وليد عثمان
قد تسمح المصطلحات المراوغة وألاعيب التفسير والتلاعب بالمواد القانونية، بأن تخلص محكمة العدل الدولية في لاهاي إلى أن ما يعانيه الفلسطينيون في غزة ليس إبادة جماعية.
لم يمنع ذلك الاحتفاء بطلب المحكمة في قرارها الأولي، بعد نظر الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، وتتهمها فيها بارتكاب «إبادة جماعية» في غزة، أن تتخذ من التدابير ما يمنع أي أعمال يمكن اعتبارها كذلك، بالإضافة إلى إدخال المساعدات إلى القطاع.
هذه لعبة قانونية قد لا تنتهي، كما يحدث كثيرا، بنصرة صاحب الحق، لكن كيف يمكن تفسير الإنكار الأمريكي لنتائج الاستهداف الإسرائيلي لقطاع غزة في ما يخص ضحاياه من الفلسطينيين وهم يقتربون من الثلاثين ألفا، وفق التقديرات التي قد لا تكون نهائية ولا دقيقة؟ قد لا يصنف جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، ما تفعله إسرائيل في قطاع غزة كمؤشرات على إبادة جماعية، فليس متوقعا من إدارته غير ذلك، لكن من أين أتته جرأة التعامي عن الضحايا المدنيين وتحويلهم في لحظات إلى صفر؟ والأعجب أن كيربي، على درب عدد من أركان الإدارة الأمريكية، يصر على أن يكون إسرائيليا أكثر من الإسرائيليين الذين خلص واحد منهم إلى أن حملة القصف الجوي التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة غير مسبوقة، وأنها تسببت في وقوع قتلى من المدنيين بنسبة أعلى من متوسط ضحاياهم في جميع حروب القرن العشرين.
صفر كيربي لن يكون على كل حال الأشهر في هذه المأساة، فلا يزال في الصدارة صفر المسافة الذي يضع قوات إسرائيل و«حماس» في مواجهات مباشرة خلال الحرب يستهدف فيها مقاتل الحركة الآلية العسكرية وينتصر عليها.
وبصفرٍ لمثله، على طريقة المنازلات الرياضية، ما زالت الحرب دائرة بلا منتصر، فلم تنجح إسرائيل حتى الآن في تحويل «حماس» إلى صفر لا معنى له في المعادلة الفلسطينية، ولا الحركة نجحت في جعل عدد المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية صفرا.
ولا بأس من التذكير العارض بأن ما جرى في السابع من أكتوبر الماضي أعاد المنطقة إلى نقطة الصفر، بعد أن كانت متجهة إلى استقرار بدا أن كل الأطراف تتوخاه، وبعضهم رفع راية تصفير المشكلات المزمنة، بل بانت ملامحه في مصالحات ومقاربات لمشكلات مزمنة.
هذه المشكلات عادت بصيغ أكثر خطورة، وتبعثرت الأوراق أكثر، أفلا يحق التساؤل عن المستفيد من تصفير كل هذه الجهود وإعادة وضع المنطقة على حافة الاشتعال؟