شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

أسلحة مدرسية

وقع، قبل سنوات، حادث اعتداء بالسلاح الأبيض على طالبة في الصف الثانوي تدرس بإحدى مدارس البعثات الأجنبية. وقائع الاعتداء، كما رواها الأب بانفعال وحزن كبيرين، ترجع تفاصيلها إلى تربص أحد الشباب بالتلميذة اليافعة وملاحقته لها بشكل متكرر، وما صاحب ذلك من تحرشات لفظية وجسدية سبقت واقعة الاعتداء الفعلي.

مقالات ذات صلة

أتذكر كلمات الأب المكلوم الذي فسر كيف أن فلذة كبده تعرضت لإصابات بالغة على مستوى الوجه والعنق شوهت مظهرها، بل وكادت تودي بها إلى موت محقق. أتذكر، كذلك، ما صرح به هذا الرجل للصحافة الوطنية، حين قال إنه قادر على دفع أموال طائلة للجراحة التجميلية لترميم المظهر الخارجي لابنته، لكنه تساءل بحرقة عن استحالة ترميم الشرخ الذي أصاب نفسية الطالبة وأسرتها الصغيرة.

لقد كان هذا الحادث البشع من أكثر وقائع العنف المدرسي التي تركت أثرا عميقا في ذاكرتي، وذلك لاعتبارات عدة أولها أن أسرة الفتاة المعتدى عليها تنتمي لشريحة اجتماعية مرفهة، إضافة إلى وقوع حادث الاعتداء في محيط بعثة أجنبية خاصة يدرس بها أبناء الطبقة المخملية. الأمر الذي جعلني أتساءل، حينها، كيف للعنف المدرسي أو العنف بصفة عامة أن يطول علية القوم الذين يحتمون خلف أسوار فيلاتهم الفخمة وإقاماتهم المحروسة في دولة «موروكو»، من شراسة و«تشرميل» و«تشنضيل» سكان دولة «المغرب».. هل نجح العنف في تحقيق العدل بين المغاربة؟ وهل نحن متساوون أمام الترهيب والترويع؟ واقع الحال يؤكد أن المغاربة، بمختلف شرائحهم الاجتماعية وأرقام معاملاتهم البنكية، ليسوا بمنأى عن خطر السلاح الأبيض.

في هذا السياق، تداولت صفحات عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي، الأسبوع الماضي، فيديو لطالب تعرض لعدة طعنات على مستوى الظهر من طرف طالب آخر كان قد تحرش في وقت سابق بأخته التي تدرس بالمؤسسة نفسها. شهادة الضحية وأفراد أسرته مؤثرة ومقلقة في الوقت ذاته، لما تثيره مثل هذه الحوادث الخطيرة من علامات استفهام حول واقع الأمن المدرسي في بلادنا. فلماذا أصبح السلاح الأبيض أكسسوارا يزين حقائب الطلاب في المدارس؟ ولماذا تحولت المدرسة إلى ساحة اقتتال بدل فضاء للتعلم والتثقيف؟

في السنوات الأخيرة، حظيت قضية العنف في المدارس المغربية باهتمام متزايد من جانب المعلمين وصناع السياسات والمجتمع ككل. وفي حين يُنظَر إلى التعليم على نطاق واسع باعتباره وسيلة للتنمية الشخصية والمجتمعية، فإن وجود العنف في المدارس يقوض هذه الأهداف، ويعطل بيئة التعلم ورفاهية الطلاب والمعلمين. يمكن أن يتخذ العنف في المدارس المغربية أشكالا مختلفة، بما في ذلك الإساءة الجسدية واللفظية والنفسية، وأسبابه متعددة الأوجه. إن فهم جذور هذه المشكلة وعواقبها والحلول المحتملة أمر بالغ الأهمية لخلق بيئات تعليمية أكثر أمانا وفعالية.

يشكل السياق الاجتماعي والاقتصادي الذي يعيش فيه العديد من الطلاب أحد العوامل المؤثرة في الفعل العنيف. يمكن أن يؤدي الفقر والبطالة وعدم المساواة الاجتماعية إلى الإحباط والعدوانية، التي قد تتجلى في السلوكيات العنيفة في الفصل الدراسي. قد يواجه الطلاب من خلفيات مهمشة ضغوطات إضافية في المنزل، مثل العنف المنزلي أو التحديات المادية، مما يجعلهم أكثر عرضة لإظهار السلوك العنيف في المدرسة كوسيلة للتعبير عن إحباطهم أو السعي إلى السيطرة في موقف عاجز.

من الملاحظ أن غياب سياسات تأديبية واضحة ومتسقة في بعض المدارس المغربية يمكن أن يساهم في خلق بيئة يزدهر فيها العنف. غالبا ما تفتقر المدارس إلى الموارد الكافية أو التدريب للمعلمين والموظفين على حل النزاعات أو إدارة السلوك. في بعض الحالات، قد لا يتدخل المعلمون في وقت مبكر بما يكفي لمنع العنف أو قد يفتقرون إلى السلطة لفرض الانضباط بشكل فعال، مما يؤدي إلى تصعيد النزاعات.

تلعب المواقف المجتمعية التقليدية تجاه السلطة والقوة والانضباط دورا أيضا. يتم في ثقافتنا التطبيع مع العقوبة البدنية أو التدابير التأديبية القاسية سواء في المنزل أو في المدارس. قد يلجأ المعلمون إلى العقوبة البدنية أو الإساءة اللفظية للحفاظ على السيطرة، مما قد يؤدي بدوره إلى تعزيز حلقة من العنف بين الطلاب.

يجب أن لا نغفل الجانب النفسي كأحد أهم العوامل المسببة للعنف. يعاني العديد من الطلاب من مشاكل نفسية وعاطفية بسبب الضغوط الأكاديمية أو الخلافات الأسرية أو التحديات الشخصية. بدون الوصول إلى المشورة المناسبة أو الدعم الصحي العقلي، يمكن أن تؤدي هذه الأمور إلى العدوان والسلوك المشاغب في المدرسة. يؤدي نقص علماء النفس المدرسيين المدَربين في المدارس المغربية إلى تفاقم هذه المشكلة.

التنمر، أيضا، مظهر شائع للعنف في المدارس، وغالبا ما يكون مدفوعا بضغوط الأقران والمنافسة الاجتماعية. قد ينخرط الطلاب في التنمر كوسيلة لكسب المكانة الاجتماعية أو التوافق مع مجموعات معينة. إن الطبيعة الهرمية للحياة الاجتماعية في المدرسة، حيث يهيمن الطلاب الأقوى أو الأكثر شعبية على أقرانهم الأضعف أو المهمشين، يمكن أن تعزز بيئة يصبح فيها العنف جزءا مقبولا من التفاعلات اليومية. أمام هذه العوامل الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، لا نملك إلا أن نتساءل عن أي مستقبل ينتظر المدرسة المغربية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى