أصوات غنائية صادرتها الجزائر مطربون منعوا من الغناء بمسارح الجزائر وآخرون صودرت مواويلهم
منذ حصول الجزائر على استقلالها، وهي تحرص على رفض الرأي الآخر، وتصر على أن يتحول المبدعون الجزائريون والأجانب إلى مجرد كورال جماعي يمجد النظام الحاكم ويغني له.
حسن البصري
صحيح أن الجزائر فتحت مسارحها وقاعاتها للفنانين الأجانب وتغنى المواطن الجزائري بروائع الطرب الفرنسي والمصري والتونسي والمغربي، وتلقى عدد من الفنانين المغاربة دعوات حضور المهرجانات الطربية في عدد من المدن الجزائرية، بل إن الظاهرة الغيوانية أصبحت ملح الحفلات في هذا البلد قبل أن يرتفع مؤشر الحقد عند حكامه.
اعتادت الجزائر على تنظيم مهرجانات عديدة يكون الفنان المغربي جزءا منها، ناهيك عن استضافة فنانين عرب مع حضور لافت للعنصر الإفريقي والغربي، قبل أن يصدر عبد المجيد تبون قرارا بجعل المهرجانات خالية من الأصوات العربية والأجنبية. لكن هذه المهرجانات ظلت تحمل الصفة العربية والدولية بالرغم من طابعها المحلي. كان يجب سحب صفة الدولي أو العربي عن هذه المهرجانات، وجعلها مهرجانات للأغنيه المحلية الجزائرية، ما دامت الدولة تخشى على نفسها من موال.
في المقابل، كان المغرب يحرص على استضافة كبار الفنانين الجزائريين، بل إنه في عهد الحسن الثاني تم تنظيم أول أسبوع ثقافي جمع الفنانين المغاربة بنظرائهم الجزائريين مباشرة بعد فتح الحدود بين البلدين عقد صلح وجدة، حيث حل الوفد الفني الجزائري بالمغرب على متن طائرة خاصة وضعها الملك رهن إشارة الجيران، وكانت البعثة الفنية تتكون من مطربين مشهورين في القطر الجزائري، كرابح درياسة ونادية بنيوسف وعبد القادر شاعو وزكية محمد والشاب جلال مع أسطورة الأغنية الصحراوية خليفي أحمد..
اليوم تغيرت الأمور، وأصبحت دعوة فنان جزائري للمشاركة في حفل فني في المغرب تهمة تجر صاحبها للمساءلة، بل هناك عدد من الفنانين الجزائريين الذين صدرت في حقهم أحكام بالمنع من دخول الجزائر بسبب سهرة أحيوها في المغرب.
وفي عهد ثنائية تبون وشنقريحة صودرت أصوات الفنانين وانتشرت تهمة الخيانة في أوساط المطربين، وذبحت رسائل الفن في دهاليز الرئاسة.
طرد صحافية من إذاعة «مستغانم» بسبب أغنية «عندو الزين»
في شهر أبريل من العام الماضي، أصدرت هيئة الاتصال السمعي البصري في الجزائر قرارا بتوقيف مجموعة من صحافيي وتقنيي إذاعة مستغانم الجزائرية، لبثها أغنية للفنانة المغربية أسماء المنور.
فجأة توقفت سيارة الأمن السياسي أمام مقر الإذاعة الجهوية واقتادت أفرادا من طاقم الإذاعة إلى مخفر الشرطة، في سابقة تعكس الحقد الدفين الذي يسكن حكام هذا البلد.
ولقي التوقيف الجزائري بإذاعة «مستغانم» موجة من التعليقات الساخرة من قبل الجزائريين أنفسهم، حيث قالت مسؤولة بالمحطة الإذاعية في تدوينة على منصة التواصل الاجتماعي: «رجعنا مسخرة». فطلبت منها الإدارة استفسارا حول التدوينة.
