صحيح ما قاله إدريس لشكر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي من كون الفساد يعشش في المؤسسات والمقاولات العمومية للدولة وتجب محاربته على جميع الأصعدة، وليس الاقتصار فقط على “الجزئيات الصغيرة” للمتصرفين في المال العام داخل المجالس المنتخبة.
لكن ليسمح لنا الأخ إدريس أن نختلف معه حول تسمية “الجزئيات الصغيرة”، لأن المجالس المنتخبة والتسيير الجماعي في المغرب هو العقبة الحقيقية أمام التنمية، وهو لوحده يكلف ميزانية الدولة مئات المليارات كل سنة تذهب نحو جيوب رؤساء جماعات مرتشين وفاسدين تحولوا خلال سنوات تسييرهم إلى مليارديرات بعدما دخلوا السياسة حفاة عراة.
صحيح أن الفساد وسوء الحكامة داخل المقاولات العمومية كلف خزينة الدولة في سنة 2021 وحدها 330 مليارا، فيما المنازعات القضائية ضد الدولة وصلت 20 ألف قضية، وحتى الأحكام التي في صالح الدولة والمقدرة بحوالي 83 مليون درهم لم تنفذ ضد الشركات والأشخاص، والنتيجة أن خزينة الدولة تسجل اليوم عجزا يقدر بألف مليار.
لكن عندما نراجع قوائم الميزانيات التي بددها مسيرو الشأن المحلي والجماعي والجهوي طيلة سنوات تسييرهم وأقسم بالله لو أن القضاء يسترجع هذه الأموال المنهوبة لحل المغرب جميع مشاكله المالية ولما احتاج اللجوء إلى الاقتراض من الخارج.
ولعل من سخريات القدر أن يكون وزير الوظيفة العمومية السابق مبدع الفقيه بنصالح مهندس الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد الممتدة إلى 2030 هو نفسه الضحية الأولى لهذه الاستراتيجية.
إذن فالجماعات المحلية هي أصل مشاكل كل المغرب وسبب الاحتقان الاجتماعي الذي تعرفه جهاته اليوم، رغم أن الإطار القانوني والتنظيمي المؤطر لعملها، بالاستناد إلى توجهات الدستور الجديد، خول لها صلاحيات واسعة.
ولتحقيق ذلك، تعتمد الجماعات الترابية في تمويل المشاريع على ميزانياتها الخاصة، أما إذا كانت المشاريع تفوق إمكانياتها المادية فإنها تلجأ إلى عقد شراكات في ما بينها أو مع الدولة أو الهيئات العمومية وكذا مع القطاع الخاص، كما تناط بالجماعة داخل دائرتها الترابية مهام تقديم خدمات القرب للمواطنات والمواطنين في إطار الاختصاصات المسندة إليها بموجب القانون التنظيمي الجديد، وذلك بتنظيمها وتنسيقها وتتبعها، ولهذه الغاية، تمارس الجماعة اختصاصات ذاتية، واختصاصات مشتركة مع الدولة في عدة مجالات ذات العلاقة مع العيش اليومي للمواطن، ومنها على الخصوص تنمية الاقتصاد المحلي وإنعاش الشغل، والقيام بالأعمال اللازمة لإنعاش وتشجيع الاستثمارات الخاصة، سيما إنجاز البنيات التحتية والتجهيزات والمساهمة في إقامة مناطق للأنشطة الاقتصادية وتحسين ظروف عمل المقاولات.
ولكي نوضح للكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي أن الأمر لا يتعلق بجزئيات “صغيرة” كما قال ولكن بأموال ضخمة فعلينا أن نوضح أن الجماعات المحلية تتصرف في مبالغ مالية كبيرة من أموال دفعي الضرائب، فبالإضافة إلى المداخيل الجبائية للجماعات والمداخيل المحصلة من الأملاك العقارية ومختلف الأملاك الجماعية، هناك صندوق خاص لتمويل الجماعات المحلية عبارة عن حساب خصوصي يسمى “حصة الجماعات المحلية من منتوج الضريبة على القيمة المضافة”، وذلك لتمكين الجماعات من موارد مالية كافية تمكنها من الحفاظ على توازنها المالي والاضطلاع بالمهام المنوطة بها، ويتم تمويل هذا الصندوق من حصة لا تقل عن 30 في المائة من منتوج الضريبة على القيمة المضافة المحصلة على الصعيد الوطني، وإلى حدود متم السنة الماضية بلغ الحجم الإجمالي للمبالغ المرصودة في هذا الحساب ما يناهز 28 مليار درهم.
وهناك مصدر تمويلي آخر تستفيد منه الجماعات، وهو “صندوق التجهيز الجماعي” التابع لوزارة الداخلية، لكن عوض توجيه القروض التي تحصل عليها الجماعات من هذا الصندوق لتمويل المشاريع التنموية والبنية التحتية، تحول الصندوق إلى كنز تذهب أمواله إلى جيوب بعض رؤساء الجماعات وشركات الأهل والأصحاب، حتى أن أحد المقاولين الذي سقط مؤخرا مع مبدع الفقيه بنصالح كان يتعهد بجلب الميزانية بنفسه من الصندوق لرؤساء جماعات مقابل أن ترسو عليه صفقات التوفنة والترصيف والتزفيت.
لذلك فالحملة التي تشنها الداخلية والقضاء على رؤساء الجماعات الفاسدين الذين اغتنوا من المال العام هي حملة ضرورية وحيوية لاستقرار البلاد الاجتماعي ويجب أن تستمر إلى حين استرجاع آخر درهم من الأموال التي وزعها هؤلاء اللصوص على حسابات زوجاتهم وأبنائهم.
واليوم بسبب تعهدات المغرب أمام الاتحاد الأوروبي للخروج من المنطقة الرمادية لغسيل الأموال فإن كل من تتم متابعته أمام جرائم الأموال يتم فتح ملف مواز له بتهمة التبييض وغسيل الأموال ويتم تفعيل الحجز على كل ممتلكاته وممتلكات أفراد عائلته.