بقلم: خالص جلبي
لا يمر علي يوم، إلا ويرسل إلي أحدهم خبر أهمية اليهود، ونجاحهم وسيطرتهم على العالم، وأنهم محور التاريخ وخير البرية، عقلا وتنظيما وذكاء وجمالا. قال الأخ: إن اليهود هم من غيّر التاريخ ويسيطر على الإعلام، ويخرج السينما، ويحرر الأفكار ويبني الجامعات، وينتج الدواء والغذاء، ويطور الطب، ويكتشف أسرار الفيزياء والتاريخ، وإن اليهود هم من أسس علم الاجتماع، واكتشف دينامو الاقتصاد، وخبايا علم النفس، والحقنة الطبية ومعالجة الناسور الشرجي. كل ذلك في أسماء لامعة، اقتطفوها من هنا وهناك، فتضيع على الغافل ويبلع طعمها الجاهل. وخلاصة الموضوع لهؤلاء أن الأمر ليس هكذا، فقدر التاريخ، وعلم النفس، وقوانين علم الاجتماع ومحرك الاقتصاد إلخ، كله تراث بشري ساهم فيه الكثير من الجنس البشري، واليهود بشر ممن خلق، فيهم الصالح والطالح، كانوا طرائق قددا. ومن يسيطر على أمريكا ليس اليهود، بل الواسب (WASP)، أي البروتستانت البيض، وهي فكرة استفدتها من اليساري جلال العظم. كما أن أقطاب علم التاريخ ليسوا يهودا، والعمالقة منهم هم توينبي «مختصر دراسة التاريخ»، وويلز البريطاني «معالم تاريخ الإنسانية»، وشبنغلر الألماني «أفول الغرب»، وديورانت الأمريكي «قصة الحضارة»، وكلهم غير يهود. وأن من هو أعظم من كارل ماركس؛ كان لينين، الذي قال: لقد فسر ماركس العالم، ونحن علينا أن نغيره، وفعلا غيره، ولكن للأسوأ، فمات من خلف ديانتهم 200 مليون من العباد. ولولا لينين ما سمع الناس بماركس، ومن كان أعظم من المجرمين السابقين، هو سيئ الذكر «ماو تسي تونغ» الصيني غير اليهودي، الذي أزهق أرواح ثلاثين مليونا من الأنام بالمسغبة مع خرافة الثورة الثقافية، فهلك الناس جوعا وغما! وهكذا فاليهود وغيرهم من الناس يتسابقون في الشر، وبين أظهرنا من هو أسوأ كما جاء في حديث الفتن لحذيفة بن اليمان؛ دعاة على أبواب جهنم، من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا! ومن اخترع لقاح شلل الأطفال ليس يوناس سالك اليهودي لوحده، بل معه سابين، فأخذ اسم لقاح البوليو (سابين ـ سالك). وأن من عالج مرض الزهري بنجاح ليس دواء السلفارسان 666بيد إرليش اليهودي النمساوي، بل البنسلين بيد فلمنغ، فشفى الزهري تماما وكاملا وفي أي مرحلة. وأن سيئ الذكر ماركس ليس من نادى بالشيوعية، بل من احتضنه وآواه إنجلز البريطاني غير اليهودي، فاشتهر هذا وخبا ذاك، كما هو الحال بين غاندي وعبد الغفور خان. وبالمقابل فإن كيسنجر القبيح ذو الذنوب السبعة والخطايا العشر، مفجر الفتن وباعث الإحن، هو يهودي لا يرفع رأسا، بل نافث شرورا، ولا أظن أنه في سجل الخالدين، إلا إن كان من أصحاب الجحيم، ولو ذهبنا نعد في مقابلات، من أنتج وعمل وخدم لما كان لليهود مزية، سوى أنهم عاشوا في مجتمعات قوية، منحتهم القوة؛ فالفضل في هذا للمانح وليس المستقبل، مثل حبة قمح تزرع في صحراء تندوف أو تربة إندونيسيا وغابات باناما. ومثل هذا حالة أحمد زويل المصري، فلو بقي في مصر، لكان يعلف الشعير للدواب في صعيد مصر، وفي أحسن الأحوال مصفقا في المظاهرات، أو نيابيا منافقا، أو أستاذ جامعة يكرر المتون الميتة. ومن جعل من سالك وستاربكس وفرويد وأينشتاين وماركس، هي تلك الأرض الطيبة من الفكر الغربي الذي حقق قفزة نوعية في الفكر الإنساني؛ فكان مثل اليهود من كان يركب جحشا أو عنزة فركب طائرة «بوينغ 747». ونحن في ظلمات الفساد والتردي والنكس الحضاري لا نفهم الأشياء، ولو قرئت علينا لم نفقها. وهذا يقودني إلى فكرة السيطرة على العقول بالأفكار الفاسدة، وبين الحين والآخر تقع بين يدي مقالة هامة أقلب فيها النظر، وأقول هي جديرة بوضعها أمام القارئ للاطلاع. مع هذا فإن الأخبار كما ذكر ابن خلدون يجب أن تخضع للقواعد الست، التي وضعها ابن خلدون في نقل الأخبار. قال لي من أرسل البحث: «إذا كنت تنتمي إلى مجموعة صغيرة من النخبة الحاكمة ومحدودة العدد، وتريد السيطرة على مجموعة كبيرة من البشر، أول ما ستستنتجه هو أن السيطرة المباشرة (بالقوة أو التهديد) غير مجدية أبدا، وليس لديك أي فرصة في فعل ذلك. فبالتالي، الفرصة الوحيدة التي تمكنك من حكمهم هي السيطرة على عقولهم..». والرجل لم يضع عنوان مقالته هكذا السيطرة على العقول، فوجدتها أنا مناسبة. يقول الكاتب وحتى الآن كلامه مستقيم: «ويقصد بعبارة «السيطرة على العقول» التأثير والتحكم في طريقة تفكير الشخص، بالإضافة إلى الأمور التي يفكر فيها. ويتم الاستعانة بوسائل غسيل الأدمغة في جميع المجتمعات تقريبا. وهذه الوسيلة عرفت منذ زمن سحيق، وأثبتت أنها وسيلة مجدية جدا في مساعدة السلطات على حكم الرعايا والسيطرة عليهم. أما اليوم فهي تستخدم بقوة وعلى نطاق واسع، ذلك بفضل وسائل وتقنيات متطورة وفتاكة (كالتلفزيون والتلفونات الذكية، بل والذكاء الصناعي). وأقدم وسيلة للسيطرة على العقول هي التحكم في المعلومات التي ينهل منها الشخص. أي عملية الحد من كمية المعلومات، وبالتالي الحد من مستوى التفكير، وهذا يؤدي إلى أفق ضيق ومحدود، مما يعني أن الأمور التي وجب التفكير فيها تصبح محدودة، فالنتيجة هي أن الخيارات تصبح محدودة. وأتذكر عند هذه النقطة ثلاث أفكار؛ واحدة لعالم النفس السلوكي سكينر، والثانية للفرنسي إيتيان دو لابويسي، صاحب كتاب «العبودية المختارة»، والثالثة من أفكار مالك بن نبي حول تحويل لون الصراع عن طريق آلية المرآة العاكسة، وهي الفكرة نفسها التي أشار إليها روبرت غرين في كتابه «لعبة القوة والسياسة». وهذه اللعبة في غاية الخطر، فليس مثل الوعي نورا.
نافذة:
أقطاب علم التاريخ ليسوا يهودا والعمالقة منهم هم توينبي «مختصر دراسة التاريخ» وويلز البريطاني «معالم تاريخ الإنسانية» وشبنغلر الألماني «أفول الغرب» وديورانت الأمريكي «قصة الحضارة»