قالت الصحافية التي قدمت الأغنية والتقني الذي بثها على الهواء، إن الأغنية لا تحمل أي بعد سياسي ولا تنتقد سياسة الدولة ولا تتغنى بالمغرب. لكن المحققين كانوا يبحثون عن الجهة التي وراء هذا الفعل الذي وصفته بـ «الغير مهني».
قالت الصحافية إنها لا تملك لائحة الأغاني الممنوعة من البث، وأن إذاعة مستغانم سبق لها أن بثت مجموعة من القطع الغنائية المغربية، دون أي رد فعل من الإدارة أو السلطات، بل أغلب الأغاني لقيت تجاوبا من طرف المتلقي الجزائري.
أصدرت الإذاعة قرارا بتوقيف المتسببين في إسماع صوت فنانة مغربية، لأجل غير مسمى. لكن القضية لم تتوقف عن التحقيق، بل كانت لها مضاعفات في الوسط الفني المغربي والجزائري، وساهمت في زرع بذور الحقد بين الفنانين المغاربة والجزائريين، لاسيما بعد أن أعلنت أسماء لمنور رفضها القاطع حضور الحفلات التي تقام في الجزائر.
وكانت لمنور قد أعلنت في حوار تلفزيوني رفضها في الفترة الحالية إحياء حفلات فنية بالجزائر، بسبب ما أسمته «سياسات الجزائر»، متمنية أن يتم إصلاح الأوضاع بين البلدين، مشيرة إلى دعوة الصلح التي ما فتئ العاهل المغربي يعلنها ورغبة الشعبين في العيش في سلام ووئام، إلا أن ذلك قوبل بردة فعل من الطرف الآخر بقرارات وصفتها بأنها «لا طعم لها». وأضافت أنها تمتلك قاعدة جماهيرية كبيرة في الجزائر، معربة عن احترامها للبلد، مستنكرة «التجاوزات العديدة التي أصبحت تصدر مؤخرا، آخرها طرد موظفين في الإذاعة بسبب بث أغنية لها».
ردت الفنانة فلة الجزائرية بتصريحات مضادة على الفنانة المغربية أسماء لمنور بعد كشفها في برنامج تلفزي، عن موقفها من الغناء وإحياء سهرات فنية بالجزائر في الفترة الحالية، وهو الأمر الذي أثار جدلا واسعا عبر منصات التواصل الاجتماعي.
كان الرد الجزائري من خلال مقطع فيديو لفلة الجزائرية خلال حلولها ضيفة على برنامج «60 دقيقة» حقيقة الذي تبثه قناة الشروق الذراع الإعلامي للنظام، أبدت فيه رأيها بخصوص تصريحات المنور، قائلة إن الفنان يجب أن يكون سفيرا للسلام ولا يتدخل في السياسة.
إذاعة «غرداية» تبث نشيد حزب الاستقلال في عيد استقلال الجزائر
في شهر غشت من سنة 2015، عرض ثلاثة من موظفي إذاعة «غرداية» المحلية أمام لجنة الانضباط بالإذاعة الوطنية الجزائرية، على خلفية بث نشيد وطني مغربي، أثناء احتفال الجزائر بعيد استقلالها، وبالتزامن أيضا مع الأحداث المذهبية الدامية التي شهدتها ولاية غرداية.
وحسب جريدة «وقت الجزائر»، التي أوردت الخبر، فإن ثلاثة ممن مثلوا أمام المحققين قد خضعوا لاستنطاق طويل. ومن بين الصحافيين الذين تم التحقيق معهم، مقدمة برنامج الميكروفون الصحي، التي بثت النشيد المغربي. وأكدت الصحيفة الجزائرية أن رئيس قسم الإنتاج والبرمجة، المكلف بمتابعة عمل المنتجين والمنشطين، ومدير المحطة الجهوية بغرداية، تم استثناؤهما من التحقيق.
وأوضح المصدر ذاته أنه بالموازاة مع التحقيق الذي تجريه الإذاعة الوطنية الجزائرية، استمعت مصالح الأمن إلى بعض مسؤولي إذاعة غرداية في إطار التحقيق الأمني، الذي أمر به النائب العام لمدينة غرداية الجزائرية.
