النعمان اليعلاوي
تواصل أرقام الإصابات الجديدة بفيروس كورونا ارتفاعها المتزايد، بعد تجاوز عدد الحالات الجديدة عتبة العشرة آلاف حالة يوميا، كما تسجل أعداد الوفيات تزايدا مضطردا قارب عتبة المائة حالة يوميا، في الوقت الذي باتت المنظومة الصحية والفاعلون فيها يحذرون من خطر الانهيار، مع ارتفاع الضغط في الحالات الجديدة. وفي ظل هذه الأوضاع الصعبة المرتبطة بانتشار الوباء، بدأت ترتفع الأصوات في أوساط المجتمع منددة بممارسات عدد من المختبرات الخاصة، المرخصة لإجراء تحاليل الكشف عن الوباء، إذ يعد الاختبار رابطا أساسيا في عملية الكشف والحماية.
وتزايدت الأصوات المنادية بالمراقبة الفعلية للمختبرات المرخصة من طرف وزارة الصحة، من أجل إجراء اختبار «pcr» للكشف عن الوباء، ومرد هذه الدعوات ما يراه المنتقدون ارتفاعا كبيرا في أسعار إجرائها، في مقابل ارتفاع الطلب على هذه التحاليل والكشوفات، وهو ما يرى فيه منتقدو المختبرات الخاصة «يقوض جهود الدولة في محاربة الوباء، حيث إن الأسعار التي تفرضها المختبرات لتلك الفحوصات ليست في متناول غالبية المغاربة، وهي التي تتراوح بين 600 و700 درهم، وبالتالي فالأسرة المكونة من 4 أشخاص على سبيل المثال، يتعين عليها دفع 2400 درهم حتى تتمكن من إجراء الاختبار».
أسعار التحاليل.. نقاش مستجد
بعد دخول أزمة كورونا عامها الثاني، وظهور الموجة الثالثة لانشار الوباء، مع تسجيل حالات واسعة من الإصابة بالمتحور الجديد «دلتا»، بدأت عدد من المؤسسات تستوجب حصول موظفيها أو أجرائها على كشوفات كورونا، بعد العودة من العطل أو للسفر والحصول على تراخيص، لترتفع بذلك الطلبات على تحاليل الكشف هذه، التي باتت حصرا بيد عدد من المستشفيات العمومية الكبرى أو المختبرات الخاصة، حيث يتم إجراء 40 ألف اختبار على الأقل يوميا في المغرب، وهي الاختبارات التي يتم إجراؤها لدى مختبرات محددة حصرا، حاصلة على ترخيص وزارة الصحة، وهي المختبرات التي لم يكن يتجاوز عددها في أكتوبر من السنة الماضية 18 مختبرا على الصعيد الوطني.
وتشير آخر الإحصائيات التي كشفتها وزارة الصحة إلى أن عدد التحاليل التي يتم إجراؤها بشكل يومي للكشف عن الإصابة بكورونا يقارب 40 ألف كشف في غالبية الأيام، فيما يرتفع في بداية الأسبوع ليصل إلى 100 ألف كشف، يكون نصيب المختبرات الخاصة منها يتجاوز النصف في بعض الأحيان، سيما في المدن الكبرى، حيث إن الاختبارات في المستشفيات العمومية لا يتحصل مجريها على شهادة تحمل نتيجة التحاليل، بخلاف المختبرات الخاصة، لهذا يفضل المواطنون مضطرين التوجه إلى المختبرات بدل المستشفيات.
وبعملية حسابية فإن كل مختبر من المختبرات المرخصة يقوم بإجراء 400 اختبار في المتوسط يوميا، وهو ما يكسب تلك المختبرات مداخيل يومية تصل إلى 280 ألف درهم، في حين تقل التكاليف المباشرة لتلك المختبرات عن إجراء تلك الكشوفات عن نصف هذا المبلغ. كما تلزم عدد من تلك المختبرات زبناءها بالأداء نقدا، وهو ما يفتح هامش عدم التصريح بالكلفة الكاملة والأسعار بشكل مفصل.
وفي السياق ذاته، نشر يونس معمر، المدير العام السابق للمكتب الوطني للماء والكهرباء، تدوينة انتقد فيها بشدة ارتفاع الأسعار التي تفرضها المختبرات لتحاليل الكشف عن كورونا. وقال الخبير الاقتصادي والمسؤول السابق إن «المختبرات الخاصة تقوض جهود الدولة في محاربة الوباء، من خلال فرض أسعار مرتفعة لإجراء الكشوفات»، موضحا أن «المختبرات الخاصة تجري الكشف عن الحمض الروبوزي بأسعار تصل إلى 700 درهم، مع العلم أن تكاليف التجهيزات التي يتطلبها المختبر لإجراء تلك التحاليل (جهاز تحليل) لا تتعدى مليون درهم (100 مليون سنتيم)، في حين أن تلك المختبرات تجري بشكل يومي 400 تحليلة وهو ما سيكسبها أرباحا تصل إلى 28 مليون سنتيم»، مشيرا إلى أنه «بعد خمسة أيام تتمكن تلك المختبرات من تحصيل كلفة الجهاز، لتبدأ في حصد الأرباح الصافية».
الكشوفات السريعة.. ضغط المختبرات
كانت وزارة الصحة قد راسلت الصيدليات، لسحب الكاشف اللعابي المعد للاستخدام التشخيصي المختبري في كشف فيروس كورونا، معتبرة أن الكاشف المخصص للاستخدام التشخيصي في المختبر قد تم طرحه للبيع في الصيدليات، من خلال موزعي الأدوية بالجملة، بدون ترخيص من الوزارة. وأشارت الوزارة إلى أنه عقب الشكاوى المتعلقة بهذا الكاشف، فقد تقرر سحب الدفعة 2101S701-01 / 2023 من الكاشف دون تأخير، علما أنه سبق بيع الدفعة الأولى من هذه الفحوصات بسعر 100 درهم، ليتم سحبها من الصيدليات في ما بعد، حيث لقيت رفضا كبيرا من طرف المختبرات.
وانتقد الصيادلة ما اعتبروها «الفوضى التي أضحت تعرفها هذه الاختبارات في السوق السوداء، وتداولها عبر المواقع الإلكترونية، وبعض المصحات والعيادات ومحلات البارا، دون أي تفاعل يذكر من مديرية الأدوية والوزارة الوصية». وقال محمد حبابي، رئيس كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب، إن «حالة الطوارئ الصحية التي تعيشها البلاد، تستوجب تكاثف الجهود في القطاع الصحي بين القطاعين العام والخاص»، فيما دعا «إلى التدخل العاجل لإيقاف بيع هذه الاختبارات بالسوق السوداء، والتي تفتح المجال لظاهرة التهريب، والتخبط المنهجي في المقاربات العلاجية».
ودفع الضغط الذي مارسته المختبرات على الوزارة، من أجل سحب الكشوفات السريعة من الصيدليات، إلى انتشار بيع اختبار الكشف السريع عن فيروس كورونا بمواقع التواصل الاجتماعي، واستجابة الصيدليات للوزارة الوصية على القطاع الصحي، غير أن بيع هذه الأجهزة صار يتم عبر مواقع التواصل، وهو ما سبق للكونفدرالية التحذير منه، إذ إن عدم تدخل الجهات المسؤولة يفتح الباب أمام السوق السوداء، ويشكل خطرا على صحة المواطنين.
وتتجه أصابع الاتهام إلى المختبرات الخاصة، في دفع وزارة الصحة إلى سحب الاختبارات اللعابية السريعة، وقالت المصادر إن «المختبرات التي تتوفر على ترخيص إجراء الفحوصات للكشف عن كورونا، تضغط من أجل سحب هذه الكشوفات منخفضة الكلفة، على اعتبار أن اختبارات الكشف عن كورونا التي تجريها تلك المختبرات تصل كلفتها إلى حوالي 700 درهم، في مقابل أن هذه الكشوفات السريعة لا تتجاوز أسعارها 120 درهما».