أعراس وأعراس
دعتني قريبة لمرافقتها إلى حفل زفاف أقيم في فندق مصنف بالرباط العاصمة؛ أصرت على أن نكون في أبهى حلة، فأهل العروس اشترطوا على الصديقات المدعوات الأناقة واللبس الجميل. ترددت ما بين الذهاب للاستمتاع بأجواء الاحتفال وجلب السعد وفال الخير كما تقول أمي، وقضاء ليلتي وحيدة في المطالعة كالعادة.
مددتُ «التكشيطة» أمامي، وكل مجوهراتي، وظللت على حالتي المترددة أمني النفس أن تجد القريبة مرافقة أخرى تعوضني. على الساعة الخامسة رن الهاتف، تأخرت في الرد على المكالمة المنتظرة، كنتُ قد رتبت برنامجي المسائي بعيداً عن العرس، لكن القريبة العزيزة تكلفت تقريبا بكل شيء، بدءاً بأخذ الموعد عند الحلاقة، وبإصرارها على أداء تكاليف حصة التجميل، فلم أجد بدا من مرافقتها إرضاء لها ولوالدتي التي كانت جد سعيدة وهي تشد لي حزام «التكشيطة»، وتدعو الله بأن يعطيني وإياها نصيبنا من الفرح. رأيت نفسي في المرآة بعين الرضى وأنا ألاحظ التغير الإيجابي على هيأتي. ابتسمت لنفسي وقلت مازحة: لا ينقصني غير العريس.
جلستُ بجانب «كوبل» جميل في عقده السادس، يتبادلان لمسات حنونة ويتهامسان كعريسين شابين حديثي العشق والزواج. فحصت بعيني الفضولية المضمات الذهبية، وساعات «الرولكس»، فعرفت أنني جلست في طاولة الأثرياء، الساعة اليدوية الواحدة تساوي ثمن أجرة سنوات من عملي سكرتيرة، لحسن حظي أنني لا أغار من الميسورين وإلا لقضيت الليلة بغصة في القلب أصطنع الفرح والابتسامة وكل همي اقتناص زوج ثري.
لست من عاشقات الرقص الجماعي، لكنني رقصت هذه المرة. أعجبني منظر العريسين والجو كان مواتيا للرقص، فالكل بدا منسجما وسعيدا..
في هذه اللحظة بالضبط، رجعت بي الذاكرة إلى عرس جيران جدتي البسطاء.. إنه أجمل عرس حضرته في حياتي، حيث كانت الأناقة تختزل في «دفينة» جميلة وكحل وسواك وعكر فاسي، والاحتفال تنشطه فرقة اللعابات يغنين ويضربن البندير والطعارج ويتقنّ الركز على البستيلية، ومن تتقن الرقص من الجارات والمدعوات يمتعن السمع والأنظار.. فيما يحتفل الرجال منعزلين عن مكان النساء رفقة «الشيخات».
لا طاولات ولا شوكة ولا سكين في عرس المساكين، ولا تكلف ولا «شيكي»، العشاء دجاج محمر لذيذ، وقبل تقديمه تطوف امرأة على الضيفات ـ وهي تحمل بيدها صينية عليها «دمليج» من الفضة ظننته في البدء هديةـ تنادي بأسماء من قدمن هدايا على شكل مساهمة نقدية، عشرة أو عشرون أو خمسون درهما، كل على حسب استطاعته وهي تصيح بنبرة ملحنة: «هاذي عشرين درهم من عند فلانة.. ومن هنا حتى لزعير.. ما نردوها ليها فساعة الخير».. بعدها يقدم العشاء على الأرض المفروشة بالحصائر، تجتمع كل مجموعة حول المائدة يأكلن بشهية وبأدب عفوي، ويعدن بعدها للرقص والزغاريد والغناء.
لكن في الصباح، ولسبب غامض، في وقت الدخلة تفاجأ العريس، رغم أنه كان في غاية الوسامة، بهروب العروس.