ونقلت الصحيفة عن مصادر أمنية قولها إن المنشطة المتهمة الرئيسية في الحادثة تضاربت في تصريحاتها أمام التحقيق، حيث قالت تارة إنها وجدت التسجيل على مستوى الإذاعة المحلية في مكتبة الأغاني داخل ملف الأناشيد الوطنية، ثم تراجعت بعد ذلك، وقالت إنها حصلت عليه من موقع ما في الإنترنت.
وكانت إذاعة «غرداية» المحلية قد بثت صبيحة يوم 6 يوليوز 2015، في برنامج يطلق عليه اسم «الميكروفون الصحي»، نشيدا مغربيا، وهو ما اعتبره النائب العام الجزائري تمجيدا لوطن آخر في عيد استقلال الجزائر.
بالمقابل دعي مدير الإذاعة إلى المقر المركزي، حيث تلقى تعليمات صارمة من السلطات العليا بالجارة الشرقية بالامتناع عن بث أي أغنية مغربية، حيث لم تبث هذه المحطة الإذاعية المحلية أية أغنية مغربية منذ السادس من يوليوز المنصرم، وهو اليوم الذي عرف بث أغنية وطنية حماسية، ما أفضى إلى متابعة قضائية للإذاعة.
وبعد عودته من الجزائر العاصمة قضى المدير ومساعدوه ليلة بيضاء في مكتبة الأغاني بالإذاعة، حيث تم مسح جميع القطع الغنائية المغربية والأناشيد ولم تسلم من العملية الأناشيد الدينية. وخلال التفتيش تبين أن الشريط المعني غير موجود بمكتبة إذاعة غرداية، وبأن أحدهم قام بإدخاله إلى الأستوديو، بهدف بثه على المباشر.
لم ينتبه المحققون إلى أن الأمر لا يتعلق بالنشيد الوطني المغربي، بل إن الأمر يهم الأشعار التي تستعمل حاليا كنشيد لحزب الاستقلال، وتقول كلماته: «مغربنا وطننا روحي فداه.. ومن يدس حقوقه يذق رداه»، ومقطع آخر يقول «وحسبنا إيماننا.. هو القوة هو العتاد، لا نرغب لا نرهب كيد الأعادي.. لكن نزد تفانيا في الاعتقاد».
الفنان الجزائري فضيل: لهذا أنحني احتراما لملك المغرب
عبر الفنان الجزائري فضيل، عن استنكاره الشديد، لإساءة حكام الجزائر للمغرب وشعبه، وقال في كثير من تصرحاته: بصفتي جزائريا وفرنسيا ومغربي القلب، لا يمكنني تقبل هذا السلوك الشرير، الذي يرتكبه جزائريون ضد المغرب.
وأضاف: «بكل تواضع، أعتبر نفسي أفضل مثال، لأقول بأن المغربي يقبل الجميع ولا يحكم على أحد بالسوء»، متسائلا: لماذا هذه الفتنة بين بلدين جارين، يجب أن نكون أكثر اتحادا؟
وتعرض فوضيل لحملة إعلامية مغرضة حين قرر أن يغني في الصحراء المغربية، مضيفا في ندوة صحفية: «أريد أن أغني للجمهور في الصحراء المغربية، ولما طرحت علي فكرة المشاركة في مهرجان الداخلة، قبلت ذلك. أنا أعتبر الجزائر بلدي، لكن المغرب هو بلدي الثاني».
تصريحات الشاب فوضيل شكلت مادة دسمة للصحافة الجزائرية المناوئة للمغرب، والداعمة للموقف الرسمي في نزاع الصحراء والتي تطالب بحق تقرير المصير لما تسميه بالشعب الصحراوي، ذلك أن تأكيد مغني الراي المشهور على مغربية الصحراء يشكل استفزازا للتكتل الجزائري المعادي للمغرب.
