الفرنسية، والذي ليس سوى بيير أنطوان لورينزي، الذي تعرضت ممتلكاته للحجز مؤخرا من طرف القضاء الفرنسي بسبب التهرب الضريبي.
وعلى بلحاج هو شريك منذ عام 2006 مع شركة Serenus Conseil International لصاحبها لورينزي، الذي اعتمد كثيرا على شبكة علاقات بلحاج لتطوير نشاطه بالمغرب.
شركة Serenus كانت في الدار البيضاء قد سجلت رقم معاملات وصل 14 مليون درهم في عام 2008، وبعدها اختفى كل شيء.
وساعد بلحاج لورينزي على إبرام العقود الرئيسية لشركة أرسيلور متعددة الجنسيات في عام 2006 لشراء صوناسيد، ثم شركة ساجيم بعد عام، ثم الصفقة الشهيرة المتعلقة برخص القيادة وبطاقات التسجيل، وهي الصفقة التي عقدت بقيمة 60 مليون دولار.
سنة 2009، سيحصل علي بلحاج على 7 في المائة من Serenus الدولية وسيشرف على تطوير نشاطاتها في كل من المغرب وتونس.
كما أن بلحاج كان شريكا في Vae Solis، وهو مكتب للاستشارات والاتصال يشتغل لصالح اللوبي الباريسي، لجأت إليه سفارة المغرب بباريس لبيع صورة المغرب على ضفتي نهر السين.
لقد كان التياران المعروفان مسبقا داخل الحزب، هما تيار «الحداثيين» الممثل من طرف «التقدميين» أو اليساريين السابقين، ثم تيار «الأصالة» بقيادة المحافظين، وبعض «الأعيان» والإقطاعيين.
وقد كانت هناك بالفعل محاولة للوصول إلى الطريق الثالث بقيادة صلاح الوديع، لكنها فشلت بسبب افتقار صاحبها إلى «السند»، مما دفع به إلى «القيادة» خارج الحزب عبر حركة سماها «ضمير».
أما علي بلحاج فقد اختار تسيير مشروع جديد، برؤية جديدة، ولكن من داخل حزبه السياسي، أهمها أن الشخص الذي ينبغي أن يكون أمينا عاما مقبلا للحزب ينبغي أن يكون قادرا على تهدئة علاقات الحزب مع شركائه السياسيين، أي أن يلعب دور «الوسيط» لا المهيمن، وأن الزعيم الجديد يمكن أن يتعامل مع معارضي الحزب باحترام وليس بالسب والإهانة.
وفي انسجام تام مع ما قاله حامي الدين وآمنة ماء العينين حول زعامة بنكيران، قال علي بلحاج إنه «يجب على الأمين العام في المستقبل أن لا يقرر وحده، يجب ألا نبقى رهينة لنموذج الزعيم».