عندما ارتدى الكوميدي الفرنسي من أصل مغربي جمال الدبوز قميصا نصفه يمثل القميص المغربي ونصفه الثاني يمثل القميص الفرنسي عندما واجه المغرب فرنسا خلال مونديال قطر فقد كان يعرف أنه لو اكتفى بارتداء القميص الوطني المغربي لكان وقع على نهاية مساره الفني ومسار شركاته كرجل أعمال.
حالة جمال الدبوز ليست كحالة جاد المالح الذي لم يتردد في ارتداء قميص المنتخب الوطني، فهذا الأخير لم ينس الجحيم الذي كان يعيشه في فرنسا أمام مكاتب الهجرة كلما أراد تجديد بطاقة الإقامة، وقد سبق له أن تعرض لذلك بسخرية في أحد عروضه. جمال الدبوز ولد في فرنسا وهو يدين بشهرته ونجاحه وثروته لفرنسا، ولو أن أسهمه في شركة أفونسين التي يشترك فيها مع ميريام أبيغزير تجلب له أرباحا سنوية وفيرة بفضل الصفقات المجزية التي تفوز بها في المغرب.
وفي الوقت الذي يعطي جاد المالح حوارات مع مواقع وقنوات فرنسية يرفع فيها من شأن المغرب والمغاربة نرى كيف أن جمال الدبوز بنى مجده الفني على ظهر السخرية من المغرب والمغاربة، بدءا بوالديه اللذين جعل منهما مادة دسمة للسخرية والتندر. وهو بذلك يظل منسجما مع ما يريد الذوق الفرنسي المتعجرف أن يسمعه ويضحك منه حول المغربي والمسلم المتخلف. ويمكن أن نقول إن الدبوز هو النسخة الشفاهية من الطاهر بنجلون الذي يكتب “كارت بوسطالات” حول المغرب تنسجم مع الأفكار الجاهزة التي للفرنسيين حول المغرب يسميها روايات وينال عنها جوائز فرنسية.
مناسبة هذه المقدمة هي أن عناصر اللوبي المغربي داخل دواليب القرار الفرنسي تتعرض هذه الأيام لحملة اقتلاع منظمة، وآخرها كان مقدم الأخبار الفرنسي من أصل مغربي في قناة BFMTV رشيد مباركي الذي تم توقيفه ومنعه من تقديم النشرات بسبب ذكره لكلمة الصحراء المغربية، مما عدته إدارة القناة تحيزا للمغرب.
وهكذا لم تجد إدارة القناة حرجا في توقيف مغربي حارب والده في صفوف الجيش الفرنسي من أجل استقلال فرنسا.
هناك مغاربة كثيرون يشتغلون في وسائل الإعلام الفرنسية بعضهم تحولوا إلى نجوم مثل علي بادو الذي يقدم برنامجه الخاص على القناة الخامسة أو عزيزة نايت سي باها التي تقدم أيضا برنامجها على قناة فرانس 24، وتبيع دوزيم برامجها عبر شركة إنتاجها بالمغرب بعشرات الملايين، لكن لا أحد بينهم يستطيع أن يفتح فمه ويغامر بالدفاع عن مغربية الصحراء أو مصالح المغرب داخل المؤسسات الإعلامية التي يشتغل فيها، أو على الأقل أن يمسك لسانه عن جلد المغرب في جلسات السلخ التي تنظمها القنوات الفرنسية على “شرف” المغرب، خصوصا فرانس 24، التي يشتغل بعض الصحافيين المغاربة في الكواليس لإعداد برامج تهاجم المغرب.
وحتى عندما يعطي سفير فرنسا الجديد بالرباط حوارا لمجلة تيل كيل ويتصدر غلافها في اليوم نفسه الذي يزور فيه رئيس الحكومة الإسبانية المغرب، والذي خصصت له المجلة الفرنكوفونية صفحتين في الوقت الذي خصصت لحوار السفير الفرنسي عشر صفحات كاملة، ويقول إن فرنسا لا علاقة لها بتصويت البرلمان الأوروبي ضد المغرب فإنه لا يفعل غير إخفاء الشمس بالغربال، لأن قرار التصويت كان سياسيا لدولهم ولم يكن اختياريا شخصيا للنواب الأوروبيين.
لقد كانت جريدة ”الإيكونوميست” واضحة عندما كتبت أن فرنسا تتخلى عن المغرب لصالح الجزائر بسبب الغاز، مؤكدة أن العلاقات بين فرنسا والجزائر تعرف خلال الفترة الأخيرة تطورات إيجابية ترجمتها الزيارات الرسمية بين مسؤولي البلدين. أي أن الجزائر تتحالف مع جلادها السابق فقط لكي تضر بمصالح المغرب.
ومن بين بنود الصفقة السرية بين شنقريحة وماكرون استعمال وصم “إرشاء النواب” و”التجسس” لتحييد كل أصدقاء المغرب سواء داخل البرلمان والاتحاد الأوربي أو داخل دواليب الدولة العميقة الفرنسية، وذلك بإلصاق وصم المنبوذ على ظهره بهدف عزله.
نعم للمغرب أذرع في الإعلام والاقتصاد والسياسة الفرنسية، لكن هذه الأذرع بدأت منذ السنوات الأخيرة تشيخ، والمشكلة هي أنه ليس هناك خلف.
فمهدي قطبي مثلا الذي استطاع طيلة حياته الفنية أن ينسج علاقات متشعبة داخل أروقة قصر الإليزي، خصوصا في فترة جاك شيراك، أصبحت تواجهه الأبواب المغلقة، وهذا طبيعي، فعاشق المامونية بمراكش جاك لانج الذي يدير مؤسسة هامشية مثل معهد العالم العربي بباريس ليس هو جاك لانغ الوزير الذي كان يوشوش في آذان الرؤساء. وحتى جاك أتالي الذي كان مستشار جميع الرؤساء الفرنسيين خبا وهجه، ناهيك عن إيدغار موران الذي تجاوز القرن من العمر، أو دومينيك ستروس كان الذي يوطن شركاته حسب التخفيضات الضريبية والذي لم تعد نصائحه المالية تجدي المغرب نفعا بعدما أعلن عليه رفيق دربه السابق في الحزب الاشتراكي موسكوفيتشي الحرب داخل فرنسا والبرلمان الأوربي، فأصابت مشروع كازا فينونس سيتي شظايا من قذائف هذه الحرب.