يذكر أن مغني الراي الجزائري رضا الطالياني عانى بدوره من قذائف إعلام النظام الجزائري وقوبل بهجمة إعلامية من صحافيي بلده، عندما أفاد بنفس التصريحات القائلة بمغربية الصحراء.
يشار إلى أن فوضيل يحظى بشعبية كبيرة في المغرب، إذ انضم إلى قائمة الفنانين العرب الذين اختاروا الاستقرار بالمغرب بحكم زواجه بسيدة مغربية.
ولقيت صورة للشاب فضيل، مغني الراي الجزائري الأصل، وهو ينحني أمام صورة الملك محمد السادس، ضجة لدى وسائل الإعلام الجزائرية، سيما وتزامن ذلك مع إعلانه في ندوة صحفية أشهر فيها بطاقة التعريف المغربية تأكيدا لحصوله على الجنسية، في عز الاحتقان بين البلدين. وهو اللقاء الصحفي الذي تحدث فيه عن دور زوجته المغربية في حياته المهنية، مؤكدا أنها تلعب دورا مهما في مساره الفني.
احتج مغني الراي الشهير على تطاول إعلام العسكر الجزائري، الذي حاول الإساءة لصورة المملكة المغربية، وعبر عن رفضه التام لهذه السلوكات، من خلال تغريدات مستنكرا فيها هذا العمل الذي يعطل ركب التنمية، مشيرا إلى أن الشعب الجزائري يرفض هذه النعرات الرخيصة.
الشاب خالد.. افتخر به الجزائريون واعتبروه «ملك الراي» ثم حاربوه
ظل مغني الراي الشاب خالد يتصدى لانتقادات أتباع النظام الحاكم في الجزائر، لمجرد إشادته بالجهود المبذولة من طرف العاهل المغربي محمد السادس لتعزيز مكانة المغرب بين الدول في غياب النفط والغاز، بل إن حرص «ملك الراي» على الافتخار بانتمائه للمغرب وضعه في مرمى مدافع أزلام النظام الحاكم في الجزائر، خاصة وأن بعض أغانيه المصورة لا تخلو من العلم المغربي.
وحين سئل الشاب خالد خلال ندوة صحافية عقدها بالمغرب، حول علاقته بمحمد السادس، رد بالقول «إنه يعتبر الملك المغربي «سيده» إسوة بجميع المغاربة»، وراح الشاب خالد يردد عبارة «سيدنا» عدة مرات، مشيدا بالتطور الذي عرفته البلاد في عهده والتنمية الكبيرة التي تحققت في عهده، مضيفا أنه يتمنى أن يتحقق في عهده المزيد من الإنجازات بشكل يجعل الآخرين «يغارون منا».
وكان ولد خالد حاج ابراهيم، الشهير بالشاب خالد، قد كشف في أكثر من لقاء حواري عن أصوله المغربية، رغم أنه من مواليد حي سيدي الهواري الشعبي بمدينة وهران في 29 فبراير 1960، من والده ابراهيم ووالدته خديجة مغربية الأصول وهي التي شجعته على ولوج عالم الفن بعد أن لمست نفوره من المدرسة والذي تجسد في أول أغنية «طريق الليسي».
ظل خالد رافضا للنظام الجزائري الحاكم، لكن الواقعة التي عجلت برحيله إلى فرنسا هي إلزامه بأداء الخدمة العسكرية وهو ما رفضه مما سبب له العديد من المشاكل، وحين عاد إلى الجزائر سنة 1988 اعتقل بتهمة التهرب من الواجب العسكري فهرب من السجن، ليهجر الجزائر عبر المغرب ويقضي 11 سنة من الاغتراب.
ثار الجزائريون بعد حصول «ملك الراي» على الجنسية المغربية التي منحها له ملك البلاد محمد السادس بقرار ملكي استثنائي في 20 غشت 2013، وزادت غضبتهم من الشاب خالد بعد قرار هذا الأخير الاستقرار في المغرب بمنتجع السعيدية المحاذي للجزائر.
