الداخلة: محمد سليماني
ما زال اختفاء الأسماك السطحية الصغيرة، وخاصة السردين من مصايد الأقاليم الجنوبية، يثير تفاعلات كثيرة، خصوصا أن هذه المصايد تنذر بأزمة كبيرة قد تستمر لفترة طويلة.
واستنادا إلى المعطيات، فقد فجّر عبد الرحيم كجيج، المدير الجهوي للمعهد الوطني للبحث في الصيد البحري بالداخلة، حقائق صادمة أمام عدد من المهنيين والمنتخبين في الصيد البحري، وذلك خلال أشغال الجمعية العامة الأخيرة لغرفة الصيد البحري الأطلسية الجنوبية، مبرزا أن الأزمة الحالية للسردين هي نتيجة طبيعية لسنوات من الضغط الكبير على المخزون C، ذلك أن المعهد اكتشف أنه «منذ سنة 2018 إلى 2023 سُجل تراجع في الإنتاج السمكي، وخاصة السردين، وهو ما أدى إلى تراجع في الكتلة الحيوية بنسبة تقدر بـ25 في المائة على مستوى إجمالي الأسماك السطحية الصغيرة، وتسجيل تراجع بنسبة 41 في المائة من مخزون السردين لوحده».
وأضاف المدير الجهوي أن هذا التراجع في أسماك السردين يعود إلى سببين رئيسيين، الأول مرتبط بالتغيرات المناخية والتي زادت من حدتها ظاهرة «النينيو» عبر الارتفاع في درجة الحرارة، الأمر الذي أدى إلى عدم استقرار في الكتلة الحيوية للسردين وغيابه في المصايد المعتادة، إضافة إلى هجرته الجماعية إلى أقصى جنوب المملكة وفي أماكن جد ضيقة، فهذه التغيرات المناخية لم تسمح بتجدد الثروة السمكية الطبيعية. أما ثاني الأسباب، حسب المتحدث، فيرتبط بارتفاع ضغط الصيد، حيث إن هناك تفاوتا كبيرا بين ما تم التصريح به ومع مجهود الصيد، إذ إن هناك تفاوتات كبيرة أوصلت المفرخة الطبيعية بالمخزون (C) إلى وضعية جد حرجة، بفعل الاستنزاف الكبير.
وكشف مدير المعهد أن الأزمة الحالية في قطاع السردين هي نتيجة طبيعية للاستنزاف الكبير الذي دام لسنوات، إلى درجة أنه تم خلال سنة 2022 تحقيق أرقام استثنائية، إذ وصل الإنتاج من الأسماك إلى مليون و552 ألف طن، 89 في المائة منها حققتها مصيدة الأسماك السطحية الصغيرة، أي ما مجموعه مليونا و347 ألف طن، وضمن الأسماك السطحية الصغيرة، بلغ إنتاج الصيد من السردين 989 ألف طن، ما مكن هذا النوع السمكي من تحقيق إنتاج وطني فاق 60 في المائة.
ومن تداعيات هذه الأزمة توجيه تنظيم مهني بالعيون مراسلة إلى الوزارة الوصية، من أجل السماح للمراكب النشيطة في مصيدة الأسماك السطحية الصغيرة بولوج مصيدة بوجدور بالتناوب مؤقتا في حدود 40 مركبا في كل مرة، وذلك «اعتبارا للوضعية الصعبة التي أضحت تحكم نشاطهم المهني، بسبب وضعية المخزون السمكي المتذبذبة، وارتفاع تكاليف رحلات الصيد في غياب تام للأسماك السطحية». وأضافت المراسلة أن «البحارة والفاعلين في القطاع يعيشون على أعصابهم في ظل التراجع المهول للمصيدة، مقابل تراكم الديون التي أصبحت تثقل كاهل البحارة والمراكب النشيطة بالميناء».
واستنادا إلى المعطيات، فإنه بات من الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة وصارمة من أجل ضمان تعافي مصيدة الأسماك السطحية، ومن بين هذه التدابير العمل على تخفيض كثافة الصيد بشكل استعجالي، ومراجعة مجهود الصيد، رغم ما قد يثيره ذلك من احتقان لدى عدد من أرباب الاستثمارات في قطاعات مرتبطة بالبحر على اليابسة، إلا أن الحفاظ على الثروة السمكية وضمان استدامتها للأجيال المقبلة من أولى الأولويات.