أضغاث مشاعر
زينب بنموسى
أتوق أن أكتبك كما كنت أكتب كل الذين مروا هنا قبلك، أن أجر ساق الأبجدية نحوك دون أن أحس بالعصيان، أن أرسمك أحرفا على الورق دون أن أضطر لقطع شريان الشوق وملء محبرتي بالدم.
أتوق أن أتجاوز مرحلة الانبهار بك، أن أتقبلك كحقيقة عادية لا معجزة فيها، وأسكب هذا الدمع المتحجر في مقلتي الذي يهوى تعذيبي حين أشتاقك، حين أحبك، حين أقبلك، وحتى حين يزور طيفك أخيلتي.
أن أكتب عني كامرأة متجبرة تنسل قوتها من بين يديها على أعتاب الشيخوخة، وعنك أنت، الشيخوخة نفسها، الملاك/الشيطان الذي حط على كتفي فجأة يدعي أنه جاء ليلاعب طفولتي في حين أني أراه كل مساء يحفر بجد لحد قلبي.
أن أخبرك دونما حرج أن وجهك قد زرع بداخلي حدائق بهجة شاسعة لا يسقيها إلا زفيرك المنفوث في رئتي، ولا تكبر إلا ببذر الوصل الذي تلقيه قبلاتك على ثغري، وأحدثك عن حدائق حبك الزجاجية التي تتشقق بالحنين، ويخدشها أوهن حزن، وتنكسر فتدمي روحي حين الشوق.
أتوق أن أواجه هذا الحب العميق الذي يحتل أوردتي، ويتوغل كمعول في تربة رطبة، يقلب أرضي، ويزرع جذوره في أعمق مكان من روحي، كلما حاولت وأنا غاضبة اقتلاعه، تململت مهجتي، وأوشكت دواخلي على التساقط، وأسأله عن قسوة القدر الذي كوره وألقاه بأقصى اليسار كخطيئة مستحبة؟ والقانون الذي شكلني صفائح ورماه بداخلي زلزالا لا يفرق بل يجمع كل أشتاتي.
أن أسر لك ذات شوق، كيف أنك جئت كالصلح، تدفع كل قطعي للوقوع في الحب، وتبطل أي سبيل للنجدة في ما بعد، وكيف صرت بعدك امرأة مخيطة بالكفن والأبجدية، تتخللني عرائش توت سقطت من شفتيك سهوا على جسدي، وتحبل بطني منك كلما انفضت ذراعاك عن خصري بالشوق.
أن أخبرك أن بي من الشهوة إليك ما يشعل ألف سرير، ومن الجنون ما قد يحرق كل كتب الهوى التي خطت من قبل، وأنك حدي الأخير من الصبابة، والرجل الوحيد الذي مهما راودني لن أغتسل منه، وأن مصيبتي فيك يا وجعي أني جبانة أمام كل كلماتك، كل حركاتك، عاجزة أمام كل الأشياء التي تحمل أي جزء منك، وأني أغار من كل وردة لمستها يداك، أو تاء تأنيث افترت عنها شفتاك، وأنك تمر كالطوفان تجرف معك صخور مقاومتي، تذر ملحا على جرحي، وتلقي بالورود التي تدري أني أغار منها أمام اللحد الذي حفره غيابك لبسمتي.
أن أستكين بين ذراعيك وأعترف بكل ما في الشجاعة من جبن أنك خطفتني من على جبين العبث، فككتني خيوطا شفافة، ثم غزلتني من جديد بشكل هش، تسقطه أنفاسك بسهولة، وتكفي نظرة واحدة منك كي يرتفع للسماء، وأنك اقتربت فجأة من أرضي البور، سقيتها حتى ولدت زهر توليب بنفسجي، ثم انفلت في ما بعد حين حاولت أن أمسك بك تماما كما ينفلت الغيم.