رد خالد على الهجمة الشرسة للإعلام الجزائري بالقول: «القانون الجزائري يعطي للمواطنين حق الحصول على أربع جنسيات، وأنا أحمل ثلاث منها وهي الجنسية الجزائرية بالولادة والجنسية الفرنسية بالإقامة والجنسية المغربية بالقلب».
منذ ذلك الحين، صدر قرار بمنع بث أغاني «ملك الراي» في الجزائر.
بسبب مباراة في كرة القدم.. فنانون مصريون في اللائحة السوداء
في ظل الاحتقان الذي أعقب مباراة في كرة القدم بمدينة أم درمان سنة 2009، بين المنتخبين الجزائري والمصري، وضعت الجزائر قائمة سوداء لمجموعة من الفنانين قالت إنهم شاركوا في حملة الهجوم على الجزائريين من منابر مصرية، وضمت القائمة في أغلبها أسماء ممثلين ومطربين اعتبروهم أكثر من ساهموا في «تأجيج التراشق الإعلامي بين الجانبين»، على حد تعبيرهم.
ودعا النظام الجزائري إلى ضرورة منع الأسماء الواردة في القائمة من دخول بلد المليون شهيد لما اقترفوه في حق الشهداء، مضيفا: «يتعين إعلان هؤلاء الأشخاص أسماء غير مرغوب فيها بالجزائر في مختلف التظاهرات أيا كان طابعها».
قبل أن يتبنى حكام الجزائر هذه اللائحة، جاءت المبادرة من مشجعي المنتخب الجزائري وغالبيتهم من فصائل الالتراس، تحت شعار: «نحن قوم لا نقبل المساس بثوابتنا، ولا يجوز لهذه الأمة أن تخون شهداءها مهما طال الزمن ومهما عظمت التضحيات».
وأطلق أصحاب المبادرة حملة عبر الإنترنت ضد مجموعة من القامات الفنية المصرية عبر نشر صورهم وأسمائهم بسبب ردهم على هجمات الإعلام الجزائري الذي اعتبر تدخل الفنانين المصريين حملة إساءة للشعب الجزائري وشهدائه وتاريخه ورموزه بالسب والشتم على امتداد ثلاثة أشهر.
وأجمعت الصحف الجزائرية على أن قائمة الأسماء غير المرغوب فيها بالجزائر ضمت أيضا صحافيين وإعلاميين ومسؤولين وفنانين عربا ومصريين، إلى جانب فضائيات قادت حملة شتم غير مسبوقة على كل ما هو جزائري قبل وبعد مقابلتي القاهرة وأم درمان، وهو الطرح الذي تبنته الحكومة.
ومن أبرز الأسماء التي جاءت في القائمة السوداء: «يسرا، زينة، إلهام شاهين، حسين فهمي، أحمد بدير، أحمد آدم، حكيم، فيفي عبده، نانسي عجرم، هيفاء وهبي». أغلب هؤلاء وصفوا الأحداث التي وقعت بعد مباراة مصر والجزائر الفاصلة في السودان بأنها «عملية إرهابية».
آخر اسم انضم إلى القائمة السوداء هي المطربة المغربية سميرة سعيد، حيث شن عدد كبير من الجزائريين هجوما حادا عقب تصريحاتها التي استنكرت خلالها ما تعرض له المصريون في مدينة أم درمان السودانية، ورفضها السفر ومشاهدة المباراة لأنها كانت تتوقع وقوع أحداث عنف لمعرفتها السابقة بمدى التعصب الشديد للجمهور الجزائري.
وكانت النقابات الفنية في مصر قد أعلنت مقاطعتها للمهرجانات والتظاهرات السينمائية في الجزائر، مبررة قرارها بـ «الاعتداءات» التي وقعت على مشجعين وفنانين وإعلاميين مصريين في السودان عقب مباراة فريقي مصر والجزائر لكرة القدم.
بسبب مباراة في كرة القدم، حصلت مقاطعة فنية بين بلدين، دون أن يعرف الجزائريون وواضعو القائمة السوداء أن الفن لا حدود له.
أغنية «يا فرحتي» مباشرة بعد خبر الانقلاب على الرئيس الجزائري بن بلة
عرفت العلاقات المغربية الجزائرية حالات مد وجزر، إلا أنها مرت من مناطق اضطرابات خلال فترة حكم الرئيسين أحمد بن بلة وهواري بومدين، التي تميزت باستنفار عسكري من الطرفين، وصل حد الاصطدام على الجبهة الحدودية في ما بات يعرف بحرب الرمال. وما زاد من احتقان العلاقات استرجاع المغرب لصحرائه عبر مسيرة خضراء، باركها البعيد وتصدى لها القريب، مع ما ترتب عنها من مضاعفات وصلت إلى حد إقدام هواري على طرد آلاف المغاربة من الجزائر، بل إن المغرب والجزائر تحولا إلى ما يشبه الخطين المتوازيين.
يوم 19 يونيو 1965، كانت الجزائر على موعد مع الانقلاب العسكري ضد الرئيس أحمد بن بلة، من طرف صديقه هواري بومدين، الذي كان قائدا للجيش الجزائري، حملت كل قصاصات الأنباء العالمية خبر الانقلاب، وكان من الطبيعي أن يتصدر هذا الخبر عناوين النشرة الإخبارية الزوالية في الإذاعة الوطنية، مع الحرص على تقديم الخبر بشكل مهني دون أن تنفخ فيه روح الضغينة أو التنكيل بغريم سياسي.
يقول محمد بن ددوش في كتابه: «رحلة حياتي مع الميكروفون»، «إن الخبر قدم بشكل احترافي دون المس بالجار الشرقي، لكن المفاجأة حصلت مباشرة بعد انتهاء النشرة الإخبارية الزوالية، حيث حصل ما لم يكن في الحسبان. ما أن أنهى مقدم النشرة آخر فقرة إخبارية، حتى شرع في توديع المستمعين على أمل اللقاء بهم في نشرة أخرى، كما تنص على ذلك أعراف التقديم الإخباري، حتى انطلقت مطربة مصرية في شذوها وهي تغني قطعة «يا فرحتي يا فرحتي»، وهي أغنية مبرمجة قبل الإطاحة بالرئيس الجزائري، وهي مصادفة أن تكون قطعة غنائية بما تحمله مضامينها من فرح وسعادة مبرمجة في تلك الفترة وعقب إذاعة خبر انقلاب ضد الرئيس الجزائري بن بلة».
عقد اجتماع عاجل في مقر الإذاعة وكان على جدول الأعمال نقطة وحيدة: «الاختيارات الغنائية»، وجهت أصابع الاتهام طبعا للبرمجة القبلية للمواد الغنائية مع ما ترتب عنها من مشاكل سياسية، وخرج المجتمعون بقناعة واحدة، هي منع إدراج الأغاني العاطفية بعد نشرات الأخبار، وإصدار قرار ببرمجة موسيقى أندلسية مباشرة بعد أنباء الظهيرة، منذ ذلك الحين أصبح الطرب الأندلسي بكل أصنافه حاضرا بقوة في فترة ما بعد الزوال دون أن يعرف كثير من المغاربة سبب ذلك.
سلطات الجزائر تمنع محمد العنقى من الغناء بالمغرب
ظل المطرب الجزائري عاشقا للمغرب مترددا على المدن الشرقية خاصة وجدة، فقد نسج قيدوم الأغنية علاقة مع مكونات الفن المغربي، بالرغم من الحصار الذي عانى منه في بلده.
كشف ابن العنقى في حوار مع صحيفة النهار الجزائرية، عن حصار والده، وقال إن والده عميد الأغنية الشعبية مات وهو لا يملك حتى ثمن كفنه، وأن السلطات الجزائرية منعت والده من السفر إلى المغرب بعدما عرض عليه الملك المغربي الحسن الثاني الاستقرار في المملكة وعرض عليه العيش على نفقة البلاط الملكي، كما أكد تلميذه الفنان كمال فرج الله، أن الحاجة دفعته إلى إحياء الأعراس رغم مرضه من أجل قوت عائلته، وهو ما أغضب الملك الحسن الثاني الذي كان متيما بقصائده الذي اقترح عليه قضاء ما تبقى من حياته في المغرب، إلا أن السلطات الجزائرية رفضت ومنعته من التغني بمبادرة الملك.
وقال تلميذه كمال فرج الله، «الشيخ العنقى لم يكن يملك ثمن كفنه عند وفاته.. الشيخ كان يعمل في الإذاعة ثم توقف نتيجة المعاملة السيئة والإهانة التي تعرض لها من المدير آنذاك»، وتابع فرج الله ذكرياته مع الشيخ قائلا، «أتذكر يوما كان معي في السيارة وأخرج رسالة بعث له بها الملك الحسن الثاني، كان يطلب منه الاستقرار في المغرب مقابل فيلا ومرتب شهري كبير وامتيازات متعددة، ولما توجه إلى وزارة الاتصال آنذاك ليطلعهم على محتوى الرسالة، رفضوا خروجه من البلاد جملة وتفصيلا»، مضيفا: «توفي الحاج في مستشفى مصطفى باشا وحده متألما من الوضعية التي ترك عليها، ولم يلق اهتمام المسؤولين رغم ما قدمه للفن الشعبي في المغرب العربي كاملا وليس الجزائر فقط، لقد مات وقلبه يتألم، وكان ألم الحسن الثاني على فراقه كبيرا».
وعلى الرغم من الحصار المضروب على الشيخ في علاقته مع الملك الحسن الثاني، إلا أن الفنان الجزائري ظل عاشقا للمغرب، من خلال أغنية «الحمد لله ما بقاش الاستعمار في بلادنا»، التي تتضمن مقاطع في مدح الملك الراحل الحسن الثاني ملك المغرب ورئيس تونس.
قدر للعنقى أن يموت في عز الصراع المغربي الجزائري، وتحديدا في 23 دجنبر 1978 تاركا وراءه تراثا موسيقيا وجمهورا عريضا.
مطرب يهودي جزائري يحرج الحكومة الجزائرية
ظهرت بوادر أزمة سياسية أثناء وضع مشروع زيارة أنريكو ماسياس للجزائر، والتي اعتبرتها أوساط إعلامية معينة «عملية تطبيع شعبي مع اليهود الفرنسيين من أصل جزائري»، ليكونوا حصان طروادة للوجود الإسرائيلي المؤثر، فقد رفضت وزارة الثقافة الجزائرية الترخيص للمغني اليهودي رغم أصوله الجزائرية، كي يحيي حفلاته في الجزائر، وقيل له إن الوضع الحالي لا يشجع على إقامة الحفل مع دعوته لتأجيله.
اسمه الحقيقي «غاستون غريناسي»، وهو مغن يهودي فرنسي من أصل جزائري. ولد في 11 دجنبر 1938، في الحي اليهودي بقسنطينة، اشتهر بلقب «مطرب المليون منفي» كناية عن «الأقدام السوداء»، وهو دائم التغني بالجزائر وخاصة مدينة قسنطينة. أشهر أغانيه «قسنطينة»، و»غادرت موطني» و»سولنزارا».
«لا أحد منع المطرب الفرنسي إنريكو ماسياس من زيارة الجزائر»، بهذه العبارة رد وزير الاتصال الجزائري السابق ناصر مهل، عن القضية التي شغلت الرأي العام منذ 2007، بعد منع المطرب الفرنسي اليهودي من أصل جزائري من دخول الجزائر وزياره مسقط رأسه في قسنطينة شرق الجزائر بسبب دعمه للأطروحة الإسرائيلية بماله وفنه، وأضاف الوزير الجزائري بأن الفرنسيين الذين يرغبون في زيارة الجزائر مرحب بهم بمن فيهم إنريكو ماسياس.
