شوف تشوف

الرأيالرئيسيةمجتمع

أعراس داعشية عامرة

 

أرنست خوري

 

 

هل يُعقل في القرن الحادي والعشرين أن تكرر بديهيات من نوع رفض قتل شخص، لأنه كتب رواية أو صنع فيلما أو رسما أو مسرحية؟ تفكّر في نصيحة يرددها متضامنون مع الكاتب ــ الضحية بضرورة قراءة ما كتبه الرجل قبل الحكم عليه، فتشعر بالإحباط. يعني لو قرأتَ الرواية الخيالية «آيات شيطانية» أو غيرها من أعماله، وتبين لك أنها مهينة للدين وللخميني، ومسيئة وحاقدة ومستفزة لمشاعر «مقدسة»… هل يبرر ذلك أي سلوك ضد الكاتب، أي كاتب؟

رصْد ردود الفعل في منطقتنا على الجريمة تعذيب نفسي، يكشف عن درجة تراجع حرية التفكير حين تمس الانتماءات الأولية، مثل الدين. يكفي أن تقارن ما بين التنديد الخجول اليوم بما ارتكبه اللبناني هادي مطر، والاحتفالات بها على «السوشيال ميديا»، مع ما كان يحصل في كل مرة يتعرض فيها كاتب أو مثقف لفتوى بالقتل أو تكفير وهدر دم. تسترجع أسماء الموقعين الكثر على بيان التضامن، الذي نشرته صحيفة «السفير» اللبنانية مع سلمان رشدي، بعد محاولة اغتياله سنة 1989 (على يد لبناني آخر وقتها اسمه مصطفى المازح)، فتكبر علامات الأسى. تضامن جريء في الأمس، مقابل ساحة مشرعة لإرهاب المحتفلين بالدم اليوم. ليس المستنكرون قلة، إنما صار التجرؤ على التعبير عن رفض الظلامية والإرهاب والداعشية، متى صدرت عن دوائر وحتى أفراد من الوسط المحسوب على إيران، عملا فدائيا خطيرا قد يُحسب له ألف حساب.

تكتب صحيفة «كيهان» الإيرانية في عددها الصادر يوم السبت: مبروك لهذا الرجل الشجاع (اللبناني هادي مطر) المدرك للواجب، والذي هاجم المرتد والشرير سلمان رشدي. لنقبّل يد من مزق رقبة عدو الله بسكين». فورا تزايد عليها صحيفة «إيران» الرسمية: «رقبة الشيطان ضُربت بشفرة حلاقة». المضمون نفسه يكرره المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، لكن بمصطلحات دبلوماسية من نوع أن «لا أحد يستحق اللوم أو الإدانة غير سلمان رشدي ومؤيديه». أما محمد مراندي، مستشار فريق المفاوضين حول الملف النووي، فكان لا بد أن يتحذلق، وأن يضفي على الجريمة أبعادا مؤامراتية فانتازية: أليس من الغريب أننا بينما نقترب من صفقة نووية محتملة، تزعم الولايات المتحدة أن هجوما على (مستشار الأمن القومي السابق في البيت الأبيض، جون بولتون، كان مخططا له)، ثم بعدها يحدث هذا (محاولة قتل رشدي)؟»

وقبل هؤلاء جميعا، الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله يعلق على موجة الرسوم الكاريكاتيرية الدانماركية مطلع عام 2006، فيقول إن «المشكلة بدأت يوم كتب سلمان رشدي «آيات شيطانية». لو قام مسلم ونفذ فتوى الإمام الخميني بالمرتد سلمان رشدي، لما تجرأ هؤلاء السفلة من أن ينالوا من رسول الله».

هذه عينة نخبوية عما كُتب وقيل، قبل محاولة قتل رشدي وبعدها. أما عند جمهور الدم، فتجد صحافيين يجاهرون على شاشات التلفزيونات بلبنان مثلا بتأييد ما ارتكبه هادي مطر، وتعثر على ملايين التغريدات المحتفية بوعود صادقة قطعها مريدو الخميني بتنفيذ وصيته ــ الفتوى.

قصة مشروع قتل سلمان رشدي ومترجمي أعماله وناشريها منذ 33 عاما، هي انتصار متواصل للجهل والتخلف والعصور الوسطى على حرية التفكير والحداثة والتنوير وإصلاح الفكر الديني.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى