أسعار تكوي وسياسة بلا حياء
تراجعت أسعار النفط والحبوب إلى ما قبل الحرب الروسية الأوكرانية، ومع هذا الانخفاض، ينتظر المغاربة أن ينعكس ذلك على منظومة الأسعار الوطنية، التي أصبحت تلهب جيوبهم. لذلك يحتدم في بلدنا الآن نقاش مشروع ومطلوب، حول تأثير هذا الانخفاض الدولي على الأسعار الداخلية، حيث أصبح “الهاشتاغ” المستخدم في مواقع التواصل الاجتماعي، هو المطالبة بتخفيض ثمن الغازوال إلى 7 دراهم، والبنزين إلى 8 دراهم، وهما الثمنان اللذان كانا قبل تفجر الحرب بين كييف وموسكو.
لا شك أن المغاربة تحملوا على مضض آثار الأزمة المالية العالمية على القطاعات المختلفة، لكن الثابت الوحيد في هذه الأزمة، هو أن الأسعار العالمية للعديد من السلع في تراجع، وعلى ذلك أن ينعكس وبسرعة في انخفاضات ملموسة للتخفيف من الارتفاعات الصاروخية التي لم تخطر على بال، فلا يعقل أن ترتفع الأسعار برمشة عين، حينما ترتفع في الأسواق العالمية، وتنخفض بسرعة السلحفاة حينما تنخفض الأسعار في مصادرها. لذلك على الحكومة أن تسارع في تخفيض الأسعار، سيما المحروقات، وهذه مسؤوليتها الدستورية والسياسية.
لكن في قلب هاته المطالب المشروعة بتخفيض الأسعار وهي مطالب تجتاح العالم، تختبئ الشعبوية الفجة وتجار المآسي وبطولة الفاشلين سياسيا، الذين يريدون استرداد ما فقدوه بالانتخابات بالمزايدات والابتزاز والتماهي مع لغة الشارع. فما معنى أن من تسبب في تحرير المحروقات، ويحصل على معاش بـ7 ملايين، أو من يتلذذ بمعاشات وزارية أن يعطوا الدروس اليوم؟ فهذا منتهى السياسة بلا حياء.
أن يكون المواطن مع المطالب المشروعة بتخفيض الأسعار، فهذا أمر ضروري وطبيعي لمصلحة البلاد والعباد، ومن خلاله تحد سلطة الرأي العام باقي السلط. لكن أن ننجر وراء “هاشتاغات” و”تراندات” بشكل أعمى وبصك على بياض، فهذا سيقود حتما المؤسسات نحو أفق مجهول. لا ينبغي أن ننسى أننا بلد له دستور ومؤسسات وتقاليد، وفوق كل ذلك ملكية هي مؤسسة المؤسسات التي تبقى الملاذ لحماية الوطن والمواطن. لذلك لا يمكن أن نغير الحكومة بـ”التراند” أو “الهاشتاغ”، ونعلم مصير الدول التي ذهبت ضحية هذه اللعب الافتراضية وكيف تحولت إلى دول فاشلة.
في المقابل الحكومة ليست مقدسة ولا محصنة، وهناك طرق متعددة لإسقاطها، سواء عبر ملتمس الرقابة، أو أن يعفيها جلالة الملك إذا رأى في ذلك مصلحة للبلد، أو أن يقرر حل مجلس النواب وإجراء انتخابات سابقة لأوانها، أو أن يرى رئيس الحكومة أنه غير قادر على مواصلة عمله فيقدم استقالته. لكن أن يصبح تغيير الحكومة كتغيير مدرب كرة قدم ثارت في وجهه الجماهير، هذا سيقود العبث والتلاعب بالمؤسسات، والخطير أننا في هاته اللعبة الإلكترونية لا ندري حجم الأيادي الخفية الخارجية التي تتحرك من وراء الهواتف والحسابات الوهمية والذباب الإلكتروني، لضمان الانتشار لإسقاط الحكومة بطرق ملتوية.
خارج بوتقة الحكومة ومعارضيها والمزايدات بين تجار الأزمات، أعتقد أن بلدنا جدير بالأفضل، فالدولة لم تعد تحتمل لا الهواية التدبيرية لبعض الملفات ولبعض الوزراء ولا الهواية السياسية والمغامرات الشعبوية، لمن يتاجر في مآسي الناس بـ”هاشتاغات” من وراء شاشات غير ذكية.