ووفقا لصحفية الوطن الجزائرية، فقد ربط المسؤول الجزائري ما حدث من ضجة حول الزيارة بقوله «هناك ميل كبير في الجزائر لالتزام الصمت لأننا لا نريد خلق المشاكل، اليوم وقد انقضت سنوات عن ذلك وأنا عضو في الحكومة الجزائرية لا يسعني سوى تكذيب ماسياس».
فريد الأطرش مغضوب عليه في الجزائر بسبب أغنية «بساط الريح»
رغم أنه كان يحب الجزائر، التي سبق أن زارها قبل الاستقلال وحط رحاله بكل مدنها الكبرى، مثل وهران والعاصمة، وقسنطينة وعنابة، إلا أن فريد الأطرش سيؤدي ثمن أغنيته الشهيرة بساط الريح التي ذكر فيها عددا من الدول ولم يذكر الجزائر في أواخر الخمسينيات.
جاءت زيارة فريد للجزائر سنة 1952 لتمثل حدثا عظيما لأنه كان الفنان المعشوق من الجزائريين والعرب، إلا أنه تعرض للرشق بالطماطم من محسوبين على الجمهور الجزائري، لأن الحفل الذي أحياه بالجزائر تم تحت إشراف متعهد حفلات يهودي، ولم تكن مضت على نكبة 1948 بفلسطين سوى بضع سنوات، حينها قرر فريد إسقاط الجزائر من رائعته بساط الريح، وليس العكس كما يظن الكثيرون لأن فريد زار فعلا الجزائر قبل أغنيته المذكورة.
وقال فريد الأطرش، في آخر كتبه، «إنه يحلم بالعودة للجزائر المستقلة وأداء أغنية على شرف المجاهدين»، وللأسف توفي، ولم توجه له الدعوة مع العلم أن «بساط الريح» لم يذكر فيها عدة دول عربية، مثل دول الخليج العربي واليمن والسودان وليبيا، وذكر فيها سوريا ولبنان، ومصر وتونس، والمغرب والعراق فقط.
تعرض فريد في قسنطينة لهجمة شرسة غير متوقعة، إذ دخل المتفرجون إلى المسرح محملين بالطماطم انهالت على جسد فريد الأطرش الذي قرر بعد ذلك إسقاط الجزائر من رائعته «بساط الريح»، ليس العكس كما يظن الكثيرون لأن فريد زار فعلا الجزائر قبل أغنيته بساط الريح.
يقول محيي الدين عميمور وزير الإعلام والثقافة الجزائر السابق: «كثير من المطربين المصريين أحيوا سهرات في الجزائر كعبد الحليم حافظ وشادية في حفل الذكرى الأولى لاستقلال الجزائر وحين بدأ التفكير في اسم أم كلثوم لتزور لأول مرة الجزائر، ذكر مقترح اسم كوكب الشرق، لكني أسقطت اسمها لأنها لم تغن أبدا للثورة الجزائرية أيام محنتها، كما سقط اسم فريد الأطرش الذي غنى في ملحمة بساط الريح العديد من بلاد العالم العربي، ولم يذكر الجزائر».
وأضاف عميمور: «بدأت المبادرة بإقناع زوج وردة، بالسماح لعقيلته بأن تؤدي أغنية واحدة للجزائر، من كلمات الشاعر الجزائري الراحل صالح خرفي وألحان أحد عمالقة الموسيقى العربية، وتعود إلى بيتها، وقبل الزوج العسكري بعد أن علم بأن الاقتراح شارك فيه الرئيس هواري بومدين. من هنا بدأت قصة حب بلحن وتبعه انفصال وردة عن زوجها العسكري الجزائري في نفس الشهر، وهجرتها إلى مصر».