أسرار شخصية الكولونيل توفيق الملحق العسكري الجزائري في ليبيا عام 1981
يونس جنوحي
المُلاحَظ أن أغلب الذين شكلوا نواة «المافيا» التي يتحدث عنها هشام عبود في هذه المذكرات، ينحدرون من أوساط فقيرة جدا، وانتقموا من أصولهم بمجرد سيطرتهم على السلطة. ففي الوقت الذي أصبحت للجيش في الجزائر صلاحيات أكبر من صلاحيات الحكومة، كان همهم الأكبر مراكمة الثروة والتحكم في الاقتصاد، وخلق استثمار غير مشروع لشخصيات من الجيش، وإضعاف الحكومة.
حكومة الجنرال
كان الوزراء المدنيون في حكومة 1990 في موقع لا يُحسدون عليه. إذ في الوقت الذي ترأس فيه «كزينية» الحكومة، كان الجيش قد أطبق السيطرة تماما على كل الإدارات السيادية والاقتصادية، ولم يكن للوزراء أي دور يُذكر سوى أنهم ينفذون تعليمات الجيش.
فعلى سبيل المثال، لم يكن وزير النقل يملك صلاحيات تخول له البت في الصفقات، بقدر ما كان دوره صوريا. يقول هشام عبود في هذه المذكرات إنه عاش تجارب منها أن بعض الضباط الكبار كانوا يحملون سماعة الهاتف ويتصلون بوزراء في الحكومة ويعطونهم الأوامر لتنفيذها فورا بدون نقاش.
وإذا كان هذا حال الضباط الكبار، فكيف سيكون حال الجنرالات؟
لم يكن وزير النقل يملك سلطة البت في صفقات بناء الطرق أو تدبير تزويد النقل العمومي بالمحروقات. كان كل هذا من اختصاص جنرالات وبعض الضباط الذين عاشوا في ظل الجنرال توفيق.
الجنرال توفيق
هذا الجنرال الذي ذكره هشام عبود في مذكراته أكثر من بقية الشخصيات الأخرى، بدا واضحا أنه كان على قدر كبير من الأهمية.
كان برتبة ليوتنان عندما جاء الشاذلي بن جديد إلى السلطة نهاية 1978. وتزامن هذا الحدث الأليم بالنسبة لعدد كبير من الجزائريين مع ترقية توفيق إلى رتبة «كابيتان». لكن عددا قليلا فقط من رجال السلطة كانوا يدركون أن هذا «الكابيتان» كان في الحقيقة صهرا للرئيس الجديد للدولة، وتنبؤوا له بمستقبل «ما» مع الرئيس وزوجته التي رأينا كيف كانت بدورها تتحكم في دواليب الاقتصاد والصفقات.
لم تكن تلك الترقية بريئة، وسرعان ما انتبه صحافيون إلى هذا الرجل الذي كان ينتقل بسرعة قياسية لكي يصبح في الصف الأول. هشام عبود كان أحد هؤلاء الصحافيين وحاول قدر الإمكان اتقاء شره، لكن أقداره قادته إلى العمل في مكتب الجنرال نزار، وبالتالي كان عليه الاحتكاك مع توفيق طال الزمن أو قصر. بل إن هشام عبود اضطر إلى العمل مع الجنرال إسماعيل العماري الذي كان الجميع داخل القصر الرئاسي يتهمونه بتحمل مسؤولية ما في عملية اغتيال الرئيس بوضياف.
اشتغل توفيق في الإدارة العامة طيلة الأشهر الأولى لوصول الشاذلي بن جديد إلى السلطة. وبدأ بعض الموظفين وقتها يشتكون من سلطويته وشخصيته العسكرية الصارمة. وهذه المواصفات هي بالضبط ما كان يبحث عنه الجنرال خالد نزار ومن معه.
في سنة 1981 ستتم مكافأة الكابيتان توفيق بتعيينه ملحقا عسكريا في ليبيا، وهي فرصة ذهبية قدمت له لكي يجمع الثروة في الخارج ويربط علاقات وطيدة جدا مع الليبيين. فالكل كانوا يعلمون أن ذلك المنصب لم يكن دبلوماسيا بقدر ما كان مرتبطا بالمخابرات الجزائرية. وجلوسه على ذلك الكرسي في السفارة يعني أنه أصبح مكلفا بالملفات السرية والقذرة بين الجزائر وليبيا، في عز تمويل الدولتين للبوليساريو.
وهكذا فإن توفيق كان يستعد لكي يصبح جنرالا عن استحقاق، لأنه لعب دورا كبيرا في مخططات تمويل البوليساريو ودعم أطروحة الانفصال ضد المغرب.
في سنة 1987 سوف يحصل على رتبة ليوتنان كولونيل، وهي المحطة التي كانت تفصله عن الوصول إلى القمة. فالخدمات التي قدمها لبعض الجنرالات عندما كان ملحقا عسكريا في ليبيا آتت أكلها أخيرا.
بدا واضحا أن ترقيته تأخرت مقارنة مع ترقية بعض الشخصيات العسكرية الأخرى. والسبب هو انتماؤه إلى دائرة زوجة الرئيس. فقد كان هناك تخوف كبير منه رغم المسؤوليات الكبرى التي كُلف بها. فبالرغم من السند الذي كان يتوفر عليه، إلا أن الجنرالات تعاملوا معه بحذر شديد ولم يريدوا أن يمنحوه كل شيء بسرعة، حتى لا ينقلب عليهم، فقد كان داهية في وضع المخططات، وكانت لديه كل مقومات تنفيذ عمليات خطف الزعامة والاحتفاظ بها لنفسه فقط، وهو ما سيفعله مع بداية التسعينيات من القرن الماضي.