أزمة قيم
زينب بنموسى
الفشل، النجاح، الأخلاق، الوقاحة، المزاح… وغيرها، مفاهيم اختلط فيها الحابل بالنابل في عصر الفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي.
كل الممارسات التي كانت سابقا حالات شاذة أصبحت هي الأصل، وكل الصفات المشينة أصبحت مدعاة للفخر.
لو بحثت عن كلمة «المتنمرين» أو «المتنمرات» على الفيسبوك، ستظهر لك العديد من المجموعات والصفحات العامة والخاصة، التي تحتوي على عدد كبير من المتابعين المشتركين في هواية واحدة: التنمر.
أجل، فالتنمر أصبح هواية، لم يعد ممارسة مشينة، ولا ظاهرة مرفوضة مجتمعية بل اكتسب حاليا شرعية شعبية، وحماية افتراضية توفرها له قطعان كاملة من الفيسبوكيين، وأصبح مجرد هواية بسيطة مثل الرسم، أو لعب الكرة، ومن لا «يستمتع بالتنمر» ويضحك مع الجمهور على النكات والقفشات السمجة التي تمس أشخاصا آخرين، فهو شخص كئيب لم يتعلم بعد أسلوب حياة المتنمرين السعداء.
وكي تصبح عرضة للتنمر، لم يعد ضروريا أن تكون شخصية عمومية أو نجما تلفزيونيا يعرض حياته الشخصية للجمهور عن طيب خاطر، أو ترتكب خطأ ما أمام الكاميرا، كل الشروط تم إلغاؤها، ويستطيع أي كان اليوم أن يتعرض للتنمر، يكفي أن يصل أحد الهواة الجدد إلى صوره أو صفحته على الفيسبوك، وسيهاجمه هكذا مجانا. فنحن شعب لا نحسن إلا التنمر على بعضنا البعض ولا يزعجنا فشلنا بقدر ما يزعجنا نجاح الآخر، المهم نبقاو فاشلين كاملين.
إذا أردت دليلا، شاهد عدد المنشورات والتدوينات المتنمرة على صاحبة أعلى معدل بالباكالوريا.
فتاة في مقتبل العمر لم يكمل حتى جسدها نموه الكامل بعد، مهتمة-كما يفترض أن يكون جميع أقرانها- بدراستها، وكللت مجهوداتها بحصولها على أول معدل في الباكالوريا، بدل أن يحتفي الجميع بنجاحها وبوجود شوية ديال الضو في جيل التيكتوك، تعاقبها مواقع التواصل الاجتماعي بالسخرية من شكلها الطبيعي جدا، وبدل أن يكون نجاحها هو الموضوع أصبحت هي و«جمالها» حديث الساعة. المضحك/المبكي أن هذه التدوينات ليست صادرة فقط عن مراهقين، أو أطفال يمكن التماس العذر لهم بسبب الطيش، حملة التنمر شارك فيها أناس بالغون، ومنهم ربما آباء وأمهات لم يخجلوا من المساهمة في بناء مجتمع متنمر قد يكون أبناؤهم ضحية له.
السخرية السوداء أو الساركازم الذي كان سابقا وسيلة لتوجيه النقد ضد السلطة الاجتماعية والسياسية والدينية أصبح أداة تجريح، ومبررا للأذى النفسي الذي يمكن التسبب فيه للغير، ووسائل التواصل الاجتماعي التي كانت منصات يتشارك فيها الناس حياتهم وأفكارهم أصبحت أشبه بثكنات يوفر أصحابها لبعضهم حماية افتراضية تشجعهم على التنمر على الغير من خلف الشاشة تحت شعار «غير ضاحكين».
ما نعيشه اليوم هو أزمة قيم حقيقية، وفقدان مفزع لبوصلة الأخلاق، وخلال مدة قصيرة سيتحول الرافضون لهذه الممارسات إلى حالات شاذة، وسيطبع المجتمع كعادته مع رأي الأغلبية، وستسيطر أخلاق جيل التيكتوك على الجميع وتصنع لنا مجتمعا مليئا بالمتنمرين والمتحرشين، والجاحدين، وديك الساعة عاد نوضو نبكيو علاش ماربيناش ولادنا وقريناهم، وكنا حتى حنا كانتنمرو معاهم فالفيسبوك.