شوف تشوف

الرئيسيةسياسيةملف التاريخ

أغلب السياسيين المغاربة كانوا شبابا ولم يعيشوا ظروف المغرب قبل الحماية

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

إن المغرب يوجد، فعلا، في مرحلة الثورة المادية. في غضون أربعين سنة، حققت البلاد تقدما قطعت عبره قرونا من التطور، إلا أن الثورة الفكرية لم تبدأ بعدُ. ما يُسمى «العودة إلى القرآن» مقاربة لتبرير الاستبداد والرجعية.

يستطيع الفرنسيون أن يقترحوا أفكارا للثورة الفكرية والأخلاقية في المغرب، انطلاقا من تاريخهم، لكن المسؤولية تبقى مغربية بالدرجة الأولى ولا يمكن لأي فشل فرنسي محتمل أن يُبرر الفراغ الحاصل.

قبل أن يصبح التقدم الأخلاقي والفكري ممكنا، من الضروري، أولا، إعادة النظر، وبشكل كامل، في أساس القضية الوطنية وجوهرها.

لقد سجلتُ انطباعي الخاص في هذا الباب، وقلت إن القضية الوطنية تأسست، حتى الآن، على عيوب فرنسية مزعومة وليس على الدافع الإيديولوجي للروح الإنسانية وتوقها نحو الحرية. وحتى الآن فإن مبادرة قيام القضية الوطنية على أساس إيديولوجي نادرا ما تحظى بأي تشجيع ولا تظهر ملامحها في الوقت الحاضر.

عندما تتم مراجعة هذا الأساس، لا بد من مواجهة آثار جانبية إضافية. وكما قالت الممرضة «كافيل»، عندما حُكم عليها بالإعدام: «الروح الوطنية وحدها ليست كافية».

من المؤسف بالنسبة للمغاربة أن النزعة القومية تتصاعد بينهم في وقت أصبحت أفكارها قديمة الطراز في أماكن أخرى من العالم.

الإمبراطورية الفرنسية صارت اتحادا فرنسيا. أوروبا الغربية الموحدة لم تعد مجرد حُلم، بل أصبحت ممكنة عمليا. لن يكون هناك حيز كبير للقومية الضيقة في عالم حديث، حيث يمكن فيه لسعادة الإنسان أن تبقى وتستمر. إن العالم الآن صار صغيرا جدا.

بقيت ثمة فكرة أخيرة، بخصوص حزب الاستقلال، الصعوبة الأكبر ليست الحصول على الحرية، بل في ممارستها. ولو تم توظيف الوقت والطاقة المكرسة للإساءة إلى الأفكار البنّاءة، لربما كانت الثورة الفكرية والأخلاقية في المغرب أقرب مما هي عليه الآن.

هذا الفصل هو الأقصر من بين فصول كتابي كاملة، لكنه ليس أقلها أهمية.

رغم كل ما جردته وقُلته، حتى الآن، فإن الهدف النهائي من هذا كله هو حصول المغرب على الاستقلال.

في مراكش استمعتُ، بمعية الدبلوماسي «ديمانسيسكو»، إلى الحجج التي استدل بها عضو محلي من حزب الاستقلال ليدعم بها أفكاره. إن «ديمانسيسكو» قضى حياة كاملة في المجال السياسي والدبلوماسي، ويبقى رأيه في الموضوع قيما.

عندما صرنا وحدنا، بعد انصراف عضو حزب الاستقلال، تحدثنا نحن الاثنان واكتشفنا أننا نتقاسم وجهة النظر نفسها: «لم تبق للفرنسيين في المغرب إلا عشر سنوات!».

أغلب قادة حزب الاستقلال شباب مقارنة بغيرهم من القادة في أحزاب أخرى، ولا يقتصر الأمر هنا على أنهم لا يتذكرون كيف كانت الأمور في البلاد قبل الحماية الفرنسية، بل إنهم يبنون صورة عن مغرب لم يكن له أي وجود إطلاقا. صحيح أن المغرب كان دولة مستقلة لقرون متواصلة، وأنه في زمن ما كان يتمتع بمستوى تحضّر عال، لكن، في القرن الأخير، الانحطاط كان سريعا، والسلطة كانت فاسدة، إقطاعية وبلا كفاءة أيضا. امتد حكم السلطان بقدر قوة جيوشه، وبحلول سنة 1911 كان نفوذه يقتصر فعليا على مدينة فاس. السلطة كانت مُطلقة والرجل الفقير كان يبقى دائما تحت رحمة الأغنياء. وكان الفقر المدقع القَدَر المشترك. الظروف الصحية، أيضا، كانت صادمة، والأوبئة أهلكت السكان دوريا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى