مونية الدلحي
عند الحديث عن إدمان الأنترنت وخصوصا على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» بين الأزواج، غالبا ما يكون الزوج هو المتهم فيما تعتبر الزوجة الطرف المتضرر من إدمان زوجها الحديث مع الغرباء وتركها تتجرع مرارة الشك والحيرة حول خيانة افتراضية قد تتحول بين عشية وضحاها إلى خيانة واقعية. لكن ماذا لو انقلبت الأدوار وأصبح الضحية هو نفسه المتهم، وأصبحت الزوجة التي كانت تشتكي من تجاهل زوجها لها، واستغلال ساعات فراغه لقضائها أمام شاشة الحاسوب؟
حالات كثيرة تلك التي وصلت حد الطلاق بسبب إدمان الزوجة على شاشة الحاسوب أو الهاتف، لمتابعة آخر الأخبار على والتدوينات والمحادثات على موقع «فايسبوك».
دون أن يصل الأمر إلى حد اتهام الزوجة بالخيانة مع شخص في عالم افتراضي، فإن رميها باللامبالاة والتهاون وترك زوجها وحيدا للتحدث مع صديقات تعرفت عليهن على «الفايسبوك» أمر كاف بالنسبة لعدد من الأزواج لإنهاء علاقتهن بأزواجهن.
الغيرة من مواقع التواصل
ساعات طويلة من الدردشة تلك التي تقضيها الزوجة المتهمة اليوم على «الفايسبوك» أو على «الواتساب». وفي الوقت الذي تعمل فيه على توطيد علاقتها بصديقاتها فهي تعمل عل تدمير زواجها.
فما حصل مع أمل وحميد يعتبر درسا لكل زوجة تريد المحافظة على زواجها، وصلت العلاقة الزوجية بين حميد الذي يشتغل كموظف بإحدى الشركات، وأمل التي تشتغل أيضا كموظفة إلى طريق مسدود، والسبب أن حميد لم يعد يحتمل تصرفات زوجته التي يعتبرها تصرفات «صبيانية» على حد تعيره، يقول حميد بتدمر « كانت علاقتنا على ما يرام لأننا تزوجنا عن حب، لكنني بعد فترة شعرت أن زوجتي أصبحت لا مبالية ولا تهتم لما قد يشعرني بالسعادة، أصبحت باردة المشاعر. والمشكل الأعظم أن كل ما حدث بسبب إدمانها المفرط على التواصل عبر «الفايسبوك» و»الواتساب» مع صديقاتها، لدرجة أنها لم تعد تفرق بين حضوري وغيابي، فهي تتصرف كما لو كنت غائبا. كثيرا ما تناقشنا في الموضوع بل وتخاصمنا، لكن دون جدوى، كنت في كثير من الليالي أذهب للسرير للنوم، بينما هي تظل حاملة هاتفها بين يديها وتبتسم مع شاشته الصغيرة. استمر الحال على ما هو عليه وفي المقابل كانت تكبر الفجوة بيننا، إلى أن قررت وضع حد لهذه المهزلة. حدثتها بكل صراحة وطلبت منها الانفصال لأنني لم أعد اعرفها وليست المرأة التي اخترتها أول يوم».
لم تتوقع أمل أن تصل الأمور بينها وبين زوجها لطلبه الانفصال، صدمتها بطلبه، جعلتها تفكر فيما آلت اليه الأمور بينهما، وحينها فقط أحست بفظاعة فعلتها وكيف اثرت على علاقتها بشريك حياتها. تقول أمل « لم أتوقع أبدا أن يأتي اليوم الذي يطلب مني فيه زوجي الذي اخترته عن حب الطلاق، والسبب انشغالي الدائم عنه بهاتفي، لكن طلبه هذا كان بمثابة صفعة قوية لي جعلني أفكر مليا فيما آلت إليه الأمور بيننا. ناقشته في الموضوع وشرحت له أنني لم أكن أتعمد الانشغال عنه، أو أنني أحب صديقاتي أكثر منه، طلبت منه فرصة ثانية ووعدته بأنني سأتغير للأفضل، وعقدت معه منذ تلك الليلة اتفاقا على أن لا أحمل الهاتف بين يدي إلا للضرورة القصوى. ووعدته بأنني لن أتكلم ثاني مع صديقاتي بحضوره وبأن كل ثانية تجمعنا فهي لنا وحدنا وسنستغلها سويا، تحسنت الأوضاع بيننا منذ ذلك الحين وعادت المياه إلى مجاريها، واكتشفت فعلا أنني كنت أظلم نفسي و زوجي بتصرفاتي الأنانية، وبأنني كنت على وشك خسارة حب حياتي بسبب غلطة».
التضحية بالعائلة من أجل «الفايسبوك»
لم تكن أمل وحدها الزوجة التي أدمنت «الفايسبوك»، وجعلها إدمانها تبتعد عن زوجها وأسرتها الصغيرة، فحسناء 27 سنة موظفة وأم لطفلة صغيرة، جعلها إدمانها تبتعد ليس عن زوجها فحسب، بل حتى عن فلذة كبدها، وتتركها لوالدتها طوال الوقت حتى بعد الانتهاء من العمل، بسبب أنها أصبحت شاردة ومنشغلة دائما. حياة حسناء لم تتغير كثيرا بعد الإنجاب، فكل ما كانت تقوم به سابقا لا زالت وفية له، فقط مع إضافات بسيطة أنها أصبحت تتردد على والدتها كثيرا بسبب طفلتها، بحكم أن أمها من تكفلت بصغيرتها، نظرا لكون حسناء امرأة عاملة وظروف عملها تحتم عليها ترك ابنتها لساعات طويلة.
تقول أمل « كنت مدمنة على مواقع التواصل الاجتماعي دون أن أشعر بإدماني، كنت أظن أن ما أقوم به أمر طبيعي وعادي وكل شخص يقوم به، لكنني تفاجأت وخصوصا بعد ولادة ابنتي أنني أصبحت زوجة وأما مستهترة، مع الوقت اكتشفت أن علاقتي بزوجتي أصبحت فاترة، بل حتى ابنتي لم تشبع من حناني، فكانت تقضي كل اليوم في بيت أمي. والوقت القليل الذي كانت تقضيه معي، كنت غالبا ما اتركها لوحدها أو مع والدها لأحمل هاتفي بين يدي».
بدأت شكوى زوج حسناء تتصاعد وبدأ المشاكل تكبر بينه وبين زوجته، لكن دون فائدة تضيف حسناء «زوجي اشتكى كثيرا من تصرفي الأناني هذا وعاتبني كثيرا خصوصا بعد إنجاب ابنتي وملاحظته بأني لا أحملها كثيرا ولا أهتم بها، ولم أكن أعره أي اهتمام. لكن مع الوقت بدأت أشعر أن حياتي تغيرت للأسوأ، وأنني لم أعد أتمتع بالحياة كما السابق، انطفأت شرارة الحب بيني وبين زوجي، حتى ابنتي عندما بدأت تكبر قليلا، اكتشفت أنها تعتبر أمي هي أمها وتفضلها علي. عندما تناقشت مع زوجي في الموضوع صدمني بواقع مر وأخبرني بالحرف بأنني سبب ما يحدث، لأنني لا مبالية ومستهترة وأفضل هاتفي على عائلتي نزلت كلماته علي كالصاعقة وظللت أبكي، وما زاد من ألمي أنه أخبرني بأنه لم يعد يحبني كالسابق، وفقد الأمل في نجاح علاقتنا. بل وأخبرني بكل صراحة أنه الآن مستعد ليحب من جديد وبأن ابنتنا هي سبب استمرار زواجنا إلى الآن».
حينها فقط علمت حسناء بأن حياتها الخاصة تسير نحو الهاوية وأن عليها الاستيقاظ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.
سفيان الفاضلي رئيس الرابطة الوطنية للمدربين والمستشارين المغاربة «غياب التواصل الجنسي من أسباب إدمان الزوجة على الأنترنت»
يرى سفيان الفاضلي رئيس الرابطة الوطنية للمدربين والمستشارين المغاربة أن الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي من طرف الزوجة بات من أخطر الفيروسات التي تصيب البناء الزوجي فتهدمه وتفرتك كيانه، نتيجة للمبالغة في استعمال الأنترنت من طرف الزوجة وجلوسها لساعات طوال أمام شاشة الحاسوب أو هاتفها الذكي، الشيء الذي يقض مضجع الزوج ويؤسس لزعزعة هذه العلاقة الزوجية.
يقول الفاضلي إن الأسباب التي تجعل الزوجة تقضي ساعات طوال بمواقع التواصل الاجتماعي وتحبس نفسها بين جذران المربع الأزرق كثيرة في مقدمتها غياب التواصل الجنسي بين الزوجين وعدم مقدرة الزوج اكتشاف زوجته جنسيا وعدم شعورها بالإشباع الجنسي والعاطفي من طرفه والإهمال، خصوصا عندما يقابل صراحتها معه بخصوص هذه الحاجات بنوع من السخرية والتهكم واللامبالاة مما يدفع الزوجة بالبحث عن هذا الإشباع من خلال «الفيسبوك»، خصوصا لما يوفره من سرية وخصوصية.
ويشرح الفاضلي الأسباب التي تجعل المرأة مدمنة على الفضاء الأزرق ومن أهمها الرتابة والملل الذي يعيشه كثير من الأزواج في حياتهم اليومية فيظن الزوج أن واجبه قضاء طول اليوم بالعمل لتلبية حاجات الأسرة المادية. بينما على الزوجة الاهتمام بالأبناء وأشغال المنزل، الشيء الذي يدفع كلا الزوجين للبحث عن التجديد خارج البيت، وإذا كان الزوج غالبا يهرب إلى المقهى والأصدقاء، فإن الزوجة تهرب لتجدد نمط حياتها بمواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات الإلكترونية.
كما يوضح الفاضلي أن مكوث الزوجة لساعات طوال أمام «الفيسبوك» هو نوع من الانتقام النفسي ووسيلة لفرض الصمت الزوجي على الحياة الأسرية وإغلاق شتى قنوات التواصل سواء بالكلام أو الإنصات، وانكبابها على الأنترنت لفترة طويلة هي رسالة منها إلى الزوج كونها غير سعيدة ومرتاحة في علاقتها الزوجية أحيانا وانتقاما منه لعدم الاهتمام بها، وتلبية حاجاتها أحيانا أخرى، دون أن ننسى يقول الفاضلي، أن بعض الزوجات تكون قد تربت قبل زواجها داخل أسرة متفتحة كثيرا في تواصلها وتعطي لبناتها حرية مطلقة وتمتعها بخصوصية زائدة عن الحد والمعقول خصوصا في تعاملها مع مواقع التواصل الاجتماعي، عموما مما يصعب على هذه الفتاة الإقلاع عنها بعد دخولها عش الزوجية.وأخريات يشعرن مع أزواجهن بفراغ على مستوى التقدير الذاتي، حيث ينقص منها زوجها دائما ويحط من قدرها مما يجعل هذه الزوجة تتقمص شخصية معينة تظهرها للآخرين على «الفيسبوك» للحصول على إعجابهم وتقديرهم، حسب الفاضلي دائما.
ويحذر الفاضلي الزوجة كون الإدمان على «الفيسبوك» وهروبها للعالم الأزرق لأي سبب من الأسباب يجعلها طعما سهلا للكثير من الرجال، فبمجرد بعض كلمات الثناء والإعجاب وتعابير الحنان والحب تجر الزوجة للهاوية بعد أن تتحول هذه المحادثة الكتابية إلى مكالمات هاتفية ثم إلى لقاء ما يجعل الزوجة تقع في الخيانة، خصوصا وأن أغلب هؤلاء الرجال يتصفون بالكذب والمكر والخذاع لاصطياد كهؤلاء النساء. يرى الفاضلي أنها بداية تفكك الأسرة وتشرذمها واختلاط للأنساب وصعوبة الفصل بينها، وبداية نهاية المجتمع. كما أن البقاء كثيرا ويوميا أمام «الفسيبوك» يجعل الزوجة تميل للعزلة عن أسرتها والمجتمع الشيء الذي يؤثر في شخصيتها كثيرا وينعكس سلبا على تربية أبناءها ووضعية الأسرة ومستقبل المجتمع عموما حسب الفاضلي دائما.
ويرى الفاضلي إدمان الزوجة على «الفيسبوك» كثيرا ما يكون نتيجة غياب التواصل والحوار الصريح بين الزوجين، فالسعي الحثيث لحل كل المشكلات الصغيرة منها والكبيرة بشكل متواصل وخلق جو من التفاهم والوضوح بينهما وتدخل طرف ثالت من العائلة أو أحد المختصين إذا اقتضى الحال ذلك، ومشاركة الزوج هواية الأنترنت لدى زوجته واستغلال هذه المواقع في تبادل رسائل الحب والإعجاب والمدح والتقدير بينهما . كما أن إدخال الزوجة ومشاركتها في نشاطات اجتماعية تطوعية، سلوك في غاية الأهمية لملء أوقات فراغها وسبيلا ناجعا لانفتاحها ومقابلتها لأناس مختلفين مما يساعدها على التواصل أكثر، كما أنه الزوج باعتباره المسؤول التربوي على البيت عليه تخصيص وقت محدد لاستعمال الأنترنت دون غيره في اليوم. وتشجيع زوجته على ممارسة هوايتها ومساعدتها في ذلك الشيء الذي يكسبها التقدير والرضا الداخلي ويزيد ارتباطها بزوجها.